التهجير بيد العدو… والسلطة أيضاً: ركام «الشريط الحدودي» على الأرض

التهجير بيد العدو… والسلطة أيضاً: ركام «الشريط الحدودي» على الأرض
يبدو أنّ ملف رفع ركام الحرب في منطقة عمل مجلس الجنوب، في محافظتي النبطية ولبنان الجنوبي، لن يصل إلى نهايته قريباً. يأتي ذلك بعد 9 أشهر من اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني من عام 2024، وبعد 4 أشهر على تلزيم أعمال رفع الردم للمتعهدين «بيتا للهندسة، وإيلي نعيم معلوف». فالآليات العاملة على رفع الركام توشك على إنهاء الأعمال في كلّ القرى والمدن الجنوبية باستثناء ما يعرف بـ«قرى الحافة الأمامية»، والتي لا تزال على حالها بسبب منع العدو الإسرائيلي الآليات الهندسية، من جرافات وشاحنات، من العمل فيها. أما الحكومة، فقد أسقطت هذه المناطق من حساباتها لدرجة التسليم بوضعها المدمر، ووضع أهلها في التهجير للسنة الثانية على التوالي.
حتى ما أنجز من عمليات إزالة ركام الحرب لا يعود الفضل فيه للدولة بالكامل. فهذه العملية يمكن تقسيمها إلى جزئين،
الأول صغير ومحدود وبمبادرات شخصية، إذ قام عدد قليل من أصحاب الوحدات السكنية المدمرة برفع ردم منازلهم على نفقتهم الخاصة، ولم ينتظروا آليات الدولة أو مجلس الجنوب، بل قاموا بتلزيم ردم منازلهم إلى متعهدين محلّيين. وبدلاً من التعويض عليهم، لن تُصرف لهؤلاء تعويضات مقابل قيامهم بأعمال رفع ردم بيوتهم، بحسب ما يؤكّده مهندسون يعملون كمتعهدين مع الفائزين بالمناقصات. وفي المقابل، حصل المتعهدون على نتاج الردم من حديد وألمنيوم فضلاً عن مبالغ مالية لا تزيد عن ألف دولار عن كلّ منزل مكوّن من طابق واحد لا تزيد مساحته عن 150 متراً.
أما الجزء الثاني والأكبر من عمليات رفع الردم، فأسندته الحكومة إلى مجلس الجنوب وأغفلت عن متابعة سائر التفاصيل. وبدوره قام المجلس بتلزيم العمليات عبر 5 مناقصات عمومية، فازت بأربع منها شركة «بيتا للهندسة»، وهي مناقصات رفع الردم في قرى أقضية جزين وصيدا والنبطية وحاصبيا والبقاع الغربي، وقرى قضاء صور، وقرى قضاء مرجعيون، ومدينتي النبطية وصور. وفازت شركة «إيلي نعيم معلوف» بمناقصة رفع الردم في قرى قضاء بنت جبيل. ثمّ قام المتعهدان بتلزيم متعهدين محلّيين في القرى بالأعمال.
وبلغت قيمة المناقصات الخمس، 1024 مليار ليرة، أو ما يوازي 11.4 مليون دولار، فيما قدّر مجلس الجنوب حجم الردم المسؤول عن رفعه بـ5 ملايين و350 ألف متر مكعب. ويذكر هنا أنّ عملية التلزيم لم تكن سلسة، فالمناقصة أعيدت مرتين بعد رفض كبار المتعهدين في الجنوب المشاركة فيها بسبب عدم رضاهم عن السعر الأعلى المعروض مقابل رفع كل متر مكعب، والذي يبلغ 3.65 دولارات في القرى، و5.05 دولارات في المدن.
أنفق مجلس الجنوب حتى الآن أقل من 900 مليار ليرة على عملية رفع الردم
ما سبق لا يعني أنّ عملية إعادة الإعمار بدأت، أو انتهت عملية رفع ركام الحرب، أو حتى انتهت عمليات إصلاح الأعطال على البنية التحتية مثل الهاتف والإنترنت وشبكات الخليوي التي لا تزال مقطوعة عن مناطق واسعة في الجنوب. فالشريط الحدودي الممتد على طول 120 كيلومتراً من شبعا، وصولاً إلى الناقورة، لا يزال يشبه «منطقة قتل» للعدو، حيث تُستَهدف الحفارات والجرافات، وتمنع من القيام بعملها، وفقاً لرئيس مجلس الجنوب هاشم حيدر. ما يعني أنّ العمل متوقف في هذه القرى التي لا تزال الأوضاع فيها على ما كانت عليه صبيحة يوم 27 تشرين الثاني 2024 عند وقف إطلاق النار.
أما في ما بات يعرف بـ«المناطق الآمنة»، بحسب توصيف حيدر، فقد أنفق المجلس حتى الآن أقل من 900 مليار ليرة، وهي الدفعة الحكومية الأولى التي صرفت لمجلس الجنوب لإنهاء عملية رفع الردم. وتقوم البلديات في هذه المناطق بإنهاء عمليات رفع الردم، وتتابع مع أصحاب الوحدات السكنية المدمرة، وضمن آلية بطيئة، تلزيم إزالة الركام من أملاكهم للمتعهدين المحليّين. فعملية رفع الردم لا تتم بطريقة أوتوماتيكية للمكان المستهدف، بل «تنتظر البلديات موافقة أصحاب البيوت للمباشرة بالعمل».
وبحسب عدد من رؤساء البلديات، «تستلزم هذه العملية وقتاً إضافياً، وكان يمكن أن تنتهي في مدّة أقل». لكن، وبحسب عضو بلدية الخيام محمد يحيى «يوجد 3 آلاف وحدة سكنية مدمرة في البلدة موزعة على ألف مبنى، ولكن رغم أنّ ورشة رفع الردم شغالة وبقوة، سيتأخر إعلان انتهاء أعمال رفع الركام في البلدة بسبب عدم رغبة جزء من أهل القرية في جرف بيوتهم المتضرّرة، والتي بقي منها غرفة قابلة للسكن لعلمهم بعدم وجود تعويضات». لذا، يفضل هؤلاء الإبقاء على هذه الغرف رغم تضرّر المنزل بشدّة لعلمهم بعدم وجود تعويضات لإعادة الإعمار الآن.
أما ركام المنازل، فيجري نقله إلى مكبّات مخصصة قام المتعهدون بتأمينها، حيث يتم فحصه بيئياً للتأكد من خلوّه من الشوائب والعوادم، وفقاً لحيدر الذي يصفه بـ«النظيف». وفي هذا السياق، يلفت حيدر إلى «استخدام عدد من البلديات للركام في رصف الطرق الزراعية في بلداتهم، ما يخفف من الكميات المرسلة إلى المكبّات».
الاخبار