فلسطين

الحَراك الإسرائيلي على مفترق طرق: نحو انتظام سياسي بوجه نتنياهو؟

الحَراك الإسرائيلي على مفترق طرق: نحو انتظام سياسي بوجه نتنياهو؟

يشهد الداخل الإسرائيلي احتجاجات هي الأكبر من نوعها، فيما تبقى قدرتها على إحداث تغيير فعلي رهن استمراريتها وبروز قيادة سياسية تُوجهها.

يحيى دبوق

شهدت إسرائيل، أمس، حراكاً احتجاجياً واسعاً، شلّ حركة الطرق جزئياً، وأوقف نشاط عشرات المؤسسات، في دلالة على الغضب المتصاعد من إخفاق الحكومة في استرجاع الأسرى من قطاع غزة، بعد ما يقرب من عامين من الحرب. على أنه ما يزال من غير الواضح بعد ما إذا كانت تلك الاحتجاجات واسعة النطاق كافية لفرض تغيير في مسار حكومة لديها مشروع تتمسك به بقوة، ولا تبدي أي استعداد للتراجع عنه بسهولة.

وشهدت التحركات، هذه المرة، حضوراً وازناً، شمل الآلاف من المشاركين في تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع، وتخلّلها إغلاق طرق رئيسية. كما حظيت بدعم واسع من القطاع الخاص، بعدما أغلقت الجامعات أبوابها أو سهلت الالتحاق بالفاعليات الاحتجاجية على اختلافها، في ممارسات انسحبت أيضاً على عدد من النقابات العمالية والمطاعم والبلديات.

وعلى هذا النحو، مثّل «يوم الغضب» أحد أكبر التعبيرات الجماعية عن الرفض الداخلي لسياسات الحكومة في ملف الأسرى، فيما تبقى قدرته على إحداث تغيير فعلي مشروطة بجملة من العوامل التي لم تتحقق بعد، وعلى رأسها استمرارية الحراك وتوسع قاعدته لتشمل قطاعات جديدة، خصوصاً الجيش والاقتصاد والنقابات الكبرى، جنباً إلى جنب بروز قوة سياسية قادرة على توجيهه.

ولعلّ من أبرز العوامل التي تقوّض قدرة الشارع على فرض تغيير في مسار حكومة الاحتلال، هو كون الائتلاف الحاكم لا يكترث بإرضاء الجمهور، بقدر تمسكه بتطبيق أجندة أيديولوجية محددة، ما يدفعه إلى العمل من أجل الحد من الحركات الاعتراضية أو إنهائها. كما إن الحكومة الحالية، التي تشعر بتهديد متزايد لوجودها، تشعر أن تراجعها في هذه اللحظة بالذات، سيعدّ نوعاً من «التنازل تحت الضغط» الذي سيمهّد لانهيارها لاحقاً، وهو ما يجعلها مستعدة لدفع الأثمان الباهظة على اختلافها، بدءاً من تفاقم الانقسام الداخلي وتصاعد الاتهامات بالتسبب في قتل الأسرى، وصولاً إلى الإدانات الدولية المتصاعدة، وفقدان الشرعية تدريجياً، في الداخل والخارج على حدّ سواء.

ركّزت حكومة نتنياهو على شيطنة الاحتجاجات وتجريمها

ومن هنا، لم تردّ حكومة بنيامين نتنياهو على الاحتجاجات بإطلاق دعوة إلى التفاوض، بل ركّزت، في المقابل، على شيطنة التحركات وتجريمها؛ إذ رأى وزير المالية، بتسئيل سموتريتش أن الحركة الاعتراضية «فشلت»، نظراً إلى أن «عدداً صغيراً من الإسرائيليين لبوا الدعوات» إليها، واصفاً المحتجين بـ«الخونة». واعتبر سموتريتش أن «المحتجين يقوّضون الأسرى، ويعملون لصالح حماس»، فيما اتهمهم وزراء آخرون بإثارة «الفوضى وإحراق الدولة ومساعدة العدو».

خيارات مفتوحة

بناءً على كلّ ما تقدّم، يقدّر مراقبون أن ما يحصل في الداخل الإسرائيلي اليوم لا يقاس بحجمه، بل بما سيليه؛ إذ إنه في حال انضمت قطاعات جديدة إلى الاحتجاجات، من مثل الجنرالات المتقاعدين ونقابات العمال الكبرى أو «الهستدروت» والشركات الكبرى، فقد يولّد ذلك ضغطاً حقيقياً، يُجبر الحكومة على التفاوض. أما إذا تراجعت الاحتجاجات بعد اليوم، وانتهى الزخم، فستُقرأ كحدث عابر، بل قد تأتي حتى بنتائج عكسية تدفع الحكومة إلى تعزيز العمل على تنفيذ أجندتها، على ضوء استنتاجها أن الأثمان التي تدفعها ما تزال مقبولة.

وإلى الآن، لا تقف خلف الاحتجاجات قوى سياسية معارضة منظمة، ما يخلق نوعاً من الفراغ السياسي في أوساطها؛ إذ إنّ بني غانتس ويائير لابيد بعيدان من الإمساك بزمام الأمور، وكل منهما يرفض منح الآخر حق القيادة. كما يُسجل غياب أي خطة بديلة، أو طرح إستراتيجي للحرب وللمرحلة التي ستليها.

وعليه، ما يزال الحراك الاحتجاجي أقرب إلى تعبير عن رفض مبنيّ على قضية الأسرى حصراً، من كونه يحمل مشروعاً سياسياً. على أن ما تقدّم لا يعني أن الاحتجاجات غير فاعلة، بل هي تعتمد على ما سيليها، وما إذا كانت ستشكل مقدّمة لحراك مختلف عن سوابقه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب