ثقافة وفنون

Materialists: هل الحلّ رومانسي في أدغال النيوليبرالية؟

Materialists: هل الحلّ رومانسي في أدغال النيوليبرالية؟

في فيلم «ماديّون» المطروح في الصالات اللبنانية، يتعامل سكّان نيويورك مع الرومانسية على أنّها صفقة تجارية، مسلّطين الضوء على النهج الرأسمالي الذي يضفيه العزّاب اليائسون على عالم المواعدة!

شفيق طبارة

إذا كان المفهوم الكوري «إن- يون»، الذي يعني «القدر» أو «المصير»، أو العلاقة المقدّرة مسبقاً، أو خيوط القدر الخفية التي تربط العلاقات الإنسانية عبر الزمن، هو المغزى الرومانسي المحوري لفيلم «حيوات سابقة» (2023 ـــ Past Lives ـــ متوافر على نتفليكس) باكورة الكاتبة المسرحية والمخرجة الكندية من أصل كوري سيلين سونغ، فإنّ المصطلحات المالية هي، بجدارة، لغة الحبّ في فيلمها الثاني «ماديون» المطروح في الصالات اللبنانية.

من «حيوات سابقة» إلى «ماديون»: تحوّل في اللغة العاطفية

يتعامل سكّان نيويورك مع الرومانسية على أنّها صفقة تجارية، ويناقشون الأصول المادية، وقيمة شركاء حياتهم المحتملين، مسلّطين الضوء بذلك على النهج الرأسمالي الذي يضفيه العزّاب اليائسون على عالم المواعدة.
ظهور سونغ الأول المشهود له في «حيوات سابقة»، والمبالغ في تقديره إلى حدّ ما (ترشيح أفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي في أوسكار 2024)، جعل فيلمها الجديد موضع ترقّب كبير، وتحوّل إلى حدث منتظر.

نظرة «حيوات سابقة» الآسرة على القدر والحبّ، لمست مشاعر حقيقية، لكنّ «ماديون»، يكاد يكون سخيفاً، فهو محاولة مملّة لتقديم كوميديا رومانسية، في قالب درامي يحاول معالجة قضية اجتماعية غير ساخنة إطلاقاً. وكما هي الحال في فيلمها الأول، يشكّل مثلث الحبّ العمود الفقري لفيلم «ماديون»، حيث تتصارع لوسي (داكوتا جونسون) بين السعي وراء صفقة حبّ مادية مع الملياردير هاري (بيدرو باسكال)، أو العودة إلى حياة مليئة بالتوتر المالي مع حبيبها السابق جون (كريس إيفانز) الفقير.

الرومانسية كمعاملة تجارية: صراع بين الحبّ والمال

في «ماديون»، تعمل لوسي كمدبرة زيجات، خطّابة عصرية ناجحة في نيويورك، تكسب جيداً عبر إيجاد شركاء حياة لعملائها. نهجها في إيجاد «الحبّ» عملي وبارد، تحكمه مواصفات دقيقة وقسرية. يجب أن يكون الرجال أغنياء، طوال القامة، والنساء جميلات وشابات. طبّقت لوسي وصفتها هذه عندما التقت بهاري، ولكن ظهور جون من جديد، قلب المشهد.

من الغريب رؤية فيلم يقول عكس ما يعتقد أنّه يقوله، أو في أحسن الأحوال، لا يعرف تماماً ما يقوله، أو يعجز عن تحديد موقفه. تحاول سونغ تقديم وجهين للعلاقات الرومانسية. من جهة، هناك مقاربة مادية براغماتية ترى في الحب والزواج صفقةً عقلانية، تُدار كمعاملة تجارية تضمن البقاء. ومن جهة أخرى، يبرز الحبّ الرومانسي في أكثر صوره نقاءً وزخرفة وسذاجة، إذ يُنظر إلى الحبّ كقوة قادرة على تجاوز كلّ العقبات.

سذاجة الطرح وإعادة تدوير المقولة القديمة

مع ذلك، فإن المعضلة التي يطرحها «ماديّون» قديمة بقدم تاريخ السينما نفسه: على المرء أن يختار بين الغني والفقير، بين الوديعة الثابتة والوديعة ذات الدخل المحدود والمتغيّر.
يصّر «ماديون» على إخبارنا عن الجانب المصلحي في العلاقات العاطفية، والتعامل مع الحبّ كمنفعة شخصية، ولكن النتيجة لا يمكن أن تكون أكثر سذاجة. ببساطة، «ماديون» هو أحد أفلام الأثرياء الجدد الذين يكتشفون، متأخرين وبادعاء البراءة، أنّ المال لا يشتري الحبّ السعيد.

محاولة لاستكشاف علاقات القوة والحبّ ضمن المجتمعات الرأسمالية

طرح مستهلك ومفرط في السذاجة، يكاد يُقارب الغباء، يُقدّم كأنّه كشف فلسفي عميق. يلوك الفيلم مقولةً مبتذلة، ويعيد تدويرها في سياق فارغ. فوق كلّ هذا وبشكل أخرق، احتاجت سونغ إلى دمج حبكة فرعية عن اعتداء جنسي في معادلة سردها لتعويض ميل بطلتها إلى فهم الرغبة كقيمة سوقية، لكن الحقيقة أنّ سونغ وكاميرتها مغرمة بالمطاعم الفاخرة وشقق مانهاتن التي تبلغ قيمتها عشرات الملايين.

التفاوت الطبقي تحت غطاء العاطفة

يقع «ماديّون» في التنميط المبالغ فيه في عملية المواعدة. ويقول بصوت عال إنّ العالم الذي صنعه الرجال إشكالي، وعلى النساء التعامل معه.
لن تكون هذه السياقات سيئة جداً أو غير واقعية لو تبعها نقاش ذكي، ولكنّ الحوار يتوقّف في الفيلم عند نقاط حاسمة. في المقابل، تستمر سونغ في تقويض أطروحتها، مناقضةً نفسها مراراً، إذ تطرح إشكاليات من دون أن تلتزم بتفكيكها، فتتراجع أمام تعقيداتها، وتكتفي بإشارات سطحية.

في محاولتها استكشاف علاقات القوة والحبّ ضمن المجتمعات الرأسمالية، تنهار هذه الرومانسية السينمائية المحافظة، تحت وطأة خوفها من المواجهة الحقيقية.
يختار الفيلم تلميع المكانة الاجتماعية عبر عدسة رومانسية، تُضفي على التفاوت الطبقي طابعاً جذاباً، بل تُشرعنه ضمن سرد عاطفي يُخفي التوترات البنيوية خلف مشاعر فردية. وبدلاً من تفكيك منظومة الامتيازات بذكاء، ينزلق الفيلم نحو إعادة إنتاجها، إذ يُقدّم الحب كوسيلة للتصالح مع النظام القائم، بدلاً من تفكيكه بذكاء.

انعدام الكيمياء وسقوط الطرح الدرامي

يفتقر الفيلم إلى الانسجام الرومانسي والجنسي، بل حتى الحواري، بين داكوتا جونسون وبيدرو باسكال، فيما يمنح كريس إيفانز لشخصية جون طابعاً مشتتاً وغير مكتمل.
معظم الحوارات غير منطقية، إذ تقطع المواضيع فجأة أو تطرح عشوائياً. تقول شخصية لوسي إنّ الحب الحقيقي يتميز بسهولة حضوره، وهو بالضبط ما يغيب عن الفيلم.

«ماديون» منغمس في الذات، متعالٍ، يعيد تدوير الصيغ المألوفة بلا جديد. ويزداد الإزعاج في محاولة لإقحام موضوع جاد (الاعتداء الجنسي)، الذي يبدو كأنه أُضيف على عجل لتعويض هشاشة الطرح، وبنهاية سعيدة مفروضة بشكل سطحي. تُضاف إلى ذلك مشكلة هوليوودية مألوفة: الجميع يجب أن يبدو جذاباً بشكل مثالي.

Materialists في الصالات اللبنانية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب