ثقافة وفنون

قصتان وعبرتان في يوم واحد بقلم: حسين جمعة -بعلبك -لبنان –

بقلم: حسين جمعة -بعلبك -لبنان -

قصتان وعبرتان في يوم واحد
بقلم: حسين جمعة -بعلبك -لبنان –
أحيانًا تحمل لنا الحياة دروسًا بليغة، بعضها نستقيه من كتاب الله العزيز، وبعضها من تفاصيل يومية عابرة قد لا ينتبه إليها كثيرون، لكنها تختصر حكمة عمر.
قصتان وعبرتان في يوم واحد، واحدة من وحي قراءة القرآن الكريم، وأخرى من الحياة اليومية. الأولى حول أدب إبليس مع الله، مع علم إبليس بغضب الله عليه، والذي سيقبض روحه بطريقة مرعبة، حتى أن ثلث البشرية سيصيبهم الجمود والرعب من هول الحادثة. سيتسمرون في أماكنهم كالمسامير، والبعض منهم سيفقد عقله من هول قبض روح إبليس، إذ سيهرب ساعة إلى المشرق وساعة إلى المغرب، وكيفما اتجه سيجد ملك الموت واقفًا بين عينيه.
أما الثانية فهي مع الإنسان ونكرانه الجميل. “إن الإنسان لربه لكنود”. قال ابن عباس: “لكنود” أي كفور جاحد لنعم الله. فبينما كان إبليس بعصيانه مؤدبًا مع الله، إذ قال: “ربِّ فأنظرني إلى يوم يبعثون”، نجد الإنسان الضعيف جاحدًا، قليل الأدب، عديم الأخلاق، وناكراً للفضل. بل حتى مع فرعون الذي طغى وتجبر، قال الله لموسى وأخيه: “فقولا له قولًا لينًا”، ليعلمنا أسلوب الرقة والرحمة في الخطاب.
أمس استعنتُ بإحدى العاملات في تنظيف المنزل بعد شتاء كريم من رب كريم، وكانت تُدعى “أم لؤي”. سألتها عن بقعة متسخة استعصى عليّ تنظيفها: هل نستطيع إزالتها؟ فأجابتني بكلمة ظلّت عالقة في ذهني طوال النهار: “ما في شي ما بينظف إلا الإنسان، هو الوحيد اللي ما بينظف مهما استعملت معه كل مواد التنظيف.”
حين تأملت جوابها، رأيت كم هو عميق. بعض القلوب لا تنظف أبدًا، تمتلئ قسوةً وحقدًا وكراهية، ولا تدري لماذا. بعضهم يحسدك ويضمر لك الشر وهو في أحسن حال، ولا تدري لماذا أيضًا. وكلما تقدّم العمر بنا اكتشفنا كم كنا متهاونين مع أنفسنا وأرواحنا، كم ضحّينا بها لإسعاد الآخرين، ظانّين أن “وما جزاء الإحسان إلا الإحسان”. لكننا نصدم بأننا نقابل بالاستهزاء والاستخفاف والنكران.
ليس جهلًا منّا، بل لأن ما بُني على غش يزهر غشًا، وما تأسس على باطل يثمر باطلًا. وهكذا ينقلب الغدر وبالًا على صاحبه، فيصيبه من كل اتجاه. لا تطلب من إنسان أن يعترف بجميلك أو عرفانك، لكن إياك أن تنكر تضحيات من قدّم لك أغلى ما يملك حتى تبقى مستورًا. ربما عمل بسيط قام به أحدهم تجاهك جعله يصبح إنسانًا آخر، وأنت ما أنت عليه اليوم بفضله.
يقول البعض إن كتاباتي تتسم بالحزن والسوداوية، وأقول لهم: أنا مدينة للفرح والتفاؤل والمحبة. لكن ماذا أفعل إذا كانت الأحداث والقصص التي نعيشها يوميًا مليئة بالقسوة والجحود؟ أنا لا أتجمل ولا أتكلف، بل أكتب كما أرى الواقع، كما تعيشونه أنتم أيضًا. الفرق الوحيد أن هناك من يُزيّف الحقيقة، بينما أنا أصفها كما هي.
فمن يقدّر وجع قلبك؟ من يشعر بدموعك وحرقة عينيك وأنت تحارب وحيدًا؟ من يسمع صوتك وأنت تصرخ بالمحبة والألفة والوفاء، بينما يعود صراخك بردًا وثلجًا ولا مبالاة، مع رشة من بهارات قلة الاحترام؟
يبقى السؤال: إلى متى يبقى الطيب طيبًا والحنون حنونًا؟
آن الأوان أن يقول كل طيب: كفى. لنفسك عليك حق. قدّر نفسك واهتم بروحك أكثر من ذي قبل، لأن هذه الدنيا الخادعة لا تستحق أن نهدر أرواحنا من أجلها. لم يعد في هذا الزمان ضمير، ولم تبقَ أخلاق. صارت الدنيا يحكمها الباطل، يقودها اللصوص وفاقدو الإنسانية، بينما تُهمّش القلوب الطاهرة النقية.
حسين جمعه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب