الصحافه

سواء وافق نتنياهو أم رفض.. هكذا تفوقت استراتيجية حماس على إسرائيل

سواء وافق نتنياهو أم رفض.. هكذا تفوقت استراتيجية حماس على إسرائيل

بن – درور يميني

سبق أن وافقت إسرائيل على منحى ويتكوف الذي عاد أمس مساء إلى مركز الخطاب الجماهيري. فقد بعثت حماس برد إيجابي. صفقة جزئية مع خيار لصفقة شاملة. التفاصيل معروفة. والكرة عادت إلى إسرائيل مرة أخرى. قبل لحظة من بلورة إسرائيل ردها، يجدر بنا أن نتذكر بأن لحماس استراتيجية. هي لا تهزم إسرائيل عسكرياً؛ بالعكس، تهزمها سياسياً. هذا ليس رأياً، بل حقيقة. وضع إسرائيل السياسي لم يسبق أن كان أسوأ. المشكلة وجود مكان للنزول. لا حاجة للوصول إلى هناك.

ليس التهديد الإسرائيلي بالسيطرة على غزة هو الذي أدى إلى التغيير في موقف حماس. بالعكس؛ هذا تهديد لا يقلق حماس. فما الذي يهدد به إذاً؟ المباني المدمرة؟ انتقال جماعي للسكان ممن لم ينتقلوا طوعاً؟ الجنود الذين يحاولون نقل نساء عجائز أو أطفال أو نساء حوامل بالقوة؟ الكثير من القتلى الآخرين؟ إن تغيير موقف حماس ينبع من ضغط عربي. وليس صدفة أن حدثت معظم العلاقات العامة التي قامت بها حماس في وسائل الإعلام العربية، مساء أمس.

وماذا إذاً؟ إذا قالت إسرائيل “لا” فهذا سقوط في فخ أعدته حماس؛ لأنه إذا كانت الأقوال عن السيطرة على مدينة غزة هي المتسببة بمزيد من الدعوات للعقوبات، فإن دخولاً عسكرياً إلى غزة سيتسبب بانهيار أشد بكثير. وإذا كان الدخول إلى غزة مع كل مشاهد الفظاعة والخراب والدمار والقتلة يتسبب لإسرائيل بذاك الانهيار، فإن الدخول إلى غزة بعد أن أجابت حماس بـ “نعم” لمنحى ويتكوف، مع رفض إسرائيلي، فسيكون الانهيار أكبر بكثير. وهكذا يتبين بأن استراتيجية حماس أكثر ذكاء بكثير من استراتيجية إسرائيل.

مع حكمة أكبر قليلاً، كان على إسرائيل أن تعد فخاً لحماس، وتعلن عن وقف نار من طرف واحد، وبالتوازي تطالب بتحرير المخطوفين وتجريد القطاع. هل كانت حماس ستقول نعم؟ عندها ستكون إسرائيل هي الرابحة. أما إذا قالت حماس لا، فستمنع المبادرة الإسرائيلية جزءاً من الانهيار السياسي. وإضافة إلى ذلك، كانت إسرائيل ستحظى بحقنة لا بأس بها من الشرعية التي تحتاجها لمواصلة القتال.

إلى أي حد أدمنت إسرائيل المفهوم غير الصحيح؟ في نهاية الأسبوع، كشفت القناة 12 أشرطة تسجيل لرئيس شعبة الاستخبارات “أمان” السابق، أهارون حليوة. هو رجل جدي كفؤ، متألم، يتحمل المسؤولية، لكنه لا يزال يؤمن بأن ردع حماس ممكن من خلال الثأر. فقد ادعى بأن “وجود خمسين ألف قتيل في غزة أمر ضروري ولازم للأجيال القادمة. ويجب أن يموت 50 فلسطينياً مقابل كل واحد في 7 أكتوبر”. ولا يزال يؤمن بأن هذا ما سيردع حماس.

لندع الموضوع الأخلاقي جانباً، رغم أهميته. فهذا ليس طريق الصهيونية. لنا رئيس استخبارات سابق، الرجل الذي كان يفترض به أن يعرف كل شيء، لكنه حتى الآن يستصعب فهم منطق الإخوان المسلمين حماس في الجهاد، ولا يؤمن بأن الهدم والموت والخراب تردعهم. إن أيديولوجيا الجهاد بكل فروعه تقوم على أساس ما عرفه مؤسس الإخوان المسلمين، حسن البنا، على “صناعة الموت”. فهل يعتقد حليوة أن تهديد أولئك الذين يرون الموت [الجهاد] فريضة سامية لديهم سيشكل رادعاً لهم؟ وعندما خرج قادة حماس إلى حملتهم الإجرامية، ألم يعرفوا بأن النتيجة ستكون دماراً وخراباً؟ أليست هذه قصة الجهاد في كل مكان يرفع فيه الرأس؟ ما الذي يقترحه حليوة عليهم؟ بالضبط ما يريدون. لم يردعهم هذا قبل 7 أكتوبر، لن يردعهم بعده.

لم يعد حليوة في المنصب؛ تحمل المسؤولية واعتزل. المشكلة أن المفهوم لا يعتزل، فهو يسيطر اليوم على قيادة إسرائيل السياسية. إسرائيل تواصل تهديد حماس بمزيد من الهدم والخراب بالسيطرة على مدينة غزة. ما النتيجة؟ نعم، نكبة أخرى. هذا عقاب من قام علينا لإبادتنا. لكن النكبة شر ضروري، نتيجة، وليست هدفاً بحد ذاته. هذه أيديولوجيا الجهاد. وليس أيديولوجيا إسرائيل.

شيء واحد يفترض أن يكون واضحاً لأصحاب القرار: المفهوم القائل بأن قادة حماس يرتعدون خوفاً من تهديد آخر بالهدم والخراب، وأن هذا ما يردعهم، هو مفهوم قد انهار. حماس تتوق للضغط على إسرائيل؛ المزيد من الموت، والمزيد من الخراب. حماس لا تخاف من جواب إسرائيلي سلبي، بل ربما تأمل به؛ فهذا بالضبط ما سيفاقم الضرر بإسرائيل: مزيد من المقاطعة الأكاديمية، ومزيد من المقاطعة الثقافية، ومزيد من حظر السلاح، ومزيد من النصر لـ BDS. أمام إسرائيل فرصة لوقف الانهيار، ويحظر تفويتها.

 يديعوت أحرونوت 19/8/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب