الصحافه

الغارديان: العنصرية الهيكيلة والاستعمار الهرمي وراء عجز الاتحاد الأوروبي عن التحرك تجاه غزة

 الغارديان: العنصرية الهيكيلة والاستعمار الهرمي وراء عجز الاتحاد الأوروبي عن التحرك تجاه غزة

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمعلقة السياسية في شؤون الاتحاد الأوروبي شدى إسلام قالت فيه إن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، وفريقها يواجهون انتقادات متزايدة لاتفاقية الرسوم الجمركية المثيرة للجدل بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي تم الاتفاق عليها في تموز/ يوليو. وأضافت أنها تأمل أن تصدر دعوات مماثلة للمساءلة بشأن تواطؤ الاتحاد الأوروبي في الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتفشية في غزة. لقد طال انتظار مثل هذه المحاسبة.

وأشارت إلى أنها راقبت في يأس لما يقرب من عامين الحكومات الأوروبية وهي تقلل من شأن التحرك، أو لا تحرك ساكنا بينما تُدمّر إسرائيل غزة بالقصف والغارات المُوجّهة والتجويع القسري بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وهناك الكثير من العقوبات تحت تصرف الاتحاد الأوروبي، والتي ما زال يرفض استخدامها؛ والكثير من الأدوات التي يرفض استخدامها أيضا.

فمن جهة، يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، حيث يمثل 32% من إجمالي تجارة إسرائيل في عام 2024. ومع ذلك، فشل قادة الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجيته في كل اجتماع في تأمين الأغلبية اللازمة لتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وذلك على الرغم من ضغوط إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا، وتأكيد خبراء حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي أن إسرائيل تنتهك التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب الاتفاقية.

وقالت إنه حتى اقتراح المفوضية المتواضع بتعليق مشاركة إسرائيل جزئيا في برنامج أبحاث “هورايزون أوروبا” التابع للاتحاد الأوروبي والذي تبلغ قيمته 95 مليار يورو -وهي مبادرة وصفها جوزيف بوريل، رئيس السياسة الخارجية السابق في الاتحاد الأوروبي، بأنها “مزحة سيئة”، بالنظر إلى حجم الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل– لا يزال محظورا من قبل ألمانيا وإيطاليا.

وفي الواقع، ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي في أوائل عام 2024. ويقول المستشار الألماني، فريدريش ميرز، إن برلين توقف الآن تصدير المعدات العسكرية إلى إسرائيل التي يمكن استخدامها في غزة. لكن هذا يأتي بعد ما يقرب من عامين من الدعم العسكري المتواصل: بلغت تراخيص تصدير الأسلحة من ألمانيا وحدها 485 مليون يورو من المعدات في الأشهر التسعة عشر التي تلت 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وأوضحت أنها تتفهم الشعور التاريخي بالذنب لدى أوروبا وانقساماتها الداخلية وروابطها الاقتصادية العميقة مع إسرائيل. لكن من المستحيل تجاهل حقيقة أكثر إزعاجا: يرتبط الشلل السياسي والأخلاقي لأوروبا بشأن غزة ارتباطا وثيقا بالعنصرية الهيكلية والعنف الذي يواجهه الكثير من الأوروبيين السود والمسلمين كل يوم. من الواضح أن المواقف تجاه غزة تتشكل من خلال عقلية استعمارية راسخة متأصلة في سياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية والتجارية وسياسات الهجرة. نفس المنطق اللاإنساني المطبق على الأوروبيين من غير البيض واللاجئين من إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط أصبح الآن واضحا في تخلي الاتحاد الأوروبي عن الشعب الفلسطيني.

وأشارت إلى أن التحيزات الأوروبية الداخلية والخارجية تتغذى على بعضها البعض وتدعم بعضها البعض. هذه الصلة ليست مجردة، بل تتجلى بوضوح في التفاوت في معاملة أوكرانيا وغزة. أدان الاتحاد الأوروبي، عن حق، غزو روسيا غير القانوني لأوكرانيا، وفرض عقوبات صارمة وغير مسبوقة على موسكو، ومنح كييف المزيد من الأموال، وأدان مرارا الدول الأخرى التي لم تحذُ حذوه.

أما أرواح الفلسطينيين، فتُعامل على أنها ليست مهمة، ويتم التقليل من معاناتهم، بينما يُحرم الأطفال من طفولتهم. أما معاناة غزة، التي تُصوَّر على أنها أزمة إنسانية وليست خيارا سياسيا مقصودا، فيُجرَّد وصفها من سياقها، ويُنزع عنها الطابع السياسي، ويُعَقَّم. وعلى صانعي السياسات في الاتحاد الأوروبي أن ينصتوا عندما يقول الأكاديمي الفلسطيني الأمريكي رشيد الخالدي إن هذا الصراع هو “آخر حرب استعمارية في العصر الحديث”.

وبيّنت أنه لا يمكن أن يكون التقييم الأخلاقي لتقاعس الاتحاد الأوروبي عن غزة جزئيا أو مجزأ. بل يجب أن يشمل إدراكا لكيفية تقاطع ماضي أوروبا وحاضرها، ليس فقط فيما يتعلق بفلسطين، بل في العديد من أفعالها على الساحة العالمية. ينبغي على الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر نفسه مدافعا عن القانون الدولي والعدالة العالمية، أن يكون مستعدا لإجراء هذه المحادثات الصعبة، بل ينبغي عليه تشجيعها. لكن دوائر السياسة الأوروبية المركزية إلى حد كبير ترى أن مثل هذا الحديث مثير للانقسام.

فبدون مراجعة ذاتية جادة وإجراءات طال انتظارها، ستستمر ازدواجية المعايير الواضحة للاتحاد الأوروبي في تقويض ديمقراطيته في الداخل ومصداقيته في الخارج.

وقالت إنه يمكن لتحديث خطة عمل مكافحة العنصرية لعام 2020 أن يوفر سبيلا للمضي قدما. ولكن لكي يحدث ذلك، يجب أن تكون التدابير الرامية إلى مكافحة الوضع الحالي المقلق للتمييز على مستوى الاتحاد الأوروبي مدعومة بتأملات واضحة في تاريخ أوروبا. وهذا أيضا أمرٌ طال انتظاره. فقد فقدت خطة العمل زخمها، وأدى التعديل البيروقراطي الأخير إلى تهميش ميكايلا مووا، أول منسقة لمكافحة العنصرية في الاتحاد الأوروبي، مما يخشى الكثيرون أن يزيد من تقويض أجندة المساواة في الاتحاد خلال السنوات القادمة.

وأكدت أنه مع ذلك، يتزايد الضغط العام والمعارضة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بين كبار المسؤولين. أورسولا فون دير لاين، التي تعرضت لانتقادات بسبب تحيزها الثابت لإسرائيل، أعلنت معارضتها لخطط الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة. هذا أبعد ما يكون عن الكافي. فمنتقدو موقف الاتحاد الأوروبي محقون في إدانتهم لمعاييره المزدوجة، وخيانته للقانون الدولي، وتآكل مصداقيته. يجب وقف خطط إسرائيل لاحتلال غزة بأكملها، ويجب إدخال الغذاء على وجه السرعة، ويجب أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار.

وخلصت إلى أن أي محاسبة جادة لتقاعس الاتحاد الأوروبي في غزة ستظل ناقصة دون مواجهة العنصرية الهيكلية والتسلسلات الهرمية الاستعمارية المتبقية التي لا تزال تشكل رؤية أوروبا للعالم. لقد كشفت غزة كل ذريعة. يجب على صانعي السياسات في الاتحاد الأوروبي أخيرا مواجهة هذه الحقائق، مهما كانت قاسية، والعمل على تفكيكها.

 “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب