ثقافة وفنون

رسالة وفاء سودانية إلى «المعلّم»: محمود السرّاج… «يا زياد»

رسالة وفاء سودانية إلى «المعلّم»: محمود السرّاج… «يا زياد»

يوم رحل بوب مارلي عام 1981، أقيمت له خيمة عزاء كبيرة جداً في السودان، وكانت الناس تعزي بعضها بوفاته. وعند وفاة زياد الرحباني، شعر السودانيون بالحاجة الملحة نفسها إلى التعزية، إذ كان لرحيله وقع خاص على وجدانهم.

غادة حداد

يوم رحل بوب مارلي عام 1981، أقيمت له خيمة عزاء كبيرة جداً في السودان، وكانت الناس تعزي بعضها بوفاته. وعند وفاة زياد الرحباني، شعر السودانيون بالحاجة الملحة نفسها إلى التعزية، إذ كان لرحيله وقع خاص على وجدانهم.

غير أنّ ظروف الحرب والتشرد بين الدول منعتهم من إنشاء خيمة عزاء، كما فعلوا سابقاً مع مارلي. وهكذا انتقلت التعزيات إلى رسائل شخصية وأعمال فنية، من بينها أغنية «يا زياد» التي كتبها ولحنها الممثل والمؤلف الموسيقي السوداني محمود السرّاج، وغنتها شروق أبو الناس إلى جانب محمد عبد الجليل.

في بداية الأغنية، قال السرّاج موجهاً رسالته: «يا زياد، في حضورك أو في غيابك، هذا العمل في محبتك. من أصدقائك الذين يرون فيك المعلم والحبيب الذي لا يخون». وتقول الأغنية «رست ليك/ حتة دفا وحتة أمان/ رسلت لي/ قبضة شتا وغربة مكان/ فات الميعاد والدنيا لا صيف لا خريف/ والليل معاد/ والضحكة ماتت في الرصيف».

السودان يحتضن زياد

يؤكد السرّاج في حديث مع جريدة «الأخبار» أنّ أكبر جمهور لزياد يوجد في السودان. وفي رأيه، إن السودان بلد «تحت التشكيل»، إذ يتكون من هويات وثقافات وشعوب متعددة اجتمعت بمحض «مصادفة تاريخية»، على حد وصفه، في جغرافيا واحدة أطلق عليها اسم السودان. هذا التنوّع المستمر جعل المجتمع السوداني منفتحاً على الأفكار الجديدة، بما أنّ وجدانه ووعيه لم يكتمل تبلوره بعد بشكل نهائي، وهو ما سمح له بامتلاك مرونة ثقافية جعلته أكثر استعداداً لتلقي موسيقى بحجم تجربة زياد الرحباني.

من رسالة تعزية إلى أغنية

أما فكرة الأغنية فقد وُلدت كرسالة تعزية أراد السرّاج أن يبعث بها إلى الفنان السوري بسام كوسا بعد رحيل زياد. كتب كلماتها ولحنها بمحبة خالصة، ثم سجّلها على هاتفه في المنزل وأرسلها إلى كوسا. الأخير أعجب بالعمل واقترح تسجيلها بطريقة احترافية كي تُنشر على أوسع نطاق ممكن. في البداية حملت عنوان «مرسية»، لكنها تحوّلت لاحقاً إلى «يا زياد»، قبل أن تُصوَّر على شكل فيديو كليب من إخراج محمد الطريفي.

تعود العلاقة بين السرّاج وكوسا إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، حين اجتمعا في عمل مشترك في سوريا. وقتها عرّف كوسا صديقه السوداني على أعمال زياد الرحباني.

رغم أن السرّاج كان قد سمع باسمه من قبل باعتباره ابن عائلة الرحباني الشهيرة، لكنه لم يتوقف عند تجربته الخاصة إلا عند تلك المرحلة. وقد صادف هذا اللقاء صدور ألبوم فيروز «كيفك إنت»، الذي شكّل بالنسبة إليه لحظة فاصلة بين تاريخين في الموسيقى الشرقية العربية.

كانت هذه اللحظة بمنزلة صدمة إيجابية للسرّاج، إذ نبّهته إلى أنّ زياد ليس مجرد امتداد لعائلة الرحابنة، بل هو أحد أكبر المتمردين والمجددين في الموسيقى العربية.

فمع ألبوم «كيفك إنت» بدأ يتوطد ارتباطه بموسيقى زياد، ورأى فيه ثورة حقيقية. الألبوم كسر الهوّة بين الكلاسيكي والحديث، وبين الشرق والغرب، يقول السرّاج، إذ «حمل محاولة جادّة لتقديم موسيقى في مقامات وقوالب جديدة، سمعناها حتى من فيروز نفسها بصوت مختلف، وابتعدت عمّا اعتاده الجمهور مع أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ». كان بحق نقلة في فهم القالب والمقام الموسيقي، وأصبح بمنزلة جسر يربط بين الشرق والغرب موسيقياً، بينما الكلمات جاءت بحداثة لافتة في المعجم الغنائي.

رحيل المعلم

يصف السرّاج رحيل زياد بأنه رحيل «المعلم». فالكثير من أبناء جيله من الفنانين حاولوا السير على خطاه في التفكير والتجديد الموسيقي. وفي رأيه، هناك اليوم حاجة ملحة إلى استكمال المشروع الذي بدأه زياد، وعدم تركه يتوقف عند حدود تجربته الفردية.

يراهن السرّاج بشكل خاص على الموسيقيين في السودان، الذين يحاولون تقديم موسيقى بديلة ومختلفة عن السائد في عالم البوب اليوم. قد لا يشبه بعض إنتاجهم موسيقى زياد من حيث الشكل أو اللغة، لكنه يحمل جوهر الفكرة نفسها: التمرّد على التقليدي والبحث عن صوت جديد يعكس قلق المرحلة وتنوعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب