منوعات

مبادرة إصلاح الإعلام: ما فيش فايدة يا صفية هانم!

مبادرة إصلاح الإعلام: ما فيش فايدة يا صفية هانم!

سليم عزوز

ينسب للزعيم الوطني الكبير سعد باشا زغلول قوله: «ما فيش فايدة يا صفية»!
وهي العبارة التي يرددها عموم المصريين كلما ضاق بهم الحال، واستبد بهم اليأس، وفقدوا الأمل في أي إصلاح، باعتبار أن صاحبها زعيم ثورة 1919 المباركة، يأس في الأخير من النضال، فقال ما قال، وهو كلام غير صحيح، والدليل أن سعد باشا ظل منذ ثورته وحتى وفاته يناضل من أجل الاستقلال الوطني!
ومن هنا قيل إن عبارة «ما فيش فايدة يا صفية» كانت يأسًا من الشفاء بعد المرض، وبينما حرمه صفية هانم تقدم له العلاج، قال لها ذلك!
وهي عبارة صالحة للاستدعاء، كلما وعد النظام الحاكم في مصر بالإصلاح على أي مستوى، ومنذ الدعوة للحوار الوطني، إلى مبادرة إصلاح الإعلام، «ويا حلو بانت لبتك، أول ما دابت قشرتك»؛ بصوت الفنان محمود عبد العزيز في فيلم الكيف. ففي كل مرة نجد أنفسنا أمام سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء!
والمقارنة بين الدعوة والمبادرة هي لصالح الحوار الوطني، فقد ظل الخلق فترة أطول يعيشون الحلم، وكانت موضوع نقاش في القنوات التلفزيونية، وعلى الهواء مباشرة فوجئت بسؤال مذيع قناة الجزيرة مباشر: ماذا لو وجهوا الدعوة لك للعودة والمشاركة في الحوار الوطني؟ وكان الحديث حول أبعاد الإصلاح القادم وآفاقه استمر فترة طويلة نسبيًا. والمتفائلون لم يكونوا يحلمون بأكثر من العودة إلى حدود ما قبل 2011، وهذا كثير للغاية، فلا أحد يطلب من الجنرال لبن العصفور!
وبعد عدة شهور، استقر في وجدان الناس أن الحوار الوطني، وقد تحول إلى «مكلمة»، وجلسات ولجان، هو حلم الجائع بسوق الخبز، وأنه ليس أكثر من مهرجان باهت، وذلك على العكس من مبادرة إصلاح الإعلام، التي تبدد مفعولها وانتهت صلاحيتها بعد أيام قليلة!

إعلام الرأي والرأي الآخر

للتذكير، فقد فوجئنا ذات صباح بجلسة مع رؤساء المجالس الثلاثة المختصة بشؤون الصحافة والإعلام الرسمي، برئاسة رئيس الدولة، وحضور اثنين آخرين لم أتعرف عليهما بعد الفحص والتمحيص، وقيل إن الاجتماع استغرق ثلاث ساعات، وإن الهدف هو رد الاعتبار للإعلام المصري، وأن يكون إعلام الرأي والرأي الآخر، وعودة المعارضين، وكذلك عودة نسيج ثورة 30 يونيو/حزيران الباسلة، وقبل أن نخطو في هذه السطور خطوة للأمام، إني داع فأمنوا:
«اللهم ارحم شهداء هذه الثورة، واحدًا واحدًا خوفًا من الغلط والنسيان».
قولوا: آمين!

هل قلتم: آمين؟

حسنًا. فقبل أن يشطح خيال المتفائلين وينطح للوصول لحدود المبادرة، كان أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حريصًا على تسجيل الحضور، بشكل مثل مذكرة تفسيرية لهذه الدعوة الغامضة، وقد تعود الناس على النقل المباشر لكلمة الرئيس، لا أن يترك أحدًا يقوم مقامه بالشرح والتوضيح، لكن هذه المرة كان اجتماعه مغلقًا، فتمدد المسلماني في الفراغ طولًا وعرضًا، وأجرى معه التلفزيون المصري حوارًا. وفي أمريكا والدول المتقدمة، فإن بعد هذه الجلسات يكون مؤتمر صحافي، كان يستدعي وقوف رؤساء الهيئات الثلاث أمام الصحافيين، ليردوا على تساؤلاتهم؛ إن كانت لديهم إجابات!
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، وقد انتهيت مؤخرًا من قراءة مذكرات رئيس وزراء مصر الأسبق كمال الجنزوري، فقد راعني أنه تجاهل كثيرًا من تفاصيل الخلافات مع بعض مراكز القوى في الحكومة، وإن لم يتجاهلها تمامًا.
ومن بين الأمور التي تجاهلها هذا الخلاف الذي نشب بين رجله القوي ووزير شؤون مجلس الوزراء طلعت حماد، وبين وزير الإعلام صفوت الشريف، حول من يتحدث في المؤتمرات الصحافية بعد اجتماع مجلس الوزراء. وكان صفوت الشريف يرى أنه المتحدث الإعلامي باسم الدولة المصرية. وذات اجتماع في بداية حكومة عاطف عبيد، كان أطيح بالوزير حماد وخرج الشريف مع الجميع وغادر مجلس الوزراء بينما الصحافيون أمام غرفة الاجتماعات، فأمسكوا في آخر المنصرفين وكان وزيرًا يبدو غريب الأطوار.
فلما أمسك فيه الصحافيون وانتصبت الكاميرات، تحدث بصوت خفيض كما لو كان يكلم نفسه، وهو يقول لهم: هل تعتقدون أننا كنا نناقش أمرًا مهمًا؟! إنه كلام بدون عمل، وتضييع للوقت بدون مبرر. ليتصل بعض الصحافيين بصفوت الشريف ويحيطونه علمًا بهذا الذي خرب الدنيا، فعاد ليتولى الحديث.

المسلماني المتمدد طولاً وعرضًا

مصر ليس فيها الآن وزير إعلام، وإن كانت صلاحياته انتقلت للوزير السابق خالد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، وليس للمسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام المتمدد طولا وعرضًا في الفراغ، فلا وجود للمهندس عبد الصادق الشوربجي رئيس الهيئة الوطنية للصحافة. وكل من عبد العزيز والشوربجي ليسا من أهل الاختصاص، ويقال: إن الأعور وسط العميان سلطان؛ وكذلك أحمد!
والشهادة لله، فقد سألت من يعرفون خالد عبد العزيز قبل الوزارة وقبل رئاسة المجلس، فوصفوه بالنبل والاستقامة، لكن هذه نقرة وتلك نقرة أخرى!
لم يعد الآن هناك مجال لتنازع الاختصاص حول من يقوم بدور المتحدث الإعلامي باسم الحكومة أو الرئاسة، فلدى كل جهة متحدث رسمي. لكن في اجتماع المبادرة كان الأمر يستدعي وقوف رؤساء الهيئات الإعلامية الثلاث أمام الصحافيين حتى لا يتركون الناس يضربون الودع، أو أن ينفرد المسلماني بالأمر من خلال حواره مع التلفزيون المصري، وبأسئلة محددة سلفًا لم تشف الغليل، وعناوين فضفاضة ينقصها الشرح والتأويل، فهل هذا كل ما حدث في اجتماع الساعات الثلاث؟!
ولم نضرب أخماسًا في أسداس عن حدود المبادرة، مع بداية التنفيذ العملي لها بواسطة المسلماني، فإذا هي ليست أكثر من ذر الرماد في العيون. فلم تشمل المبادرة عودة الإعلاميين الذين فرضت عليهم الهجرة القسرية عن بلدهم من أبناء التلفزيون المصري مثل المخرج علي أبو هميلة، والمذيعة عزة الحناوي، أو عودة نسيج 30 يونيو/حزيران للشاشة بدون قيد أو شرط مثل باسم يوسف، ويسري فودة، وحافظ المرازي، وريم ماجد، فقد تمخض الجبل فولد فأرًا ميتًا.
ما لزوم المبادرة وقد عادوا من قبل بدون مبادرة؟ فالعودة لم تشمل سوى محمود سعد، وخيري رمضان للتلفزيون المصري، وعمر الطاهر، وهو لا نعرف متى كان في التلفزيون ومتى تركه؟ وأحمد سالم الذي لم أسمع باسمه من قبل، هل كان مذيعًا؟ متى؟ ولماذا أوقفوه؟ وقد عادت لميس الحديدي لقناة «النهار».. أهذه هي المبادرة الرئاسية، والرأي والرأي الآخر؟
فلماذا مبادرة لعودة هؤلاء؟ وخيري رمضان أوقفوه وأعادوه، ثم أوقفوه قبل أيام قليلة، وقد عاد من قبل بعد إيقاف بدون مبادرة. الأمر نفسه يسري على لميس الحديدي، التي أوقفوها ثم أعادوها لقناة «أون»، بدون مبادرة، وقد أوقفوها قبل قليل. فلماذا تستدعي عودتها هذه المرة مبادرة رئاسية؟!
الإبعاد الأول للميس الحديدي كان بعد إعلان تبرمها من التضييق على الإعلام، وبعد استحواذ السلطة على قناة نجيب ساويرس «أون تي في»، تقرر الاستغناء عن رجاله في القناة، فاستُبعدت واستُبعد إبراهيم عيسى، وعادت وعاد عيسى، وأُوقفت مرة أخرى كما أُوقف زميلها عيسى مؤخرًا، بدون أن يمارسا المعارضة أو النقد.
وتم إبعاد خيري رمضان في المرة الأولى، لأنه أراد أن يجلب التعاطف مع ضباط الشرطة بالحديث عن رواتبهم المتواضعة على لسان زوجة لضابط، فاعتبرت وزارة الداخلية ذلك انتقاصًا من القدر والمكانة. وإذ أُبعد ثم عاد، فلم يخطئ ولو بحسن نية ليُبعد من جديد!
فهل الإبعاد هذه المرة بهدف أن تكون عودتهم ضمن مبادرة رئاسية؟ وفي انتظار أيضًا عودة إبراهيم عيسى وتوفيق عكاشة. والأخير أُبعد، ثم عاد ببرنامج على قناة «الحياة»، فشل فأبعدوه، وقد يعود ضمن المبادرة الرئاسية.
أما محمود سعد فقد أُبعد لأسباب مرتبطة بعدم الاستلطاف ممن كان يدير ملف الإعلام، وليس لأسباب سياسية. ولا مبرر لاستمرار إبعاده، لكن ليس بهذا الإسراف، ببرنامجين: أحدهما في التلفزيون المصري والثاني في قناة «النهار»، ثم إن برنامج قناة «النهار» يُعاد بثه عبر التلفزيون المصري. ما هذا العبث؟!
إذا كانت هذه غاية المبادرة الرئاسية؟ فالأمر لم يكن يستدعي اجتماعا لثلاث ساعات!
«ما فيش فايدة يا صفية هانم»!

 صحافي من مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب