مقالات

حملة مطاردة للمترشحين للرئاسة في تونس

حملة مطاردة للمترشحين للرئاسة في تونس

محمد كريشان

في تونس هذه الأيام لا يمكن أن تعلن عن رغبتك في خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي بالمناسبة لم يُعلن موعدها رسميا بعد، دون أن تتعرّض إلى الملاحقة إن لم تكن أصلا قابعا وراء القضبان.
جرّب وأعرب عن هذه الرغبة ثم انتظر قليلا فسيأتيك من الأخبار ما يؤكد أن ما قمت به لن يمرّ أبدا وأن ما أقدمت عليه يستوجب العقاب بشكل أو بآخر.
هناك من اعتقل ووضع في السجن في قضية ما كان لها أن تصل إلى هذا الحد بعد أن كان أعلن منذ أشهر أنه سيترشح للرئاسية مثل عبير موسي زعيمة «الحزب الدستوري الحر» وهناك من أعلن عن ذلك من سجنه مثل عصام الشابي زعيم «الحزب الجمهوري» في قضية «تآمر على أمن الدولة» اعتقل فيها مع آخرين ولم يحالوا بعد على المحاكمة رغم تجاوزهم الأجل القانوني للإيقاف، وهناك من انبرى متحمّسا للنزال الانتخابي قبل أن يفاجأ بأنه لم يبلغ بعد سن الأربعين المشروط عليه للترشح مثل ألفة الحامدي رئيسة حزب «الجمهورية الثالثة».
هنالك من صدر أمر بالقبض عليه بمجرد الإعلان عن الترشح مثل الكاتب الصحافي الصافي سعيد الذي قضت عليه محكمة تونسية غيابيا بالسجن مدة 4 أشهر إثر دعوى رفعتها هيئة الانتخابات من أجل شبهة تدليس التزكيات الخاصة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2014 الذي تقدّم لها كذلك.
كذلك هو حال لطفي المرايحي رئيس حزب «الاتحاد الشعبي» الذي أمرت النيابة العامة بفتح بحث ضده بتهمة «تبييض الأموال وتهريب مكاسب للخارج وفتح حسابات بنكية بالخارج دون ترخيص من البنك المركزي» وقد صدرت فيه بطاقة بحث وتفتيش بالصورة كأي مجرم حق عام خطير. أما عبد اللطيف المكي وزير الصحة السابق والقيادي السابق في حركة «النهضة» قبل أن يغادرها لتأسيس حزب «العمل والإنجاز» فرغم أنه لم يتهم بأي شيء، إلى حد الآن، إلا أن بعض الأصوات والمواقع المؤيدة للرئيس شرعت في الترويج، وعادة لا يكون ذلك من باب الصدفة، بأن المكّي حين كان وزيرا للصحة متورط في موت رجل أعمال ونائب سابق كان مسجونا وقتها بسبب الإهمال الطبي.

لن تكون الانتخابات المقبلة، إن جرت، إلا انتخابات باهتة بمرشح وحيد أو بمرشحين منتقين بعناية كديكور لا غير مما سيعمّق أكثر المأزق السياسي المستفحل

بقي اثنان ممن أعلنوا اعتزامهم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة لكنهما مقيمان في الخارج وهما السياسي والسفير السابق أحمد القديدي والوزير السابق منذر الزنايدي. القديدي لا شيء أعلن في حقه، إلى حد الآن على الأقل، أما الزنايدي فقد تم تحريك قضية ضده تتعلّق بقضايا فساد عندما كان وزيرا في عهد الرئيس الراحل بن علي، وهو الوحيد الذي ألمح إليه سعيّد في إحدى مداخلاته بالقول إن هناك من يصوّره منقذا للبلاد متسائلا عنه بالقول «أين كان؟».
اللافت هنا أن الرجل الوحيد الموجود حاليا في تونس ولم يطله بعد أي اتهام، إلى حد الآن على الأقل، رغم أنه أعلن عن ترشحه للرئاسة بل وطالب قيس سعيّد بالتنحّي عن السلطة وانتقده بشراسة، هو الجنرال السابق هشام المدّب ولعل ذلك يعود إلى رغبة السلطة في عدم استعداء المؤسسة العسكرية أو البحث عن تهم للرجل لا يمكن أن تكون في الغالب إلا ذات علاقة بعمله في صلب الجيش وهذه مسألة صعبة وحسّاسة للغاية.
ويشير مراقبون في تونس أن أغلب القضايا التي علقت بهؤلاء المترشحين مفتعلة فعبير موسي مثلا علقت بها أكثر من قضية لكن القضية التي أودعت السجن بسببها تتعلق بأنها كانت مصرّة على تسليم رسالة إلى القصر الرئاسي التي تظاهرت أمامه قبل أشهر فيما تعود قضية الصافي سعيد إلى عشر سنوات مضت، وأن قضية المرايحي الحقيقية هي أنه وصف الرئيس بأنه «فاشل» لكن تم اللجوء إلى قضية جنائية تتعلق بتبييض الأموال لإبعاد الطابع السياسي عن الأمر. ويضيف هؤلاء بأن محكمة المحاسبات وهي تراجع الخروقات المالية المختلفة في الحملات الانتخابية أوردت مخالفات مالية عديدة على شبكة الأنترنت تتعلّق بقيس سعيّد أيضا عندما كان مرشّحا للرئاسة عام 2019 ولكن يتعذّر تتبعه من أجلها لتمتّعه بحصانة رئيس الجمهورية، مع أن ذلك لا يمنع من تتبعه لاحقا عند مغادرته هذا الموقع على ما أعلن رئيس لجنة الانتخابات نفسه.
وهكذا يتضح أن الفترة الحالية وعوض أن تكون فترة ثرية من النقاش حول برامج المرشحين وماذا يقترحون عمليا للخروج بالبلاد من الأزمة الاقتصادية والسياسية فإنها تحوّلت إلى فترة مطاردات قضائية لا تهدأ وسجون وتلويح بقضايا قديمة أو جديدة في محاولة «تطفيش» واضحة وتخويف متصاعد لكل من تسوّل له نفسه «الأمّارة بالسوء» أن يفكّر في الترشح للرئاسة.
ولهذا لن تكون الانتخابات المقبلة، إن جرت، إلا انتخابات باهتة بمرشح وحيد أو بمرشحين منتقين بعناية كديكور لا غير مما سيعمّق أكثر المأزق السياسي المستفحل وبالخصوص حالة الاستقالة الشعبية والانصراف عن المشاركة السياسية وعندها ستكون نسبة المشاركة فيها ضعيفة، ككل المواعيد الانتخابية التي جرت في عهد قيس سعيّد.

كاتب وإعلامي تونسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب