المغيّر… نموذج الخراب الإسرائيلي المعمّم

المغيّر… نموذج الخراب الإسرائيلي المعمّم
تحوّلت المغيّر إلى نموذج لسياسة الأرض المحروقة الإسرائيلية، مع حصار وتدمير للأراضي والبنية التحتية، خدمةً لمشروع الاستيطان والضم في الضفة.
رام الله | تكرّس إسرائيل نموذج الخراب والدمار في الضفة الغربية، ضمن سياسة الأرض المحروقة المنسحبة، كما في غزة، على أنحاء الضفة كافة، حيث يتوسّع الاحتلال في استخدام أدواته الوحشية في جميع قراها وبلداتها، بعدما لم يَعُد الأمر مقتصراً على مخيماتها الشمالية فقط.
وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية، أصبحت قرية المغيّر، الواقعة إلى شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة، مثالاً على تلك السياسة؛ إذ شَنَّت قوات الاحتلال حملةً عسكرية عنيفة استهدفت القرية، فرضت في خلالها حصاراً عليها وحظراً للتجوال فيها، فيما اقتلعت مئات أشجار الزيتون، ودمّرت مئات الدونمات من الأراضي الزراعية، فضلاً عن الأضرار التي ألحقتها بالبنية التحتية.
وبدأت العملية عقب إعلان جيش الاحتلال عن إصابة مستوطن في عملية إطلاق نار قرب القرية، في ما يبدو أنه تكريس لنموذج العقاب الجماعي في حقّ القرى المحيطة بأيّ منطقة تشهد عملية فدائية، تماماً كما حدث في بلدتَي بروقين ودير بلوط في محافظة سلفيت.
ومنذ السابع من أكتوبر، ازدادت وتيرة الاستهداف الإسرائيلي لقرية المغيّر، حيث يتناوب جيش الاحتلال، وعصابات المستوطنين المسلّحين، على تنفيذ الاعتداءات على الأهالي، الذين اعتقل أكثر من 14 منهم خلال العملية الأحدث، فضلاً عن تدمير البيوت ومحتوياتها، وسرقة الأموال والمصاغ الذهبية، ومنع الحركة، ما أدّى إلى إغلاق المحالّ التجارية والمرافق المهمّة، بما فيها الصحية، أبوابها.
وفي خضمّ العملية العسكرية تلك، أعلن جيش الاحتلال وضع يده على 267 دونماً لـ»أغراض عسكرية»، ما سيلحق أضراراً بأكثر من أربعة آلاف مواطن، فيما لم يتبقَّ من أراضي القرية البالغة مساحتها 43 ألف دونم، سوى أقلّ من ألف دونم للأهالي، بعد مصادرة المساحة المتبقّية لصالح الاستيطان.
وتحاصر المغيّر نحو 9 بؤر استيطانية من جميع الجهات، وهو ما تسبّب في تأجيج المواجهة بين الأهالي والاحتلال، وأسفر عن استشهاد ستة فلسطينيين، وإصابة أكثر من 250 منذ بدء الحرب على قطاع غزة. وخلال الأشهر الماضية، تعرّضت القرية لهجمات مميتة، أبرزها الهجوم الكبير الذي شنّه نحو 1600 مستوطن هناك، وأحرقوا خلاله أكثر من 40 منزلاً ومركبة.
هكذا، تُرسّخ إسرائيل نموذج الإرهاب القائم على الأرض المحروقة، كسياسة يمكن تعميمها تحديداً في المناطق التي تبدي مقاومة وصموداً أمام مخططات الاستيطان والمصادرة والتهجير؛ وهو النموذج الذي أطلقته من مخيّمات جنين وطولكرم ونور شمس، شمال الضفة الغربية، وبدأت تتوسّع فيه. وفي هذا السياق، كانت شهدت قريتا دير بلوط وبروقين عملية عسكرية مشابهة، رافقها تجريف للأراضي الزراعية، وذلك بعد وقوع هجوم فدائي بالقرب منهما.
وبدا لافتاً، خلال الساعات الماضية، ارتفاع مستوى تحريض المستوطنين على المغيّر، مع انتشار الدعوات إلى محو القرية من على وجه الأرض، فضلاً عن التهديدات التي تصل إلى أهاليها على مدار الساعة.
وفي موازاة الهجوم على القرية، تكثّفت حملات التحريض ضدّ بلدتَي ترمسعيا وأبو فلاح، خدمةً للمشروع الاستيطاني الأوسع، الرامي الى إحكام السيطرة على هذه المناطق وزرع بؤر استيطانية جديدة فيها، ما يحقّق هدف إسرائيل المتمثل بضمّ الضفة الغربية وتفتيتها، عبر عزل التجمّعات السكانية فيها وتحويلها إلى كانتونات.
وعلى الرغم من انسحاب قوات الاحتلال من المغيّر، فإن الآليات العسكرية والجرافات لا تزال تحيط بها، وتواصل أعمال التجريف في مساحات واسعة من الأراضي لصالح شقّ طرق استيطانية جديدة؛ كما ربطت هذه القوات انسحابها من القرية ورفع الحصار عنها بتسليم رئيس المجلس القروي، أمين أبو عليا، نفسه.
ووفقاً لـ»هيئة مقاومة الجدار والاستيطان»، فإن «سلطات الاحتلال أصدرت قراراً عسكرياً يقضي بإزالة الأشجار على مساحة تصل إلى 297 دونماً (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضي المغيّر، تحت ذرائع أمنية، خدمة لمشروع الاحتلال والمستوطنين».
وقال رئيس الهيئة، مؤيد شعبان، إن «الأمر العسكري الذي حمل الرقم 25/25 يستهدف مساحات شاسعة من أراضي المواطنين في المغيّر، وصدر بعد إزالة كلّ الأشجار في المنطقة المحدّدة، مع أن الأمر العسكري ذاته يمنح المواطنين إمكانية الاعتراض خلال 7 أيام»، مشيراً إلى أن «دولة الاحتلال كثّفت في الفترة الماضية إصدار أوامر إزالة الأشجار تحت مسمى اتّخاذ الوسائل الأمنية، في مسعى إلى القضاء على الأشجار في كل الأرض الفلسطينية». وأضافت «الهيئة» أنها «تابعت، منذ مطلع 2025، نحو 18 أمراً عسكرياً تستهدف إزالة الأشجار في مساحة تصل إلى 681 دونماً من أراضي الفلسطينيين في الضفة».