الصحافه

احتلال غزة والخطر الاستراتيجي: تكلفة خيالية ومجتمع ممزق ومكانة في الحضيض

احتلال غزة والخطر الاستراتيجي: تكلفة خيالية ومجتمع ممزق ومكانة في الحضيض

هل ينبغي لإسرائيل أن تسعى لإنهاء الحرب بمعونة صيغة منحى ويتكوف،أم تزيد توسعها من خلال احتلال (“سيطرة”) غزة؟
إن حسماً للمعضلة انطلاقاً من اعتبارات حزبية – ائتلافية، هو تدنيس للمقدسات. فإرسال أبنائنا – بمن فيهم أبنائي – إلى المعركة بلا مبرر موضوعي ينشأ عن الأمن القومي – أمر رهيب لدرجة أنني لست مستعداًلأن أعزوه لرئيس الوزراء، الذي هو نفسه جزء من عائلة الثكل. ومن هنا،الطريق مفتوح لمراجعة موضوعية تؤدي إلى استنتاج لا لبس فيه بأن إنهاء الحرب مصلحة استراتيجية إسرائيلية عليا.
إن سلسلة فضائل استمرار الحرب هزيلة: ينبغي أن تشطب منها خيالات مثل الهجرة “الطوعية”، أو تهويد قطاع “بليست” إلى “أرض وطن” يسكنها اليهود. كما أن التوقع “المشروع” لإعادة تربية مليوني فلسطيني ليعيشوا بسلام إلى جانبنا ليس قابلاً للتنفيذ الفوري؛ نظراً لإيمانهم الديني المتجذر، والمعاناة التي تعرضوا لها من جانبنا في الحرب، ومصالح الحركة الوطنية الفلسطينية.
احتلال كامل قد يجدي، ظاهراً، في المستوى الردعي فقط، الذي يعدّ حرجاًللأمن. ولكنه حساب مغلوط: الردع موضوع وعي ينشأ عن تفسير الوقائع؛تلك الوقائع التي تقول إننا انتصرنا على المحور الشيعي، مع ذكاء وجسارة استثنائيين، واستخدامنا تصميماً مبهراً، بخلاف توقعات السنوار، في الطريقة التي عملنا بها في القطاع، في ظل تدميره عملياً. نخطئ مصلحتنا الوطنية وتلك الوقائع حين نختار إعطاء “قوة فيتو” على تحديد وعي النصر لمسألة حسم كتائب حماس المتبقية في غزة.
لا خبير في تصميم الوعي مثل رئيس الوزراء؛ فكم من قصر النظر والتشويش بين التكتيكي والاستراتيجي، ينطوي عليه تفضيله حين يرهن ذخائر الوعي الهائلة التي راكمناها في الحرب مقابل احتلال الحي المتبقي من قطاع غزة. من لم يردع حتى الآن، هل ستردعه “عربات جدعون 2” حتى لو نجحت؟ هل من المجدي أن نصمم وعينا ووعي العالم عن قوتنا من خلال اختيار نقطة أرخميدسية في كل حرب ناجحة بالذات في الساحة التي لا يملك فيها العدو الضعيف جداً سوى فضائل نسبية مفهومة؟
وبالمقابل، فإن سلسلة نواقص استمرار الحرب طويلة جداً: للشعب اليهودي، لدولة إسرائيل ولكل منا بشكل شخصي.
كان في الغرب لاسامية منذ زمن بعيد سواء لدى اليمين المتطرف أو اليسار. لكن معظم الجمهور، في أوروبا أيضاً، ليس لاسامياً أو لاصهيونياً. علينا أن نوجه المعركة بحيث لا تحتل مواقف الهوامش المتطرفة معاقل واسعة في الرأي العام، بل الوسط في أرجاء العالم. من كان يصدق أن الجيل الشاب في حزبي الولايات المتحدة سيفضل الفلسطينيين علينا؟ وأن يعترف الغرب، بمعظمه، بدولة فلسطينية؟ وأن يفرض مستشار ألمانيا، محب إسرائيل، حظر سلاح؟ احتلال غزة سيشدد هذا الميل، الذي يعدّ تهديداً استراتيجياً على مستقبلنا. وبمناسبة ذلك، نفقد الشرعية في نظر قسم لا بأس به من يهود الولايات المتحدة التي هي سند حرج للحفاظ على قوتنا في السياسة الأمريكية.
إن احتلالاً كاملاً للقطاع يؤدي على ما يبدو إلى حكم عسكري، سيلقي علينا بأثقال اقتصادية هائلة. وزير المالية، الذي خصص هذا الأسبوع المليارات لإطعام غزة، يمتنع عن عرض الكلفة المقدرة لحكم عسكري في غزة. والتقديرات تتحدث عن مبالغ خيالية بعشرات المليارات في السنة.
والأساس: الاستراتيجية الوطنية ملزمة بأن تفكر بتعابير اجتماعية أيضاً. الإسرائيليون ممزقون بالخلاف حول المخطوفين. استمرار الحرب يعده الكثيرون كتخل عنهم بحكم الأمر الواقع. نحن نتردد في مسائل أخلاقية، كل يوم يقتل العشرات وأكثر من غير المشاركين. بخلاف ما قيل أعلاه، يعتقد الكثيرون بأن الحرب تحركها اعتبارات ائتلافية. وماذا سيكون إذا تسللت كل هذه، لا سمح الله، إلى صفوف الجيش أيضاً فيتميز بخلاف داخلي؟ ستكون ضربة قاصمة في الردع الإسرائيلي. لقد انتصرت إسرائيل في هذه الحرب، مع نهاية المعركة في إيران. لكن استمرارها إلى أحياء غزة خطأ يتناقض والمصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية.
البروفيسور يديديا شتيرن
يديعوت أحرونوت 25/8/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب