الصحافه

لوموند: مصالحة صعبة بين العلويين والسنّة في حقول الفستق بمعان السورية

لوموند: مصالحة صعبة بين العلويين والسنّة في حقول الفستق بمعان السورية

باريس-

قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن الحرب الأهلية في سوريا، التي تخللتها مجازر وانتهاكات، وضعت سكان بلدة معان بريف حماة الشمالي الشرقي في مواجهة مباشرة. فالعلويون، الذين فرّوا مع تقدّم تحالف من الفصائل الإسلامية المتمركزة في إدلب والذي أسقط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يرغبون اليوم في العودة إلى أراضيهم الزراعية الخصبة. غير أنّ هذه الأراضي أصبحت تحت يد مزارعين من الطائفة السنية، الأمر الذي يعقّد أي محاولة للتعايش من جديد.

عودة محفوفة بالتوتر

في 20 من شهر يوليو الماضي، تضيف “لوموند”، توقفت سيارة الأمن العام أمام منزل حجري أبيض في بلدة معان. وسرعان ما انتشر الخبر: مالك المنزل، علاء إبراهيم، وهو علوي في السابعة والأربعين من عمره نزح سابقاً إلى حمص، عاد فجأة إلى بلدته. لكن المنزل كان يسكنه منذ سنوات المزارع السني حسن الحسين، الذي استقر فيه عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. حاول الأخير استقبال الأول بلياقة، لكن والدته لم تتمالك دموعها وطلبت من الضيف المغادرة خوفاً من أن يتطور المشهد أمام الحشود المتجمعة.

ما لبث التوتر أن تصاعد حين اندفع أحد أبناء القرية، مرتدياً دشداشة وكوفية حمراء، نحو علاء إبراهيم صارخاً: “لقد دفنّا والدي البارحة. وجدنا جثته في بئر، وتجرؤ على المجيء اليوم؟”. في نظره، يتحمّل العلويون الذين وقفوا إلى جانب النظام مسؤولية جماعية عن جرائم ارتكبتها الميليشيات الموالية قبل ثلاثة عشر عاماً. تدخل رجل آخر من القرية، أنور بكّور، ليحمي إبراهيم من غضب الأهالي المسلحين قائلاً له: “لماذا أتيت؟ قلت لك إن الأمر خطر. هل تريد إثارة المشاكل؟”. عندها غادر علاء إبراهيم مسرعاً بسيارته، تاركاً عناصر الأمن في ارتباك تام.

الفستق.. ثروة تثير النزاع

يرى علاء إبراهيم أن ما يحدث ليس سوى محاولة لحرمان العلويين من العودة إلى أراضيهم الزراعية الغنية بالفستق الحلبي، أحد أكثر المحاصيل ربحية في سوريا. ويقول: “السنّة يحمّلون العلويين مسؤولية جرائم النظام، ويفتعلون الضجيج كي يمنعونا من استعادة أرضنا. الفستق ثروة كبرى، والعلويون هم الملاك الأكبر لها في معان”، كما تنقل عنه “لوموند”.

علاء إبراهيم، وهو معلم من عائلة علوية معروفة بملكياتها الزراعية، قرر أن يسعى للمصالحة بين أبناء الطائفتين حتى يتمكّن عشرات الآلاف من العلويين النازحين من العودة إلى قراهم منذ ديسمبر الماضي، بعد أن اضطروا للهرب أمام تقدم الفصائل الإسلامية القادمة من إدلب.

العدالة شرط للمصالحة

بلدة معان عاشت منذ عام 2011 على وقع المواجهات، إذ تحولت إلى خط تماس بين قوات النظام والفصائل المعارضة. وبقي بعض العلويين ومعهم قلة من السنّة تحت سلطة النظام، وانضم بعضهم إلى ميليشيات موالية مثل “قوات الدفاع الوطني”، فيما انخرط كثير من أبناء الطائفة السنية في صفوف ما يعرف بالجيش الحر.

وشهدت البلدة مجازر دامية في ديسمبر عام 2012  وفبراير عام 2014، ما دفع معظم سكانها للنزوح. ولم يعد الأهالي إلا في عام 2018، بعد أن ابتعدت جبهات القتال نحو إدلب. لكن الدمار كان واسعاً، إذ تم حرق أشجار وقطعها للتدفئة، ونهبت ممتلكات. يقول علاء إبراهيم: “خسرنا نصف أراضينا تقريباً. النظام صادر أراضي السنة الغائبين وسلّمها لمستثمرين موالين له”.

فمنذ سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي، تتابع “لوموند”، عادت حوالي 200 عائلة سنية إلى معان، فوجدت بيوتها مهدمة وحقولها مدمرة. واستقرّ العديد من الأشخاص في منازل تركها العلويون، في انتظار حل. يقول أنور بكّور: “من فقد قريباً يريد الانتقام. لا أحد يستطيع ضمان الأمن حالياً”.

يطالب بكّور بضرورة محاسبة الجناة: “أخو علاء كان في قوات الدفاع الوطني، لكن علاء نفسه رجل محترم. نحن ندعم مبادرته للمصالحة، لكن لا يمكن أن يعود العلويون من دون محاكمة المسؤولين عن الجرائم”، تنقل عنه “لوموند”. وقد شكّل محافظ حماة، عبد الرحمن السهيان، مجلس مصالحة يضم وجهاء العشائر.

عقود استثمار مؤقتة مع عقبات إضافية

ومضت “لوموند” موضَحة أن السلطات اقترحت أن يبرم الملاك العلويون عقود استثمار مع مزارعين سنّة، لتفادي انهيار الاقتصاد المحلي؛ بحيث يحصل المالك على نصف الأرباح، وتعود الأرض إليه متى رجع مقابل تعويض المستثمِر. وتشرف شركة “اكتفاء”، المكلفة بإدارة الأراضي الزراعية بعد سقوط النظام، على هذه العقود وتحاول حماية الأشجار من الإهمال. لكن نسبة قليلة فقط من العلويين وافقت على توقيع الاتفاقيات، خشية التلاعب أو المصادرة الدائمة.

مستقبل مجهول

غير أن هذه العقود تواجه عراقيل، توضح  “لوموند”، حيث إن بعض البدو المحليين يمنعون المستثمرين من الوصول إلى الأراضي، بحجة أنّهم خسروا بيوتهم وأراضيهم خلال الحرب. يقول علاء إبراهيم: “إنهم يدمّرون أراضينا ويجبروننا على البيع، يريدون تغيير التركيبة السكانية للمنطقة”. السلطات تعترف بالمشكلة، وتحاول تنظيم دوريات أمنية محدودة لردع “الخارجين عن القانون”، لكنها تفتقر إلى الموارد الكافية.

رغم ذلك، تبقى شجرة الفستق رمزاً للأمل. يقول علاء إبراهيم: “أشجارنا عمرها أكثر من أربعين عاماً، وإذا اضطررنا لإعادة زراعتها سننتظر 12 عاما حتى تثمر مجدداً. لهذا نوقّع العقود مؤقتاً لإنقاذ ما تبقى”. وقد وعد المسؤولون المحليون بعودة جميع العلويين تدريجياً، لكن المصالحة الحقيقية تظل مرهونة بالعدالة الانتقالية وبقدرة المجتمع على تجاوز إرث الحرب الطويلة، تقول “لوموند”.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب