مقالات

الحرب سيدة الموقف في الخرطوم.. كتب: أحمد مختار البيت

الحرب سيدة الموقف في الخرطوم..
كتب: أحمد مختار البيت
“1”
اعتذار متأخر للشاعر الفلسطيني محمود درويش حين كنت تنقر بأصابعك على منصة قاعة الماجدات وأنت تقرأ قصيدتك “مديح الظل العالي” قبل ما يقرب من “40” عاماً لم يفهمك أحد، وكنا نتساءل:
من هذا الذي يصفق لاغتصاب النساء في شارع الشرف التجاري؟!..
واليوم نسأل:
من الذي لم تهزه أناشيد تلاميذ اليمن الصغار في بورتسودان وهم ينشدون لعلم السودان ويتحدون الموت عند المحن من؟..
“2”
بدأ السودانيون هجرةً أخرى إلى المجهول، وإلى ما لا يعرفون، قبل أن يردهم الإعلان العميق والجارح في الميديا من الذين نزحوا من قبلهم: “الأسوأ من الموت هو النزوح” لأن مذاق الطعام مر في فم الأطفال، وعلينا أن نعطي بعض دمنا لنرفع راية استقلالنا، ونحمي ما تبقى من حياء فينا وننظر لوجوه النساء، ونطبع فوق وجه الزمان علامة..
في الخرطوم والجنينة والأبيض وكوستي ومدن أخرى لم تفصح بعد عن قبحها، عليك أن تمشي بلا “طرق خلفاً أو أماماً أو يميناً أو يساراً” وأن تحرك خطواتك بالميزان.
“3”
في الخرطوم تبدأ هجرة أخرى، وعليك أن تكتب وصيتك الأخيرة والسلام..
في الخرطوم سقطوا جميعاً وأنت تعلو
فكرة
ويداً
وشاما
الآن نحن على مائدة الأصدقاء والأعداء، بعد أن أنشأوا من فقرائنا جيشاً، ويقتسمون اللحظة ملامحنا وسحناتنا وقبائلنا
فاحذرهم حتى تدرك المجهول فينا أو فيهم، فالحرب سيدة الموقف
هل نغني مثلما كنا نغني
والفقراء والكادحون الغلابا والتعابا
وحدهم في قاع المدينة، ماتوا فرادى وتوءما..
أيها الشعب السوداني النبيل، دمنا اليوم فضيحة،
وحكومات دول تطبخ موائد شعوبها من أزهار دمنا وتزداد انقساما..
الخرطوم الآن
لا ماء
ولا دواء
ولا دماء
ولا شراع
ولا أمام
ولا وراء
ذهب الذين كنا نحبهم ذهبوا..
وتركوا الفقراء والأشجار للمدى والنسيان
كم سنة كنا معاً طوق نجاة لأمم الأرض المحمولة فوق السراب.
ودفتر الأعراب؟
كم عرباً أتوك ليصبحوا غُرباً
وكم غَرباً أتاك ليدخل الإسلام؟
شعب السودان اليوم تكبر حوله الصحراء
صحراء من كل الجهات
والطائرات تدوي وتبعثر ما في القلب من هدوء.
الطائرات تطير والأشجار تهوي والأزهار تزوي والمباني تخبز الأبرياء والأطفال والذكريات..
من يتفقد أزهار أجسادهم من؟
هل يخرج الشهداء من قبورهم يتفقدون صغارهم، ويتجولون في الشوارع والطرقات وبين البنايات، ويهدهدون الأحلام والرؤيا؟
حال الشعب السوداني اليوم.. وطن حقيبة وحقيبة وطن ولكن لا رصيف ولا جدار.
اليوم يخرج أهل الجلابيب البيض من وطنهم، كخروج الروح من الجسد، ومن بقوا يبحثون عن كنوز الماء في المواسير القديمة وعربات الكارو، يمشون في الشوارع باحثين عن السلامة، وعن من يدفنهم إذا ماتوا..
عرايا هم اليوم لا أفق يغطيهم ولا قبور تواريهم
كل ما حولهم ظلام..
ولا ظلام أشد من الظلام..
شكراً للذين مدوا لهم أياديهم..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب