غزة بين المجاعة والاستهداف الممنهج… شريعة الغاب بصمت العالم

غزة بين المجاعة والاستهداف الممنهج… شريعة الغاب بصمت العالم
بقلم رئيس التحرير
غزة اليوم تواجه أشد الأزمات الإنسانية حدة في التاريخ الحديث. الأطفال والشيوخ الذين لم يمتوا تحت الأنقاض يموتون جوعًا، وما يُنقل عبر شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي يكشف وجوهًا شاحبة وبطونًا خاوية ومرضى عاجزين عن تلقي أبسط العلاج. هذه الصور ليست مجرد أرقام، بل تعكس حقيقة يومية مروعة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تعتمد على التجويع والحصار كأسلوب ضغط سياسي ممنهج.
الهجوم على مجمع ناصر الطبي في خان يونس، الذي استهدف المرضى والأطباء والصحفيين، يؤكد أن إسرائيل تتبع سياسة القوة المفرطة بلا أي رادع. هذه السياسة لا تقتصر على مواجهة المقاومة، بل تستهدف المدنيين الأبرياء وتحوّل غزة إلى مساحة لتطبيق شريعة الغاب، حيث يُستخدم الموت وسيلة ضغط سياسية.
تصريحات مسؤولين إسرائيليين، بدءًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مرورًا بوزير الحرب يوآف كاتس، ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، وصولًا إلى وزير المالية سموتريتش، تعكس تحريضًا مباشرًا ضد غزة والضفة الغربية، ودعمًا صريحًا للحصار والتجويع والتهجير، والدعوة إلى استمرار الحرب بلا قيود. هذه السياسات تمثل تحديًا صارخًا للمجتمع الدولي وخرقًا متواصلًا للقانون الدولي الإنساني.
يضاف إلى ذلك الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، الذي يتيح لإسرائيل الاستمرار في استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية دون أي مساءلة فعلية، مما يجعل هذه الدول شريكة قانونيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا في الجرائم المرتكبة. استهداف الأطفال والنساء والمسنين، وهدم المستشفيات والمدارس والمرافق الحيوية، يمثل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وفق ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقيات جنيف الأربع.
المجتمع الدولي لم يقف صامتًا تمامًا؛ فقد صدرت تحذيرات رسمية من المنظمات الدولية:
منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حذرت من خطر المجاعة المحدق، داعية إلى فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية فورًا.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر شددت على التزام إسرائيل بحماية المدنيين والمرافق الطبية بصفتها سلطة احتلال.
برنامج الأغذية العالمي – المنطقة الأوروبية المتوسطية حذر من كارثة غذائية غير مسبوقة في حال استمرار الحصار.
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أصدر بيانات شديدة اللهجة حول انتهاك حقوق الإنسان في غزة والضفة.
منظمة هيومن رايتس ووتش وثقت استهداف المدنيين والمستشفيات والمدارس، مؤكدة أن هذه الانتهاكات تشكل جرائم حرب وجريمة ضد الإنسانية.
الأمين العام للأمم المتحدة دعا إلى إنهاء الحصار والتحرك الفوري لتفادي كارثة إنسانية واسعة النطاق، محذرًا من استمرار تدهور الوضع إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل جدي.
رغم هذه التحذيرات، يبقى موقف المجتمع الدولي شكليًا في غالب الأحيان، مكتفيًا ببيانات إدانة لا توقف نزيف الدم ولا تردع المعتدي. هذا الصمت، في ظل وضوح الجريمة وعلنيتها، يرقى إلى مستوى التواطؤ الفعلي ويشكل إخلالًا بالتزامات الدول بموجب القانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة.
غزة والضفة الغربية اليوم تختبران ضمير الإنسانية برمته. إذا استمر العالم في الصمت، وإذا استمرت سياسة القوة المفرطة في غزة، فإن شريعة الغاب ستصبح القانون الفعلي، وسيصبح فقدان القيم الإنسانية واقعًا عالميًا.
الإنسانية على المحك: فإما أن يتحرك المجتمع الدولي بجدية لإنقاذ المدنيين وإنهاء الحصار والتدمير، أو أن يُسجل التاريخ جميع الدول والمنظمات التي تفرجت على موت شعب بأكمله جوعًا وقصفًا وتحريضًا رسميًا. قد فقدت إنسانيتها ودعمت شريعة القوة التي ترسي شريعة الغاب التي تتهدد الأمن والسلم الدوليين