لماذا يجب على العالم تشكيل لجنة تحقيق دولية عاجلة

لماذا يجب على العالم تشكيل لجنة تحقيق دولية عاجلة
بقلم رئيس التحرير
ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يمكن اعتباره مجرد أحداث متفرقة أو مواجهات عابرة بل هو مشروع استيطاني وتهجير قسري ممنهج يخالف القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ويهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وفرض واقع جديد بالقوة حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو والائتلاف الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل حولت الضفة الغربية والقدس إلى ساحة لتطبيق سياسات التهجير القسري والضم الزاحف في انتهاك صارخ لنصوص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تحظر نقل السكان المحتلين بالقوة من أراضيهم وحظر العقاب الجماعي وحماية المدنيين في حالات الاحتلال العسكري كما أن ما يجري يمثل خرقا للمواد 1 و2 و33 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 الخاصة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة وتدمير الممتلكات كما أن قرارات مجلس الأمن الدولي بما في ذلك القرار 242 لعام 1967 الذي يدعو إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة والقرار 338 لعام 1973 الداعي لوقف إطلاق النار وتنفيذ 242 وقرار 2334 لعام 2016 الذي يشدد على عدم شرعية الاستيطان تعتبر مرجعية قانونية واضحة تؤكد مسؤولية الاحتلال في الحفاظ على حقوق السكان المدنيين الفلسطينيين ومنع سياسة ضم الأراضي بالقوة
المخطط الإسرائيلي يقوم على تصفية أي أفق سياسي للتسوية عبر إجهاض إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة من خلال تكريس الاحتلال العسكري والتوسع الاستيطاني وإعادة اجتياح المدن والمخيمات الفلسطينية كما في جنين وطولكرم وتدمير البنية التحتية بشكل ممنهج يجعل الحياة اليومية مستحيلة وهذا يفتح الطريق لتطبيق مشروع إسرائيل الكبرى كما يتجلى في فرض سياسة الأمر الواقع عبر تسليح ميليشيات المستوطنين الذين يمارسون الإرهاب المنظم ضد الفلسطينيين بغطاء رسمي من وزراء أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وهو ما يمهد لضم فعلي ينسف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ويوازي ذلك استهداف المقدسات عبر الدعوات المتكررة لإقامة كنيس يهودي داخل ساحات المسجد الأقصى وهو جزء من سياسة ممنهجة لإشعال حرب دينية تهدف إلى تقويض السلم الإقليمي وتحويل الصراع من سياسي وحقوقي إلى ديني مفتوح يخدم أجندات التطرف
إن الصمت الدولي في مواجهة هذه الجرائم التي ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يمثل شراكة في الجريمة ويتيح للاحتلال مواصلة سياسة الأرض المحروقة والحصار والتجويع وهو ما يشكل انتهاكا صارخا لاتفاقيات جنيف وميثاق الأمم المتحدة وللقواعد القانونية الدولية المعروفة بقاعدة لا إفلات من العقاب التاريخية
تحقيق لجنة غولدستون بعد حرب غزة عام 2009 أثبت جدوى التحقيق الدولي المستقل في توثيق الانتهاكات ومساءلة المسؤولين كما أن التجارب القانونية السابقة مثل لجنة التحقيق في كوسوفو التابعة للأمم المتحدة أثبتت أن وجود آلية تحقيق دولية مستقلة يحقق نوعا من الردع ويمنع الإفلات من العقاب ويكفل توثيق الجرائم أمام المحاكم الدولية ومن ثم فإن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية للتحرك الفوري مجلس الأمن الدولي ملزم بالتحرك تحت الفصل السابع لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة تحقق في الجرائم وتوثقها وتوصي بإجراءات محاسبة فعالة والاتحاد الأوروبي يمتلك أدوات الضغط السياسي والاقتصادي التي يمكن توظيفها لردع إسرائيل بدءا من تقييد التعاون الاقتصادي وصولا إلى فرض عقوبات محددة على المسؤولين أما منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية فمطلوب منهما بلورة موقف موحد واللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق آلية الاتحاد من أجل السلم مع تعزيز حملات الضغط القانوني والإعلامي لكسر الصمت الدولي
تشكيل لجنة التحقيق الدولية اليوم ليس مسألة رمزية بل ضرورة عملية لكسر حلقة الإفلات من العقاب وفتح الطريق نحو مساءلة قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية كما أن هذه الخطوة تكرس مبدأ الالتزام بالقانون الدولي وتؤكد على مسؤولية المجتمع الدولي تجاه المدنيين الفلسطينيين وتحمي ما تبقى من مكانة القانون الدولي من السقوط في هاوية الانتقائية والكيل بمكيالين
ما يحدث في فلسطين اختبار حقيقي لمدى جدية النظام الدولي في الدفاع عن مبادئه وقيمه الصارمة في حماية الشعوب من الجرائم الجماعية الصمت لم يعد ممكنا والبيانات لم تعد تجدي وتشكيل لجنة تحقيق دولية عاجلة هو واجب أخلاقي وقانوني وسياسي لأنه يمثل الخطوة الأولى نحو وقف نزيف الدم وإنصاف الضحايا وصون ما تبقى من القانون الدولي