“إعلان وظيفة شاغرة”.. ميليشيا “أوريا”: لندمر بيوت الغزيين.. بحماية الجيش وبلا رقابة

“إعلان وظيفة شاغرة”.. ميليشيا “أوريا”: لندمر بيوت الغزيين.. بحماية الجيش وبلا رقابة
ينيف كوفوفيتش ويهوشع براينر
ترون في أرجاء قطاع غزة، وتقريباً في كل مكان، مجموعات من الأشخاص يشغلون معدات هندسية ثقيلة لهدف واحد وهو “التدمير”. لا يدور الحديث عن إطار عسكري منظم، بل عن قوة صغيرة تشكلت بمبادرة مستقلة. مواطنون –معظمهم من المستوطنين –تم تجنيدهم للاحتياط من خلال شركات مقاولة، والهدف: تدمير المباني والأنفاق، أو باستخدام الكلمات الشائعة أكثر في أوساط ذوي العلاقة، “تسوية غزة”.
قادة وضباط وجنود احتياط يكتشفون أن طريقة هذه الطواقم لتنفيذ المهمة مفتوحة أمامهم بشكل شبه تام: لا رقابة عليهم، وربما لا يعرف الجيش من هم؛ وأعضاء الطواقم لا يطبقون تعليمات الأمان، وعرضوا حياة الجنود والفلسطينيين غير المسلحين للخطر أكثر من مرة.
هناك طاقم بارز بشكل خاص وهو “قوة أوريا”، قوة تضم 10 – 15 من مشغلي المعدات الهندسية، وهو موجود في غزة منذ سنة تقريباً في أطر متغيرة، ومؤخراً، كان في خان يونس. هناك اسم واحد يتكرر ذكره في هذا السياق وهو بتسلئيل زينيه، شقيق المرشح لمنصب رئيس “الشاباك” القادم، الجنرال احتياط دافيد زينيه.
معظمهم من المستوطنين تم تجنيدهم للاحتياط من خلال شركات مقاولة، والهدف: تدمير المباني والأنفاق، أو باستخدام الكلمات الشائعة أكثر في أوساط ذوي العلاقة، “تسوية غزة”
“أعضاء قوة أوريا يكشفون عن الأنفاق”، قال ضابط في منصب رئيسي في لواء الاحتياط، الذي عمل في غزة حتى وقت متأخر. “لكنهم أيضاً يسمحون لأنفسهم بعمل أشياء إشكالية جداً”. حسب قوله، هم أدخلوا جنوداً لتوفير الحماية لهم في الأنفاق والمباني التي لم يصادق سلاح الهندسة عليها. أحد الجنود، الذي قام في الأشهر الأخيرة بتوفير الحماية لنشاطات القوة، قال إنه في بعض الحالات طلب من الجنود التقدم نحو فتحة النفق الذي اكتشف، أو حماية أعمال في مبان غير معروف إذا كان فيها عبوات أو مخربون.
أحياناً، تصبح المخاطرة كارثة. “أبراهام أزولاي، الذي قتل بنار مخرب وصل حتى غرفة قيادة الجرافة التي كان فيها، كان جزءاً من قوة أوريا”، قال للصحيفة ضابط هندسة في القطاع. حدث هذا قبل شهرين تقريباً في خان يونس. أزولاي (25 سنة) عندما مات، كان مستوطناً من “يتسهار”، وعمل في أعمال التدمير في منطقة في خان يونس.
قال الجيش إن المخربين غير المسلحين نجحوا في الوصول إلى الجرافة وسحبوا منها أزولاي وأخذوا سلاحه وقتلوه به. ولكن حسب أقوال قائد مطلع على التفاصيل، تبدو القصة مختلفة. “أخفى الجيش الإسرائيلي الحقيقة حول هذه الحادثة. لا أحد يسأل كيف يمكن حدوث أمر كهذا، إن سائق جرافة يعمل في منطقة لم يتم تطهيرها من المخربين، ثم يصل أحدهم بدون أي إزعاج إلى غرفة قيادة الجرافة. لا أحد يبلغ العائلة إلى أي درجة كان هذا الفشل ذريعاً”.
الضباط والجنود في الميدان غير متفاجئين، خصوصاً أن القوة عملت في منطقة لم يتم تطهيرها من المخربين. “هم لا يرسلون تقارير عن المكان والعمل الذي طلب منهم تنفيذه – سواء للكتائب أو اللواء أو الفرقة”، هكذا وصف أحد القادة المشكلة. “هذا معروف لكل القوات. ليس واضحاً من يعرف عن دخول هذه القوة إلى ساحة القتال”.
حسب الأوامر، يجب الإبلاغ عن كل جندي أو قوة أو شخص مدني يدخل إلى القطاع. يتم نقل الأسماء إلى القيادة للتأكد من خروج كل من يدخل. هذه قاعدة سارية، وتطبق على المقاولين الكبار الذين يعملون مع وزارة الدفاع. ولكن فيما يتعلق بالقوات المستقلة، حسب مصادر كثيرة، فإن كل شيء مفتوح. “نحن نفقد الجنود لأن المنطقة تدار مثل الحي”، قال أحدهم. “كل سائق جرافة أصبح مهندساً في الميدان، ويقدم استشارته للقادة إذا كان من الصحيح أو لا الدخول إلى المباني أو معالجة أحد الأنفاق. لأن الجيش الإسرائيلي يتجاهل هذا الوضع، بل ولا يفحص، فهذه هي المشكلة التي ستؤدي إلى قتلى آخرين”.
لكن القصة ليست فقط بالمخاطرة بمن يعملون مع الطاقم أو الجنود الذين يحمونهم. وقال مصدر عسكري إنه في نشاطات قوة أوريا، تم استخدام ما يوصف بـ “إجراء المنبر”. وراء هذا الاسم الغامض، قال المصدر نفس، يختفي إجراء آخر أكثر معرفة، الذي هو محظور في قوانين الحرب، “إجراء الجار”. “يجبرون فلسطينياً على ارتداء ملابس بمعدات وقائية، ويدخلونه إلى نفق تم اكتشافه للتو، لرؤية إذا كانت هناك لقية”، قال المصدر. “الغنائم” باللغة العسكرية، هي: عبوات، مخربون، أو أي شيء قد يعرض الحياة للخطر.
لا يدور الحديث عن تطور جديد. مثلما كشف في تقرير “هآرتس” في آب الماضي، بل عن إجراء معروف، تقوم فيه القوات الميدانية بتجنيد الفلسطينيين مثل كلاب أثر. ذات مرة، كان هذا يسمى “إجراء الجار”، وقبل حوالي سنة سمي “إجراء البعوض” وبات يسمى الآن “إجراء المنبر”. يبدو أن لا جديد سوى الاسم.
مثل كتيبة في الميدان
قوة أوريا، مثل الطواقم المستقلة الأخرى، لم تخلق من فراغ؛ لقد كان عليها طلبات كثيرة. في بداية الحرب، كان لكل لواء حوالي 20 جرافة محصنة، جاهزة للعمل، قال مصدر عسكري رفيع في قوات الهندسة في غزة. “الآن، ليس لدينا سوى 10 جرافات. ولا يتوفر سائقون مهنيون غالباً”. لذلك، حسب قوله، كل قائد لواء أو قائد كتيبة يريد الآن التقدم في القتال، يأخذ القوات إلى الأمام – هو يتصرف معهم بدون أن يقدم أي حساب للفرقة أو انتظار إحضار المعدات له. هذا المجال المفتوح مدخل للمشاكل. يؤكد المصدر نفسه: “هذه القوات تنتقل من مكان إلى آخر بدون أن يعرف ضابط الهندسة في الفرقة عنها أي شيء، وهم غير ملزمين تجاه القادة المسؤولين في الميدان”.
يستخدم الجيش الإسرائيلي في القطاع جهات مدنية لأعمال الهندسة على صورتين: المجموعة الأولى تشمل شركات مقاولة للأعمال الترابية، التي تنفذ أعمال بنى تحتية كبيرة مثل شق الشوارع، وهدم المباني، واكتشاف الأنفاق. المسؤولون في هذه الشركات تعرفهم وزارة الدفاع كمقاولين مرخصين، ويتم توقيع عقد معهم حسب العمل المطلوب، وهؤلاء يعملون مع القائد أو الضابط المسؤول عن الفرقة، بمعرفة القوات على الأرض وحسب خطة الجيش الإسرائيلي. ولكن حالة “قوة أوريا” وحالة الطواقم المستقلة الأخرى مختلفة. فحسب قول المصدر، الحديث هنا يدور عن قوات يتجند أعضاؤها في مجموعات عبر الشبكات الاجتماعية، وبالأساس من المستوطنات، وبعضهم أعضاء بارزون في اليمين المتطرف في “المناطق” [الضفة الغربية]. مثال على طاقم كهذا هو تساما بلدوت، الذي كُشفت “هآرتس” نشاطاته في كانون الأول السنة الماضية. هذا الطاقم كان برئاسة العقيد احتياط غولان فاخ، شقيق قائد الفرقة 252 يهودا فاخ. في طاقم غولان، أوضح ضابط كبير في قيادة الفرقة في حينه: “جنود ومدنيون يظهرون مثل فتيان التلال”. وحسب قوله “هدف هذه القوة هو تدمير غزة وتسويتها”.
وفقاً لشهادات وصلت إلى “هآرتس”، يبدو أنه لم يتغير شيء. ربما احتياج الجيش إلى قوة تساعده على تحقيق أهدافه المتعاظمة. “ليس للجيش الإسرائيلي ما يكفي من القوات والمعدات لتنفيذ المهمات المطلوبة. وشركات المقاولة الكبيرة تأتي مع معدات نوعية ومهنيين يعرفون العمل”، قال ضابط سابق في جهاز الهندسة في القطاع. “المشكلة في قوة أوريا أن هؤلاء ليسوا بالضرورة أشخاصاً ذوي خبرة في العمل. هم لا ينتمون إلى أي إطار، وهذا يكون مثل كتيبة في الميدان أحياناً. نعرف هذا الوضع جيداً، ونعرف أنه غير صحيح، لكن الجميع يفضلون تجاهل ذلك”.
مع وجود ادعاء بوجود نقص في قوات الهندسة في الميدان، فلا يوجد كثيرون مستعدون للجدال. “لا يوجد ما يكفي، لا تعبر عن الحقيقة”، كما قال أحد القادة. “الأمر الذي يرهقنا هو فتح طريق بجرافة صغيرة وتنظيفها من الحطام وبقايا شاحنات الإغاثة. تعيين آلاف المشغلين لهذه الآليات عبء كبير. والتنسيق لجلبها عند وجود شيء ما، ثم الجدال أكثر عندما يقولون لك بأن كتيبة أخرى بحاجة إليها”. هنا يأتي دور الفرق المدنية التي لا تكتفي بالإسهام، بل تتوق إلى هذا العمل بالفعل. هذا ليس مجرد إغراء أيديولوجي، كما يتبين من مراجعة إعلان وظيفة نشره مؤخراً أحد المقاولين المهتمين بالموضوع. كتب في الإعلان “الحاجة إلى حفار بوزن 40 طناً، ومشغل أيضاً، للعمل في أنقاض قطاع غزة. العمل من السابعة صباحاً وحتى الرابعة والنصف بعد الظهر. الراتب ستة آلاف شيكل ليوم العمل، والديزل على نفقة الجيش الإسرائيلي”. راتب مثالي لعمل ميداني.
رقم الهاتف في الإعلان لشخص من “موشاف نفيه” في جنوب البلاد. توجهت إليه “هآرتس” وسألته كيف يقوم بتجنيد رجال الاحتياط وكيف تعمل القوة. ولكنه رفض الرد.
محاولات لإبعادهم
بتسلئيل زينيه شخص غير معروف. خلافاً لشقيقه دافيد زينيه وشقيقة زوجته، التي نشرت “هآرتس” مؤخراً أنها كتبت “تدمير البيوت في غزة أمر إلهي”، لا يوجد لزينيه أي ذكر في الإعلام أو في الشبكات الاجتماعية. هو ابن 50 سنة ويمتلك شركة باسم “بتسلئيل زينيه للمشاريع، المساهمة المحدودة”، التي عنوانها نفس مكان سكنه في عوفرا. في تفاصيل الشركة، ذكر أن أساس عملها هو الاستخراج والنقل. قبل شهرين تقريباً، طرح اسمه في منشور في الفيسبوك لمراسل “هآرتس”، أوري مسغاف، حيث تم ذكره هناك كشخص رئيسي في قوة أوريا. رداً على ذلك، قال مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إنه تبين أن زينيه الأخ، لا يعتبر جزءاً من هذه القوة، ولا يعتبر رجل احتياط نشطاً. ماذا بالنسبة لقوة أوريا؟ أجاب الجيش إن الأمر يتعلق بشركة مقاولات تشغلها وزارة الدفاع.
لكن بعد كتابة هذا المقال، وصلت لـ “هآرتس” شهادات أخرى عن “قوة أوريا” وعن مشاركة زينيه فيها. عندها أراد مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي توضيح الأمور. في البداية، قالوا إن زينيه يترأس قوة أوريا، لكنهم واصلوا ادعاءاتهم بأن الأمر يتعلق بشركة مقاولات بمسؤولية وزارة الدفاع. بعد ذلك، صححوا أقوالهم وقالوا “قوة أوريا هي قوة من جنود الاحتياط، من عدة وحدات، الذين يشغلون معدات هندسية من نوع الحفارات. وحتى إنهم أكدوا أن قوة أوريا غير مرتبطة بشركات المقاولة التي تعمل في القطاع.
بتسلئيل زينيه شخص غير معروف. خلافاً لشقيقه دافيد زينيه (الذي كان مرشحا لرئاسة “الشاباك”) وشقيقة زوجته، التي نشرت “هآرتس” مؤخراً أنها كتبت “تدمير البيوت في غزة أمر إلهي”
ولكن من محادثات “هآرتس” مع قادة في الميدان، يبدو أنهم يرون الأمور بصورة مختلفة. مصدر عسكري مطلع قال إن قوة أوريا “تحاول الدخول مع عدد غير قليل من الكتائب إلى غزة بدون مهمة. وغير واضح ما الذي يبحثون عنه هناك”. حسب قول المصدر، صدر مؤخراً أمر في عدة قيادات بأنه إذا طلب رجال قوة أوريا الدخول إلى القطاع فلا يجب السماح لهم بذلك. باستثناء حالة “أن يعرف اللواء ويصادق على النشاطات”. يتبين من أقوال المصدر أن هذا غير شائع: “لا أحد متحمساً لتشغيلهم، وحاولوا إبعادهم عن قطاعنا”.
ضابط هندسة في وظيفة رئيسية في القطاع، أكد روحية هذه الأقوال في محادثة مع “هآرتس”. “ليس سراً أن قيادة المنطقة الجنوبية كانوا يريدون إيجاد حل أفضل. الآن، وصلت جرافات جديدة إلى إسرائيل، لكن إلى حين تصفيحها وإعدادها للدخول إلى القتال، سيستغرق الأمر وقتاً. إلا أنهم يغضون النظر لأنه لا بديل”.
وجاء من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: “قوة أوريا هي قوة لجنود من الاحتياط من عدة وحدات، الذين يشغلون معدات هندسية مثل الحفارات والجرافات في جنوب القطاع. يدور الحديث عن قوة عسكرية منظمة، غير مرتبطة بشركات المقاولات التي تعمل في القطاع. القوة تعمل في فرقة غزة وبالتعاون مع ألويتها ووحداتها، وهدفها المساعدة في نشاطات القوات وتنظيم الفضاء. وهي تتكون من رجال احتياط من كل شرائح المجتمع الإسرائيلي الذين يعرضون حياتهم للخطر ويخدمون حوالي 600 يوم في الاحتياط لتحقيق أهداف الحرب. أي ادعاء بأن الأمر يتعلق بقوة غير منظمة، تعمل بصورة تعرض حياة الجنود للخطر، هو ادعاء لا أساس له. بتسلئيل زينيه يخدم في الاحتياط كمسؤول عن الغلاف اللوجستي للجنود في القوة – يهتم بإدخال الطعام والاحتياجات المطلوبة.
نؤكد أنه لا يشغل المعدات بنفسه، ولا يخدم في منصب قيادي في القوة ولا يقرر بشأن نشاطات الجنود، التي تحدد بتوجيه من الفرقة وطبقاً لطلب قادة الوحدة المرتبطين بهم.