تحقيق: “علاقة دافئة”.. قائد المنطقة الوسطى روني نوما وراء إقامة بؤر استيطانية في الغور

تحقيق: “علاقة دافئة”.. قائد المنطقة الوسطى روني نوما وراء إقامة بؤر استيطانية في الغور
هاجر شيزاف
في نهاية الشارع الذي يمكن رؤية الأردن منه تقف عدة مبان، بعضها بني من الطوب وبعضها يشبه الكرفانات. بينها قطيع أبقار، ويمكن أيضاً رؤية مدخل إسطبل. هذا المشهد الطبيعي يستقبل القادمين إلى مزرعة أوربي. هي لم تكن موجودة هنا دائماً. إضافة إلى ذلك، فإنه منذ إقامتها قبل حوالي تسع سنوات، تم نقلها من مكانها على الأقل مرة واحدة. سبب النقل أن المزرعة في الحقيقة هي بؤرة استيطانية غير قانونية في غور الأردن. ولكنها ليست مثل مزارع البؤر الاستيطانية الأخرى. فقد بادر إلى إقامتها قائد المنطقة الوسطى السابق روني نوما، عندما كان في الخدمة الفعلية، بالتعاون مع مستوطنين في بؤر استيطانية أخرى. هذا حدث تحت الرادار وبدون معرفة رئيس الأركان في حينه غادي آيزنكوت.
عملياً، الحديث لا يدور فقط عن مزرعة أوري. ثمة بؤرة توأم لها، بادر إلى إقامتها الجنرال (احتياط) نوما، وهي مزرعة “تسورئيل”. تقع الأولى على حدود المحمية الطبيعية أم زوكا ومنطقة التدريب 903، والأخرى قرب مستوطنة “محولا” على حدود منطقة التدريب 900. إضافة إلى ذلك، جرى التخطيط لبؤر مشابهة في جنوب جبل الخليل. جميعها كانت في إطار مبادرة واحدة، التي هدفت، كما تدعي مصادر كانت مطلعة على ما يحدث، إلى توجيه “فتيان التلال” [المستوطنون] من الجريمة القومية المتطرفة لعمل ما يرونه فعلاً أيديولوجياً.
في هذه المعادلة، كانت هناك متغيرات أيضاً. الأول هو الموعد، 2016 – بعد فترة غير بعيدة على قتل عائلة دوابشة في قرية دوما. الثاني هو المكان – منطقة ظهر الجبل (أي “يتسهار”، و”كوخاف هشاحر”)، التي معروف منذ ذلك الحين وحتى الآن أنها بؤر لأعمال عنف المستوطنين المتطرفين. كانت الفكرة أنهم في الغور، الأقل اكتظاظاً، سيواجه الشباب أقل عدد من الفلسطينيين. وقد كان هناك هدف آخر لا يقل عن ذلك أهمية، وهو أن البؤر الاستيطانية التي ستقام على حدود مناطق التدريب، ستستخدم كمواقع عسكرية، تضمن عدم سيطرة الفلسطينيين على الأراضي. بهذا المعنى، كان هناك نجاح كبير لحركة الاستيطان، في الفترة التي لم ينطلق فيها المشروع كانت في الغور بؤرتان استيطانيتان، وفيه الآن حوالي عشرين بؤرة على الأقل، وفي مناطق أخرى في الضفة عشرات البؤر الاستيطانية.
خلافاً لزعمهم أن بؤر المزارع الاستيطانية عامل مهدئ، فإن انتشارها في كل أرجاء الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة يؤدي إلى عكس ذلك. عملياً، هي غيرت واقع حياة الفلسطينيين الذين يعيشون قربها وتجمعات الرعاة الذين عاشوا في هذه الأراضي، فتم إبعادهم عنها. ورغم أن مكانة هذه البؤر الاستيطانية كانت وما زالت غير قانونية، فهي الآن تحظى على دعم واضح من الحكومة ومن شخصيات رفيعة في الجيش.
في تلك الفترة، على الأقل تجاه الخارج، جرت الأمور بشكل مختلف. في حينه، حاول قائد المنطقة إخفاء الدعم، خصوصاً علاقته الوثيقة بالمشروع. لذلك، اتصل مع ثلاثة من المستوطنين، أصحاب مزارع استيطانية أقدم، كانوا بمثابة الوسطاء. هذا الربط لم يستهدف فقط إخفاء العلاقة عن الجيش، بل أيضاً عن “فتيان التلال”، الذين تجذبهم عدم شرعية أعمالهم بحد ذاته.
منطقة رمادية ظاهرياً
الفكرة وراء إقامة البؤر الاستيطانية حسب نموذج المزارع، قالت مصادر للصحيفة، كانت محاولة تركيز المشروع في منطقة رمادية من ناحية قانونية: أن تكون نقاط صغيرة من ناحية السكان، لها بنى تحتية ومبان مؤقتة وقطعان غنم بحيث يسهل إخلاؤها عند الحاجة. المواقع التي تم اختيارها صادق عليها نوما بنفسه.
لأن الأمور كانت بالسر، فإن أعضاء جهاز الأمن الذين تحدثوا مع “هآرتس” من أجل هذا التقرير، لم يعرفوا أن المبادرة لإقامة البؤر كانت لقائد المنطقة الوسطى. ثمة مصدر كان في الإدارة المدنية في حينه، عرف بشكل مؤكد أن بؤر المزارع الاستيطانية حصلت على معاملة متعاطفة من قبل الجيش الإسرائيلي. “قادة الجيش أسرهم التعامل مع فتيان التلال”، قال في محادثة مع “هآرتس”. “لقد اعتقدوا أنها الطريقة الصحيح، وأنهم بذلك يساعدون على حماية مناطق التدريب”.
حسب أقوال هذا المصدر، كانت هناك حالات طلبت فيها الإدارة المدنية إخلاء المزارع، في حين عارض الجيش ذلك ومنعه. ولكنه مع مرور السنين، لا يتذكر عن أي مزرعة يدور الحديث. “هم أصدقاء جيدون”، هكذا وصف الطريقة التي كانت سائدة في الجيش في معاملته لأصحاب المزارع. “هم يساعدون فتيان التلال ويهتمون بأن يكون لهم عمل، ولا ينشغلون بأعمال تدفيع الثمن، تحت هذه الحجة”. وكانت هناك أعمال تعاون أخرى.
في نيسان 2017، بعد أربعة أشهر على إقامة أول بؤرة استيطانية “مزرعة أوري”، كتبت عميره هاس في الصحيفة بأن هذه البؤرة تم ربطها بشبكة مياه في قاعدة التدريب التابعة للواء “كفير”. وقال الجيش في حينه إن الأمر يتعلق بربط غير مصرح به، وإنه “يجري التحقيق في ذلك من قبل سلطات القانون”. بعد فترة قصيرة نقلت البؤرة إلى مكان آخر غير بعيد. لم يكن هذا الإخلاء الوحيد للبؤر الاستيطانية التي أقامها نوما؛ فخلال السنين كان هناك عدة إخلاءات كهذه، استهدفت الحفاظ على صورتهم، سواء أمام الجيش أو أمام فتيان التلال، وكأن ذلك لم يكن بالتنسيق معهم.
بشكل عام، شكاوى هاتين البؤرتين لم تتأخر، بعضها وجه لنوما نفسه، حيث كان تضارب مصالح. في عامي 2016 و2017 توجه إليه المحامي ايتي ماك، فيما يتعلق بالبناء غير القانوني، حول ما أصبح “مزرعة تسورئيل”، وفيما يتعلق بما يحدث في “مزرعة أوري”، التي بالنسبة لها أشار إلى أن المستوطنين في البؤرة الاستيطانية يهددون ويزعجون الفلسطينيين في المنطقة.
هذا إلى جانب حقيقة أن البؤرة كانت قد نقلت مكانها. “لقد حدث أنه خلال نصف سنة، تمكن هؤلاء المستوطنون من إقامة بؤرة استيطانية غير قانونية رغم أنف (أو بتعاون) الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية”، كتب ماك. “بدون فعل أي شيء لوقفهم”. بعد هذه الرسالة أيضاً، لم يتم فعل أي شيء في هذا الشأن.
في تلك الفترة، في أيلول 2017، كشفت “هآرتس” تسجيلاً لرئيس مجلس غور الأردن، دافيد الحياني، الذي قال فيه إن نوما صادق على إقامة البؤر الاستيطانية. هذا الكشف استدعى تقديم شكوى أخرى من قبل المحامي ماك، كانت هذه المرة موجهة لكبار قادة جهاز الأمن، وطلب فيها التحقيق مع نوما وتعليق عمله هو والحياني. بعد شهرين، جاء الرد، الذي بحسبه إقامة المزارع تم وقفها بسبب الخطوات التي اتخذتها سلطات الدولة. وتم البدء في إجراءات الرقابة ضد البناء غير القانوني (لذلك كتب: لم نجد حاجة لفتح تحقيق أو القيام بخطوات انضباطية). ولكن بعد ثماني سنوات من ذلك، ما زالت المزارع موجودة، وسكانها وتأثيرها السلبي يتزايد على السكان الفلسطينيين.
“مزرعة أوري أخذت كل أراضينا، ولم يبق لنا شيء”، قال فوزي ضراغمة، وهو أحد سكان قرية خربة سمرا القريبة. “من ناحية مناطق الرعي لم يبق لنا شيء. كنا نقوم بالرعي في الأعلى، في منطقة المزرعة، وكانت لنا أراض نقوم بفلاحتها. كل ما كان لنا – سيطروا عليه”.
وسكان قرية خلة مكحول، غير البعيدة عن مزرعة أوري، تحدثوا عن نشاطها. المستوطن الذي أقامها، أوري كوهين، تم توثيقه في 27 تشرين الثاني 2023، وهو يرتدي الزي العسكري ويحمل سلاح الجيش. “لقد وثق وهو يقول للفلسطينيين: من القاعدة هنا إلى هذه القاعدة، الأرض لي”. “عليك ألا تدخل مع قطيعك”، قال لأحد الفلسطينيين. يوسف بشارات، الذي وثق ما يحدث وعرف كوهين، قال إن المنطقة التي يدور الحديث عنها، قام هو برعاية أغنامه فيها لأكثر من عشرين سنة. حسب قوله، حاول كوهين طرده من منطقة الرعي. عندها، كان يراه هناك، ولم يكن يذهب إلى بيته في أي وقت. هذا هو الأمر الجديد في هذه المرة – لكنه ليس الوحيد. “الآن الجيش يساعده، والشرطة تساعده، والجميع يساعدونه”، قال في حينه لـ “هآرتس”.
وقد جاء من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: “كوهين، الذي تم تجنيده لقوات الدفاع القطرية (التي هي جزء لا يتجزأ من فرقة “يهودا والسامرة” وتشمل مئات جنود الاحتياط)، عمل خلافاً لأوامر الجيش وتجاوز صلاحيته”.
أصبح جزءاً من المشهد
أسماء الوسطاء الثلاثة الذين يعملون لخدمة نوما، وهم عومر عتيديا، وايتمار كوهين وإسحق سكالي، يبدو أنها غير معروفة للجمهور الواسع، لكنها معروفة جداً في عالم البؤر الاستيطانية. سكالي هو صاحب البؤرة الأقدم، التي أقيمت في 1998 قرب مستوطنة “ألون موريه”. بؤرة “عينوت كيدم” لعتيديا، هي بؤرة أصغر من موديل 2004. عتيديا هو أيضاً ضابط احتياط في وحدة التحرك العملياتي (في مقال نشر في كان 11، أشير إلى أنه استضاف جنوداً من الوحدة في مزرعته). في مزرعة “عتيديا” يتواجد شباب، بعضهم ذوو خلفية قاسية، ويعملون فيها كل أنواع الأعمال، وهو ما يميز كل المزارع الاستيطانية بشكل عام.
لا توجد لـ “عتيديا” صلة وثيقة بالجيش ورجاله. قال مصدر خدم في الإدارة المدنية بأن لكوهين، صاحب المزرعة علاقة وثيقة مع شخصيات في وحدة إنفاذ القانون التابعة للإدارة المدنية. حسب قوله، ثمة إمكانية لاستثناء بؤرته من منطقة التدريب، وفق نقاشات طرحت في حينه.
بنظرة إلى الوراء، يبدو أن ما كان يحتاج إلى إخفاء سابقاً، حتى لو تم تنفيذه، أصبح الآن واضحاً للعيان. ورغم أننا لا نعرف عن حالة حديثة بادر فيها الجيش إلى إقامة بؤرة استيطانية، فالعلاقة الدافئة الآن بين القيادة العليا في الجيش وبين أعضاء المزارع، هي مصدر للتفاخر أحياناً. في الأسبوع الماضي، كشف في “آي 24” بأن رئيس الأركان أيال زامير زار مزرعة مع قائد المنطقة الوسطى الحالي آفي بلوط. وهناك أيضاً أمثلة كثيرة بعيدة عن التصريح.
منذ بداية الحرب، يخصص الجيش جنود الدفاع القطري لحراسة المزارع. “الجيش يعتبرها ذخراً بكل معنى الكلمة”، قال مصدر مطلع الذي حتى وقت قريب شارك في نقاشات داخلية تناولت المزارع ووضعها. “بالنسبة لكل اللاعبين، فإن بؤر المزارع جميعها شرعية. في الحقيقة، يطالب الجيش بمكونات أمنية لها مثل الأسوار، والكاميرات، والمصابيح وطرق للوصول إليها”.
في ولاية الحكومة الحالية، أصبحت الأمور أكثر فظاظة. وزارة الاستيطان مولت المزارع بمسيرات وكاميرات وسيارات عسكرية، بملايين الشواقل. وهناك أيضاً جانب من الجيش الذي ما زال يعتبر مشروع المزارع بديلاً عن بؤر التلال. حسب مصدر آخر خدم في الجيش حتى فترة قريبة، فإن لذلك جوانب أخرى. فالجنرال بلوط وقائد فرقة “يهودا والسامرة” التارك، العميد ياكي دولف مثلاً، قالا في نقاشات داخلية بأن المزارع الجديدة تساهم في الأمن. “هي غير قانونية، أليس كذلك؟”، أكد المصدر.
لكن تأثيرها السلبي أصبح يتضح أكثر في كل ما يتعلق بطرد تجمعات الرعاة في الضفة. مزرعة “زوهر صباح” مثلاً، لعبت دوراً حاسماً في طرد سكان قرية المعرجات في تموز، بعد أن تعرض سكان قرية المعرجات إلى التنكيل من قبل صباح، واضطر الأهالي إلى المغادرة. كانت نهاية العملية إقامة بؤرة قرب القرية. زوهر نفسه شوهد هناك.
يتبين من ذلك مدى انخراط هذه المزارع في المشهد الطبيعي للضفة الغربية من خلال شرعنة بعضها رسمياً. “جمعية المزارع” تشمل 70 مزرعة استيطانية، ولجنتها التنفيذية تضم أوري كوهين، ابن المزرعة التي سميت على اسمه (المعروفة أيضاً باسم “نوف جلعاد”)، والتي يظهر فيها أيضاً الزوجان عتيديا. في موقع الجمعية، يذكر أصحاب المزارع حتى قضية القتل في دوما، التي بعدها “قاد المزارعون مع جهات رفيعة في الجيش” المبادرة إلى إقامة هذه المزارع.
لكن هناك طريقة أخرى لرؤية ترسخ المزارع، وهي بالأرقام. حسب بيانات جمعية “كيرم نبوت”، فإنه حتى نهاية 2015 كان يوجد في كل الضفة 21 بؤرة كهذه. أما الآن يقول درور ايتكس، وهو من أعضاء الجمعية، فهناك أكثر من 70 مزرعة، وقريباً أكثر إلى 190 مزرعة (فيها أيضاً بؤر تلال صغيرة وبؤر فيها عدد أكبر من السكان)، أقيم نصفها تقريباً من 2024 فصاعداً. ربما هذا غير مفاجئ إذا أخذنا في الحسبان أن بعض بؤر المزارع ترعاها حركة “أمانة” برئاسة زئيف حيفر (زمبيش)، المقرب من رئيس الحكومة نتنياهو. أيضاً بالنسبة لغور الأردن وشرق شارع ألون – خلف منطقة “ظهر الجبل” حدث تغيير راديكالي، قال ايتكيس، في هذه المنطقة التي لم يكن فيها في بداية العقد السابق أي مزارع، أما الآن -حسب ايتكيس- فهناك أكثر من 30 مزرعة، والتوجه واضح.
وقد جاء من الجيش الإسرائيلي: “نعمل وفقاً للقانون وحسب تعليمات المستوى السياسي”. أما نوما فرفض الرد.
هآرتس 5/9/2025