إيكونوميست: حفلة شي في تيانجين وبيجين تكشف عن مدى الضرر الذي يحدثه ترامب على مصالح أمريكا

إيكونوميست: حفلة شي في تيانجين وبيجين تكشف عن مدى الضرر الذي يحدثه ترامب على مصالح أمريكا
علقت مجلة “إيكونوميست” على الحزب الجديد المناهض لأمريكا الذي برز في قمة ترأسها الرئيس الصيني شي جين ببينغ، قائلة إنها نتيجة لتنمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقالت: “قد تظن أن مكان اجتماع قادة الدول لمناقشة مستقبل العالم هو العاصمة واشنطن أو مقرات الأمم المتحدة في نيويورك. وفي الواقع، بينما يستضيف الرئيس شي جين بينغ أكثر من 20 رئيسا ورئيس وزراء في الصين، فإن واقعا جديدا بدأ يترسخ”.
ولعل المبرر الرسمي للتجمع هو قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، تليها إحياء الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك عرض عسكري في ميدان تيانانمين.
وبالنسبة لشي، فإن التجمع له أهمية أكبر، فهو يقول إن الصين أصبحت قائدا عالميا ومصدرا للاستقرار والازدهار. ويجادل بأن جذور عدم اليقين اليوم متجسدة في أمريكا، التي تطلق العنان لحروب تجارية مع الجميع تقريبا وتقوض شبكتها الخاصة من التحالفات العسكرية والشراكات الأمنية.
وقالت “إيكونوميست” إن قائمة ضيوف الرئيس شي مثيرة للإعجاب، حيث يعد هذا الحدث من أكبر تجمعات الأنظمة الاستبدادية في الذاكرة الحية، بحضور فلاديمير بوتين من روسيا ومسعود بيزيشكيان من إيران وألكسندر لوكاشينكو من بيلاروسيا وسافر كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، على متن قطار مدرع، في أول زيارة له للصين منذ عام 2019.
وليس هذا فقط، فالمثير للدهشة هو وجود قادة كانوا حتى وقت قريب في الجانب الغربي، بمن فيهم مصر وتركيا وفيتنام. وأكثر ما يلفت الانتباه هو وجود ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، مما يشير عن تحول في الموقف الهندي من أمريكا نحو الصين.
ويأتي ذلك في أعقاب الخطأ المزدوج الكارثي الذي ارتكبه ترامب باستهداف الهند برسوم جمركية باهظة، واحتضان عدوها، باكستان، في أعقاب صراع في أيار/مايو.
وعلقت المجلة أن زعم جين بينغ بأنه يقود تحالفا عالميا من القوى المتشككة في أمريكا ليس خياليا كما قد يظن أحد.
وفيما يتعلق بالتجارة، حيث تسعى جميع الدول إلى القدرة على التنبؤ، فإن تفاخر الصين بأنها ركيزة للاستقرار يبدو الآن صحيحا، على الأقل نسبيا. وتعد البلاد بالفعل أكبر شريك تجاري للسلع لمعظم زوار هذا الأسبوع، إلى جانب ما يقرب من 100 دولة أخرى حول العالم. وبينما تواصل إدارة ترامب حملة شرسة من الحرب الاقتصادية ضد شركائها التجاريين، تبدو خطايا الصين المتمثلة في النزعة التجارية ورأسمالية الدولة طفيفة بالمقارنة.
وتقول المجلة إن هناك أيضا وحدة جديدة في معارضة العقوبات، بما في ذلك التهديد الذي تستخدمه أمريكا لفصل الأفراد والشركات والدول عن النظام المالي القائم على الدولار ومنصات التكنولوجيا.
ففي السابق، كانت هذه العقوبات، غالبا مصدر خوف المنبوذين والدول المارقة وليس التي تدور في الفلك الأمريكي. إلا أن ترامب، يستخدمها بدون انضباط وأكثر من أي وقت مضى، ودون عملية قانونية أو إطار مؤسسي يمكن التنبؤ به.
و مع أن روسيا والصين باتتا تبتعدان وبشكل متزايد عن المدفوعات بالدولار إلا أن بناء نظام دولي بديل موثوق به وفعال أمر شاق، وربما كان مستحيلا، بخاصة بالنسبة للأنظمة التي تفتقر إلى سيادة القانون.
لكن المزيد والمزيد من الدول مهتمة باستكشاف خيارات أخرى غير نظام الدولار الأمريكي. حتى أوروبا باتت تروج لـ”يورو عالمي”، وهذا يعني أن عدد الدول التي ستكون مهتمة بتطبيق العقوبات الأمريكية نيابة عنها سيقل شيئا فشيئا.
وتعلق المجلة أن الجانب العسكري في الوحدة يظل أقل إثارة للإعجاب، حيث لم تحضر سوى مجموعة صغيرة من الدول، معظمها دول استبدادية، العرض العسكري في ميدان تيانانمين في بيجين. وبالتأكيد لم تحضر الهند العرض، لأنها تعارض التعزيزات العسكرية الصينية بعد المناوشات على حدودها في جبال الهيمالايا.
ولو أمضى الحكام المستبدون وقتا كافيا في العرض، فسيجدون الكثير مما يثير الخلافات. وستشاهد الدول المجاورة للصين أحدث صواريخ جيش التحرير الشعبي الصيني وأسلحته الأخرى وهي تمر أمامهم بمشاعر متباينة.
ومع ذلك، يتعمق التعاون الأمني بين الأنظمة الاستبدادية. وتعمل روسيا وكوريا الشمالية على أنظمة الفضاء والأقمار الصناعية. وفي مقابل دعم الصين في أوكرانيا، يعتقد أن روسيا تقدم لها المزيد من أكثر تقنياتها العسكرية حساسية، بما في ذلك أنظمة الدفع بالغواصات وأنظمة الدفاع الصاروخي.
وتعتقد المجلة أن أضعف جزء في حملة شي متعلق بالمؤسسات والقواعد الدولية. فقد أعلن للتو أن “الحوكمة العالمية قد وصلت إلى مفترق طرق جديد”. وتقترح وسائل الإعلام الرسمية أن تعمل الصين مع “الدول ذات التوجهات المماثلة لحماية مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة بحزم، وبناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلا وإنصافا”. ورغم أن المقترحات مغلفة بلغة التعددية، إلا أنها تمثل رمزا لنظام عالمي مناصرا للصين، حيث تهيمن القوى الكبرى، بما فيها جمهورية الصين الشعبية، على مناطق نفوذها، وبالتالي تتمتع بحقوق أكثر من الدول الصغيرة. هناك القليل من الدول في آسيا راغبة في رؤية منطقة تهيمن عليها الصين.
وبالمحصلة، ليس كل من حضر حفل شي الكبير متفقا على كل شيء. فمنظمة شنغهاي للتعاون بعيدة كل البعد عن كونها تحالفا مثل حلف الناتو. فباستثناء عامل التوحيد المتمثل في المعارضة أو عدم الارتياح لأمريكا ترامب، غالبا ما لا تشترك هذه الدول في الكثير.
ومع ذلك، فإن اتفاق أحزاب متباينة ذات مصالح مختلفة ليس علامة ضعف، بل هو ما تنفرد به القوى العظمى.
وكان مشهد الصين وهي تقود معظم العالم عبر تيانجين وبيجين أمرا لا يصدقه أحد حتى قبل خمس سنوات.
ولا تظهر قائمة ضيوف شي أن الصين لا تزال تدير نظاما عالميا جديدا، لكنها تظهر مدى الضرر الذي يلحقه ترامب بالمصالح الأمريكية.
– “القدس العربي”: