كتب

ذاكرة المكان: في فلسطين أرض متصلة بالسماء، حجارة لا تشيخ، وقدر امة تابى ان تمحى من التاريخ.بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

ذاكرة المكان: في فلسطين أرض متصلة بالسماء، حجارة لا تشيخ، وقدر امة تابى ان تمحى من التاريخ.

 

 

بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

5.9.2025

———————————————-

“واقفون هنا.. قاعدون هنا.. دائمون هنا.. خالدون هنا

هنا نحيا وهنا نموت”

في فلسطين، الأرض ليست مجرد مساحة جغرافية، بل ذاكرة حية تتنفس من أعماق التاريخ. حجارة لا تشيخ، وطرق سلكها الأنبياء والسلف الصالح، تحكي قصص أجدادنا، وترسخ في وعينا الجمعي الفلسطيني رابطًا لا ينكسر بين الإنسان الفلسطيني وأرضه.  ولا تنفصل الأرض عن الذاكرة.

حجارة تشهد، وهوية لا تشيخ هنا يسجل شموخ المكان والإنسان الفلسطيني، تاريخًا امتد لآلاف السنين. تتصل مكوناته بالذاكرة الفلسطينية، التي تشكل رابطا عميقًا بين الإنسان والمكان. كل طريق تهمس بمن ساروا عليها ،  وكل زاوية وممر، تتراءى في مخيلتك  وتتصور من سار على تلك الطرقات  عبر التاريخ والعصور ، انبياء، قادة، ملوك ، عسكر، علماء، وصناع. 

لقد مرت على بلادنا شعوب مختلفة وحضارات عديدة. بعضهم جاء غازيًا محتلًا، وبعضهم بنى حضارة راسخة.. من الفينيقيين والكنعانيين، إلى الحضارات الإسلامية، وصولًا إلى العصر الحديث.

يحمل المكان في طياته حماية التاريخ من النسيان، وصناعة الأمل بأن القادم أجمل. إن الأمل يعزز ارتباط الفلسطيني بهويته وبالثقافة التي نشأ عليها. حجارة تتكلم شاهدة على التاريخ التي تقوم عليها الآثار شاهدة على عمق الزمن والحضارة، وشكل هذا الارتباط الوثيق بين الأرض والهوية والانسان.

ظلت فلسطين بمدنها وقراها مركزًا تاريخيًا وثقافيًا غنيًا، عبر القرون نشاطًا حضاريًا وعلميًا ودينيًا وثقافيًا. وكانت مركزًا تجاريًا متميزًا عبر الحضارات. في القدس والخليل ونابلس وعسقلان وغزة، حيث المدن العتيقة، يتلمس المار من ازقتها وحواريها جدرانها فيشعر في أيادي من سبقوه كيف  تركت أثرها هناك، وأن التاريخ حمل سيرورتهم ومرورهم وعطاؤهم. يزدحم المكان بهم وكل الذين مروا بها حتى وصل إلينا، وقد يكون أحدنا حلقة جديدة في هذه السلسلة التي سيرويها التاريخ يومًا  ليخلد مرورنا .  إنها ذاكرة المكان بكل تفاصيله، تستند إلى التاريخ فلا تُمحى ولا تُنسى، لان الذاكرة تسكن القلوب كما سكنت الجدران.

 الذاكرة الفلسطينية تمتد إلى أقدم العصور، حيث تعود آثار بشرية في فلسطين إلى آلاف السنين، وعلى أرض فلسطين تأسست أقدم مدن العالم ، أريحا ” مدينة القمر” التي تم الاحتفال بمرور عشرة آلاف عام على تأسيسها، والخليل التي تشير المصادر إلى أن امتدادها التاريخي يزيد على ستة آلاف عام. عُرفت فلسطين بأسماء عديدة مثل “أرض كنعان”، وتطورت فيها لغات وثقافات متعددة عبر العصور، وكان الكنعانيون أول من بنى حضارة على أرضها. 

إن ما تتعرض له فلسطين في العصر الحديث ليس سوى حلقة جديدة من حلقات الغزو الاستعماري. فقد أُنشئت إسرائيل في فلسطين كمشروع استعماري إحلالي دولي، أقيم في قلب الوطن العربي، لتبقى المنطقة مفصولة بين جزأيها الآسيوي والأفريقي، وحتى لا تتشكل نواة وحدة عربية تجمعها اللغة والعرق والدين.

ومع ذلك، تبقى فلسطين في الذاكرة الجمعية للفلسطينيين رغم النكبة الاولى والمعاناة، رمزا للامل بالعودة إلى الديار، وإلى مسقط الرأس، والهوية التي تربط الفلسطيني بالمكان، حق تاريخي لا يسقط بالتقادم. الأرض والتاريخ ينحازان إلى أصحابها، ولا يمكن للأدوات الاستعمارية أن تزور التاريخ، لأن هنا عمقًا حضاريًا ارتبط بالإنسان الفلسطيني الذي جُبل بتراب أرضه. وما دامت فلسطين محفوظة في ذاكرة المكان، فإن الغد سيحمل حتمًا عودةً إلى حضنها.

كل حجر وكل شارع في فلسطين يحمل ذكرى من سار هنا قبلنا. هذه الذاكرة، التي تتوارثها الأجيال، هي درعنا ضد النسيان، ورافعة صمودنا. حين نحمي تاريخنا وهويتنا، نحمي مستقبلنا، ونثبت أن الأرض التي تربطنا بالماضي ستظل حاضنة لأحلامنا وأجيالنا القادمة وهكذا تبقى فلسطين أكثر من مجرد جغرافيا وحدود؛ إنها ذاكرة لا تموت، وأرض تتنفس من أعماق التاريخ، ووجدان يورَّث جيلًا بعد جيل. 

لا قوة تستطيع أن تمحو أثر من سار في طرقاتها، ولا يد قادرة على اقتلاع جذور ضاربة في عمق آلاف السنين. في كل حجر حكاية، وفي كل شجرة زيتون وعدٌ بالاستمرار. وهنا، حيث يتقاطع الماضي بالحاضر، يبقى الفلسطيني حارس المكان والزمان، يحمل ذاكرته كوصية، ويصونها كعهد، ليقول للعالم إن الصمود ليس خيارًا عابرًا، بل قدر أمة تأبى أن تُمحى من التاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب