كتب

 التعليم في فلسطين: مسؤولية وطنية مجتمعية في زمن الأزمات،  انه مسالة بقاء ووجود. بقلم مروان سلطان.    فلسطين 🇵🇸

بقلم مروان سلطان.    فلسطين 🇵🇸

 التعليم في فلسطين: مسؤولية وطنية مجتمعية في زمن الأزمات،  انه مسالة بقاء ووجود.

 

بقلم مروان سلطان.    فلسطين 🇵🇸

7.9.2025

——————————————

منذ النكبة الأولى سنة 1948، شكّل التعليم للفلسطينيين نافذة للأمل وبوابة للصمود في وجه التهجير وفقدان الوطن. لم يكن مجرد وسيلة لاكتساب الرزق والمعرفة، بل أداة للحفاظ على الهوية وبناء جيل واعٍ قادر على مواجهة التحديات. ومنذ ذلك الحين، ظل التعليم بمثابة شعلة مضيئة في واقع سياسي مرير، ساهم خريجو المعاهد والجامعات الفلسطينيون في نقلها إلى المجتمعات العربية، خاصة في الخليج، حيث شهد لهم الجميع بالكفاءة والقدرة.

بعد أن تعثّر افتتاح العام الدراسي في موعده مع مطلع أيلول، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية جراء قرصنة أموال المقاصة من قبل الحكومة الإسرائيلية، وجد المجتمع الفلسطيني نفسه أمام اختبار جديد. فقد أدّى العجز المالي إلى تعطيل قدرة الحكومة على دفع الرواتب في موعدها، وإلى اضطراب في الخدمات العامة، وفي قطاع التربية خاصة إلى تأخير طباعة الكتب وبعض المستلزمات الأساسية. وهو ما سعت إليه إسرائيل فعلًا: إضعاف السلطة الفلسطينية حتى تعجز عن الوفاء بالتزاماتها وتشغيل مؤسساتها.

صباح هذا اليوم يُفتتح العام الدراسي وسط عقبات كبيرة. فالعامل الاقتصادي يؤثر سلبًا على انتظام العملية التربوية، بدءًا من وصول المعلمين إلى مدارسهم، وصولًا إلى الطلبة الذين يعانون من الحواجز والبوابات الحديدية ونقاط التفتيش. وهذه الممارسات ليست مجرد عوائق يومية، بل سياسة تهدف إلى تقويض أحد أعمدة الصمود الوطني.

إن تعطيل التعليم أو إضعافه لا يقل خطورة عن أي من الانتهاكات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني،  لأنه يستهدف جيل المستقبل، ويزرع شعور العجز لدى الأطفال والأهالي. ولهذا، فإن الاستثمار في التعليم في ظل الأزمات يصبح مقاومة مدنية بامتياز، وصورة حية من صور التمسك بالهوية الوطنية.

ومن هنا، فإن مسؤولية استمرار العملية التعليمية لا تقتصر على السلطة وحدها، بل هي مسؤولية وطنية ومجتمعية مشتركة. فالأهالي، والهيئات المحلية، والمجتمع المدني، مطالبون جميعًا بسد الفجوات التي تتركها الأزمات المتلاحقة، حتى لا يتحول التعليم إلى مسألة إدارية مرتبطة بالرواتب أو الميزانية فقط، بل يبقى مسألة بقاء ووجود.

لقد قدم المجتمع المحلي نماذج مضيئة في هذا المجال: مدارس بُنيت وجهزت على نفقته، وأراضٍ ثمينة تبرع أصحابها لإقامة مدارس عليها، ليؤكد أن التعليم جزء من روح المجتمع الفلسطيني. ومع أن السلطة الفلسطينية تولت منذ قيامها مهام التعليم والخدمات، إلا أن الواقع اليوم يفرض عودة المجتمع المحلي إلى دوره الأصيل، خاصة مع العوائق التي يفرضها الاحتلال بحجز الأموال، أو إغلاق المدارس في المناطق المصنفة (C)، أو عرقلة وصول المعلمين إليها.

إن استمرار العملية التربوية ليس انتظامًا لجرس المدرسة فقط، بل هو إعلان وجود.  هو فعلٌ يقول: نحن هنا، نصنع معنى للحياة في وجه العدم.  كل دفتر يُفتح، كل كلمة تُكتب، كل طفل يعبر الحاجز إلى مدرسته،  هو شهادة بأن هذا الشعب يرى في المعرفة وطنًا آخر، وفي التعليم طريقًا إلى الحرية.  على هذه الأرض ما يستحق الحياة،

وفي هذه الفصول ما يستحق أن يتسم إنها لحظة فارقة. فالتعليم في فلسطين ليس رفاهية، بل ركيزة من ركائز الصمود. وعلى المجتمع بكل مكوناته أن يستعيد دوره الحيوي، ليبقى التعليم صرحًا شامخًا، ورافعة وطنية تُنير الطريق للأجيال القادمة، مهما اشتدت الأزمات، ومهما حاول الاحتلال خنق إرادتنا. لان التعليم يعني استمرار الحياة والبقاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب