رئيسيالافتتاحيه

عندما تتعانق الشعبوية مع الغوغائية والدين في الخطاب السياسي لليمين الصهيوني

عندما تتعانق الشعبوية مع الغوغائية والدين في الخطاب السياسي لليمين الصهيوني

بقلم رئيس التحرير 

يشكل الخطاب السياسي لأي قائد أو حزب أحد أهم أدوات التأثير على الجماهير وصياغة الرأي العام، وقد أثبت التاريخ أن أي قائد سياسي لم يستطع بلوغ أهدافه دون الاستعانة بخطابه المباشر للجماهير. وفي هذا السياق، يمثل الخطاب الشعبوي المتطرف أداة فعالة لتعبئة الجماهير، لكنه في الوقت نفسه خطاب لا عقلاني، تعبوي، دعائي، ومحرض على الكراهية ضد الآخر الحضاري أو الديني أو المذهبي أو القومي. فالزعيم الشعبوي، في جوهره، لا يقود الجماهير بقدر ما يُقاد منها، مستغلاً مشاعرها وعاطفتها لتحقيق أهداف شخصية، وأبرزها الوصول إلى السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب القيم والأعراف والمصالح الحقيقية للشعب.

الشعبوية والدين: جذور تاريخية

ظهرت الشعوبية في أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي، وأدت إلى نشوء الفاشية والنازية، كما أنتجت نظمًا ديكتاتورية في أميركا الجنوبية، فيما امتدت إلى العالم العربي لتفرز زعماء شعبويين تسلطوا على شعوبهم، مسببة كوارث اجتماعية وسياسية واقتصادية ما زالت بلدانهم تعاني منها حتى اليوم. ومع ذلك، استطاعت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أن توازن بين الديمقراطية والاشتراكية، وتنجح في تهميش التيارات الشعبوية والغوغائية لمدة تقارب سبعة عقود، قبل أن تعود هذه الظاهرة للانتعاش في أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل مع بداية القرن الحادي والعشرين.

في إسرائيل، تتماهى الشعبوية مع التفسيرات الدينية التوراتية المتشددة، حيث يُستخدم الدين لتبرير السياسات العدوانية، بما في ذلك قتل المدنيين، وتهويد الأراضي، وفرض الهيمنة الاستيطانية. وهنا يبرز دور الشخصيات السياسية مثل نتنياهو وسموتريتش، الذين يمزجون بين الشعبوية السياسية والدينية لتبرير حملات العدوان على غزة ولبنان وسوريا واليمن، وتهديد إيران. يُستغل الدين التوراتي كمصدر شرعي للنص على الهيمنة، وخلق سردية تاريخية دينية تبرر القتل والهدم والتدمير باسم “إسرائيل الكبرى”.

الشخصيات الرئيسة في صناعة الشعبوية والدينوية

نتنياهو: مزج بين الشعبوية والتشديد الأمني، مستفيدًا من الرمزية الدينية والتاريخية، لتبرير الحروب والسياسات القمعية الداخلية والخارجية، خاصة تجاه الفلسطينيين وسكان غزة.

سموتريتش: أحد أبرز رموز التيار الديني القومي، دعا صراحة إلى سياسات التطهير والاستيطان، ويؤمن بتفسير التوراة الذي يبرر العنف ضد “الآخر”، سواء كان فلسطينيًا أو من دول الجوار.

بن غفير: نموذج للغوغائية المتطرفة، مستفيدًا من الشعوبية والدينوية، حيث يمثل الخطاب الشعبوي مع الانفلات الإعلامي والسياسي “الأعشاب الضارة” ضد الدولة والمجتمع المنظم.

الجمعيات والمنظمات الداعمة لليمين المتطرفة

تعمل عشرات الجمعيات والمنظمات على صياغة مشاريع القوانين لترسيخ الفوقية اليهودية، ومراقبة النخب الأكاديمية والثقافية، والتحريض على منظمات حقوق الإنسان، ونزع شرعيتها عبر اتهامها بالخيانة ومساعدة العدو. كما شهدت المدن الساحلية زيادة النشاط التوراتوي بهدف تهويد الحيز الحضري، بالتوازي مع تراجع قوة الصهيونية الليبرالية التي كانت تسيطر على مفاصل الدولة تحت إطار الدولانية والأمن.

الشعبوية كأداة لتبرير الحروب

إن تداخل الشعبوية والدينوية في إسرائيل يوفر أرضية قوية لتبرير العدوان على غزة ولبنان وسوريا واليمن، وحتى إيران، ضمن سردية دينية-تاريخية تهدف إلى توسيع “إسرائيل الكبرى”. هذا الخطاب يخلق بيئة داخلية متماسكة لدعم السياسات العسكرية، بينما يضعف أي معارضة داخلية أو نقد قانوني أو دولي، مستفيدًا من الشعور القومي والديني عند الجماهير.

ووفق كل ذلك يشكل اندماج الشعبوية والغوغائية والدينوية في الخطاب السياسي لليمين الإسرائيلي نموذجًا متقدمًا لاستعمال الخطاب التعبوي لتعبئة الجماهير، تبرير العنف، وضمان استدامة المشروع الاستيطاني والديني. إن فهم هذا الخطاب وربطه بالدين التوراتي المتطرف ودوره في صناعة العدوان على الفلسطينيين ودول الجوار أمر أساسي لاستشراف المخاطر المستقبلية على استقرار إسرائيل والمنطقة بأسرها، وتحليل ديناميكيات القوة بين الشعبوية والدين والسياسة في الشرق الأوسط.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب