تحقيقات وتقارير
الشيخ محمد سعيد الجمل الرفاعي

الشيخ محمد سعيد الجمل الرفاعي
—————————————-
(أبو محمود): إمام الأقصى
—————————————
ومؤسس الصوفية الفلسطينية .
—————————————-
“اعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله وعبد البري “
معلومات أساسية:
★★★★★★★
· الاسم الكامل: محمد سعيد محمود حسين الجمل الرفاعي
· الكنية: أبو محمود.
· النسب: ينتمي إلى السلالة النبوية الشريفة (سيد) من ذرية الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، عبر آل الرفاعي، مما منحه شرعية روحية واجتماعية عميقة في الوسط الفلسطيني والإسلامي.
· تاريخ ومكان الميلاد: 8 سبتمبر 1935م، حي الفقهاء، البلدة القديمة، طولكرم، فلسطين.
· تاريخ ومكان الوفاة: 11 نوفمبر 2015م، سان فرانسيسكو، الولايات المتحدة الأمريكية.
· مكان الدفن: دفن في مقبرة باب الساهرة في القدس، بناءً على وصيته، مجاورًا لعدد من علماء ومتصوفي المدينة المقدسة.
· الانتماء المذهبي والصوفي: مسلم سني على المذهب الشافعي. مجاز في الطريقتين الصوفيتين: الطريقة الشاذلية (التي اشتهر بها ونشرها) والطريقة القادرية.
· اللغات: العربية (اللغة الأم)، الإنجليزية (بطلاقة، مما سهل نشره للتصوف عالميًا).
. النشأة والتكوين العلمي والروحي :
نشأ الشيخ في بيئة علمية صوفية عريقة؛ إذ يُعد حي الفقهاء في طولكرم معقلًا تاريخيًا للعلماء والمدرسين الشرعيين. تلقى تعليمه الأولي على يد والده وشيوخ المدينة، حيث حفظ القرآن الكريم وهو في سن مبكرة. تتلمذ على عدد من أبرز علماء فلسطين في وقته، الذين جمعوا بين العلوم الشرعية الظاهرة (الفقه، التفسير، الحديث) والعلوم الباطنة (التصوف والتربية الروحية). هذا المزج بين “الشريعة” و”الحقيقة” أصبح السمة المميزة لمنهجه لاحقًا. حصل على إجازات علمية (إسناد) في القرآن الكريم وعلومه، الفقه الشافعي، بالإضافة إلى الإجازات الصوفية في الطرق المختلفة.
. المسيرة الوظيفية والمكانة الدينية:
شغل الشيخ الجمل عددًا من المناصب الرسمية التي عززت مكانته المؤسسية:
1. القضاء الشرعي: عمل قاضيًا شرعيًا في عدة مدن فلسطينية وفي الأردن، مما أكسبه خبرة عملية في تطبيق الشريعة وفهم المجتمع الفلسطيني.
2. الإدارة القضائية: تولى منصب مفتش إداري للمحاكم الشرعية في الضفة الغربية، ثم ترقى إلى منصب رئيس ديوان القضاة في القدس، وهو منصب رفيع يضع فيه ثقل النظام القضائي الشرعي.
3. إمامة المسجد الأقصى: يُعد من أبرز أئمة وخطباء المسجد الأقصى المبارك في النصف الثاني من القرن العشرين. لم يكن دوره يقتصر على إمامة الصلاة، بل كان مدرسًا يُعقد حلقات العلم في رواق المسجد، ومقرئًا مرجعًا للقراءات، ومرشدًا روحيًا لجمهور المصلين. كانت خطبه جامعة بين الوعظ الديني والتحريض الوطني السلمي.
4. نائب مفتي القدس: شغل منصب نائب مفتي القدس وفلسطين، الشيخ عبد الحميد السائح.
5. الزعامة الصوفية: أسس وأصبح رئيسًا للمجلس الإسلامي الصوفي الأعلى في القدس والديار الفلسطينية، والذي أعيد إحياؤه رسميًا في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 بدعم من الرئيس ياسر عرفات، الذي رأى في التصوف المعتدل قوة مجتمعية مضادة للتيارات المتطرفة. مثّل هذا المجلس إطارًا جامعًا للطرق الصوفية في فلسطين.
. أشهر المؤلفات والإنتاج العلمي:
ألف الشيخ الجمل كتبًا بالعربية والإنجليزية، تنوعت بين الفقه والتصوف والسيرة، منها:
1. “الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: معناها، فضلها، كيفية أدائها”: من أشهر كتبه، يشرح فيه أهمية الذكر والصلاة النبوية في السلوك الصوفي.
2. “الفتاوى”: مجلد يحتوي على مجموعة من فتاويه الشرعية التي أصدرها طوال حياته، والتي تجمع بين الأصالة الفقهية ومراعاة الواقع المعاصر.
3. “الطريقة الشاذلية وأعلامها” (أو “الطريقة الشاذلية: تاريخها، أعلامها، ومبادئها”): كتاب يؤرخ للطريقة وينشر مبادئها.
4. “تاج العروس في مناقب وإرشادات الجنيد البغدادي”: دراسة عن أحد أعلام التصوف الكبار.
5. “القدس: تاريخًا ودينًا وروحانية”: كتاب يجمع بين التاريخ والجغرافيا المقدسة والمنظور الروحي للمدينة.
6. “Islam: A Way of Life” (الإسلام: أسلوب حياة): باللغة الإنجليزية، مقدمة عن الإسلام من منظور صوفي معتدل.
7. تسجيلات صوتية ومرئية: هناك تراث غني من تسجيلات خطبه في الأقصى، ودروسه، وأذكاره، وأحاديثه، التي لا تزال متداولة على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الصوفية.
. أبرز المواقف الوطنية والمواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي:
ارتبط اسم الشيخ الجمل بالدفاع عن المسجد الأقصى والهوية الفلسطينية، مما جعله هدفًا للسلطات الإسرائيلية:
· التحريض ضد بيع الأراضي (1987): أصدر فتوى شهيرة تحرم بيع الأراضي الفلسطينية لليهود أو للاحتلال، واعتبر ذلك خيانة عظمى وإثمًا كبيرًا. أدت هذه الفتوى إلى استدعائه للتحقيق من قبل الشرطة الإسرائيلية.
· مواجهة اقتحامات الكنيست (1986): واجه بقوة محاولات أعضاء الكنيست الإسرائيلي اقتحام ساحات المسجد الأقصى، واتهم بالتحريض ضدهم، حيث طالبه رئيس بلدية القدس الإسرائيلية آنذاك، تيدي كوليك، بمحاكمته.
· أحداث مذبحة الأقصى (1990): اعتقلته السلطات الإسرائيلية مع القادة الوطنيين مثل فيصل الحسيني، بتهمة “التحريض” في أعقاب المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في ساحات المسجد، والتي راح ضحيتها 21 مصليًا فلسطينيًا.
· هدم المركز التعليمي (2001): في ذروة أحداث الانتفاضة الثانية، قامت الجرافات الإسرائيلية بهدم مركز دار السلام التعليمي التابع له في بلدة العيزرية شرق القدس، وهو مركز كان يقدم نشاطات دينية واجتماعية، في إجراء يهدف إلى تقويض نفوذه ومصادرة المؤسسات الفلسطينية.
. الدور العالمي في نشر التصوف:
لم يقتصر دور الشيخ على فلسطين، بل كان داعية صوفيا عالميًا:
· أسس زوايا ومراكز للطريقة الشاذلية في عدة دول، أهمها في الولايات المتحدة الأمريكية (سان فرانسيسكو)، حيث استقر لفترات.
· جذب مريدين وطلاب علم من الغرب، مقدماً لهم صورة الإسلام المعتدل والقائم على المحبة والتسامح والسلمية، كبديل عن الصورة النمطية المتشددة.
· مثل فلسطين والتصوف الإسلامي في مؤتمرات دولية، مثل مؤتمر السلام في سان فرانسيسكو (1999)، حيث دافع بحزم عن حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وعاصمتها القدس.
. الإرث والفكر: خلاصة منهجه:
يُمثل الشيخ الجمل نموذجًا فريدًا للعالم الديني الفلسطيني الذي جمع ببراعة بين:
1. المنصب الرسمي (قاضٍ، مفتش، رئيس ديوان).
2. الزعامة الشعبية (إمام الأقصى وخطيبه).
3. المرجعية الروحية (قيدوم الصوفية الشاذلية).
4. النضال الوطني (المواجهة مع الاحتلال).
كان فكره يقوم على ربط التصوف بالواقع، فلم يكن انعزاليًا، بل كان يعتقد أن تزكية النفس يجب أن تترجم إلى صمود على الأرض والدفاع عن المقدسات. كان رمزًا للاعتدال، مناهضًا للتطرف من جميع جهاته، مقدّمًا الإسلام بوجهه الحضاري القائم على العلم والمعرفة الروحية. يُعد رحيله خسارة لفلسطين التي فقدت أحد أبرز رموزها الدينية الأصيلة في زمن أصبحت فيه such الشخصيات نادرة.
هوامش توثيقية مقترحة (للنشر الأكاديمي)
1. أبو دية، محمد. (2017). أعلام التصوف في فلسطين في العصر الحديث. رام الله: دار الناشر.
2. الجمل الرفاعي، محمد سعيد. (2005). الطريقة الشاذلية وأعلامها. القدس: المجلس الإسلامي الصوفي الأعلى.
3. الشريف، حازم. (2020). “دور الطرق الصوفية في الصراع على الهوية في القدس: المجلس الصوفي الأعلى أنموذجًا”. مجلة جامعة القدس للبحوث الإنسانية.
4. مقالة: “الشيخ الجمل الرفاعي.. إمام الأقصى والصوفي الفلسطيني”. (2015). موقع عربي 21.
5. مقابلة مع مريد للشيخ الجمل (الاسم محفوظ)، أجراها الباحث في القدس، أبريل 2022.
6. أرشيف صحيفة “القدس” الفلسطينية، أعداد سنوات (1986، 1987، 1990، 2001).