مقالات

الحرب على الوعي أخطر أنواع القوة الناعمة التي تفتك بمناعة الدول والشعوب وامنها القومي، وهو تهديد للسلم الاهلي -بقلم مروان سلطان.فلسطين 🇵🇸

 -بقلم مروان سلطان.فلسطين

الحرب على الوعي أخطر أنواع القوة الناعمة التي تفتك بمناعة الدول والشعوب وامنها القومي، وهو تهديد للسلم الاهلي 

 

بقلم مروان سلطان.          فلسطين 🇵🇸

8.9.2025

————————————————-

يتعرض المجتمع الفلسطيني الان وفي ظل الظروف الصعبة التي يعيشها إلى موجة واسعة من استهداف ذاكرته ، للنيل من ثباته وصموده على ارضه ووطنه.  هي جزء ما تلك الاستهدافات في الحرب التي تهدف الى تشتيت الشعب الفلسطيني بشتى الوسائل ، تارة بالحرب وادواتها من طائرات ودبابات ومدرعات ، وذخيرة تفننوا في استعمالها من مختلف الانواع الى تلك التي لا يستعمل فيها الرصاص ، ولكنها تنال من المعنويات وتؤدي الى الاستسلام وتنفيذ مشاريع العدو المختلفة.   انها الإشاعات في مختلف المجالات، سواء الواقع السياسي، الواقع الاجتماعي، الغلاء، توفر السلع والمواد الاستهلاكية، وأخرى تلك التي تستهدف الثقة بين المواطن والمسؤول، من خلال توجيه الاتهامات بالخيانة تارة ، أو التكفير، وغيرها  تارة اخرى . من القضايا التي تمس المواطنة والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقضايا الأمن بمختلف تفرعاته. 

كل هؤلاء النشطاء يكبرون ويترعرعون في المناطق التي يسيطر عليها عادة الاحتلال، وتضعف فيها القوة المركزية للسلطة الفلسطينية، بسبب التقسيمات الادارية التي فرضها الاحتلال في الاراضي الفلسطينية A , B, C.  حيث تتضائل المركزية من منطقة الى اخرى وفق ذاك التصنيف. اضف الى ذلك وسائل اعلام وفضائيات تعمل باجندة مختلفة ، لها باع طويل في تدمير دول وشعوب  وانظمة، وكانها اعدت خصيصا لتلك المهمة .  اود ان انوه ان وسائل الاعلام والفضائيات من التي تروج الاشاعات المغرضة معروفة للقاصي والداني، ولا داعي ان نذكرها، كما ان الاحزاب التي تروج الاشاعات ايضا معروفة، وكذلك كثير من الاشخاص . وكان تلك الاجسام قد صنعت من اجل النيل من وحدة الشعب الفلسطيني ، واثارة الفتن والبلبلة، وجميعهم يعمل وفق اجندة دولية.

هنا اود الاشارة ان الإشاعات تعيش في الفراغ ، ولان الطبيعة لا تقبل الفراغ  قلت فرص هذه الاشاعات والترويج لها .  لذلك فالخطاب الوطني الصادق والشفاف هو الحصن المنيع في وجه الاشاعات ومروجيها.

ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني لمحاولات النيل من صموده وثباته على أرضه. فقد رافقت الاشاعات مسيرة القضية الفلسطينية عبر برامج عديدة تستهدف الوعي الفلسطيني ، وصموده وثباته على ارضه منذ بدء الاحتلال لارض فلسطين ، ففي النكبة الأولى قامت عصابات “الهاغاناه” بتمرير العديد من الإشاعات التي استهدفت الفلسطينيين، مثل نشر أخبار عن المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، كمذبحة دير ياسين، مما أدى إلى هجرة الفلسطينيين من مدنهم وقراهم. وكذلك الحال في سقوط بغداد المدوي عام 2003، الذي كان سببه الإشاعات التي روّجتها وسائل إعلام وقنوات فضائية، فأربكت الجيش العراقي الذي اعتقد أن الدولة قد سقطت، مما ادى الى انهيار الجيش وسقوط بغداد. 

وهذا تمامًا ما يحدث اليوم، عندما تُنشر  الإشاعات وتتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم تسويقها بعناية فائقة، مثل قضايا التهجير من غزة والضفة الغربية، أو ضم الضفة الغربية… إلخ. كما أن من بين هذه الإشاعات ما يروَّج عن سفر الرئيس أبو مازن وهبوط مروحيات أردنية لنقله إلى الخارج، ومن ثم منعه من العودة. كل هذه محض إشاعات تهدف إلى زعزعة الاستقرار في الوطن، يقف وراءها الاحتلال أولًا وأعوانه ثانيًا.

عندما ينجح العدو في نشر الإشاعة، ويتمكن من انتشارها بين أوساط الشعب، يكون قد حقق أهدافه ونال مراده دون أن يطلق رصاصة واحدة. خذ مثلًا الربيع العربي، الذي هلل له واشيد به بداية ، وندم عليه الجميع بعد ذلك ، والذي أحدث صدى مدويًا في تغيير أنظمة سياسية، من خلال السيطرة على وعي الشعوب دون إطلاق رصاصة واحدة. فقد تغيرت أنظمة، وقتل قادة، وما زالت كثير من الدول العربية تعاني من عدم الاستقرار مثل ليبيا وتونس. أما مصر، فقد حاولوا استهدافها، إلا أن قوة الجيش المصري وتماسكه كانا السند في وحدة مصر والتصدي للمؤامرة التي استهدفت مصر الدولة والشعب 🇪🇬.

ولا يعني هذا أنني لست مع الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة، لكنني أعتقد أن الدول العربية، بما فيها الشعب الفلسطيني، بحاجة إلى رفع مستوى الوعي في تطبيق الديمقراطية الحقيقية التي تؤسس للحكم الرشيد. فالانتخابات ما زالت تتحكم بها عاملان رئيسيان: أولهما العاطفة، وثانيهما العشائرية، بينما يغيب عن الناخب برنامج العمل الذي يُفترض أن يُنتخب على أساسه المرشحون لأي منصب. نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين وما زال هذا الموضوع يحتاج إلى استدراك وطني حقيقي  مبني على أساس المصلحة الوطنية العليا.

صعود حركة حماس في انتخابات 2006 لم يكن لأنها الأفضل، بل بسبب تقويض إسرائيل لحكم حركة فتح في الضفة وغزة، وإفشال مشروع الدولة الفلسطينية. وحماس جاءت  بشعار “التغير قادم”، ولكن التغير فشل فشلا ذريعا ايضا، وادت الديمقراطية الى الانقسام الذي حدث في سنة 2007، واستمر حتى هذه اللحظة.

الحقيقة والمصارحة، هما أهم أدوات محاربة الشائعات. لذلك، فإن ذكر الحقائق المجردة التي تعزز الثقة بين الشعب والقيادة هو جوهر المواجهة. هذه الأدوات لا تحتاج إلى جهود خارقة، بل فقط إلى مصارحة الشعب وتثقيفه حول التطورات وما يجري في الساحة. ومن جهة أخرى، يجب التصدي لمروجي الإشاعات، لأنهم أشد خطرًا من الأعداء أنفسهم. هنا لا بد ان اشير الى صدق الاعلام الفلسطيني الرسمي وعلى الاخص تلفزيون فلسطين الذي ينقل مختلف البرامج في الشان الفلسطيني بكل تفاصيله، ومشاهدته حقيقة متعة ومعرفة وثقافة.

لماذا نتحدث في هذا الموضوع اليوم؟ لأن هناك الكثير من مروجي الإشاعات والفتن، ممن لا يخافون الله في وطنهم وشعبهم، ومن فئات حزبية همّها الوحيد نشر الأكاذيب والخداع التي تخدم العدو. وأقولها بصراحة: اليوم تتلاقى أهداف الكثيرين، ممن يصفون أنفسهم بالمتنورين، مع أهداف نتنياهو، وسيموتريتش، وبن غفير، وغيرهم. هؤلاء إلى جانب الذين يتعاونون مع العدو مباشرة. الهدف واحد هو اسقاط المشروع  الوطني الفلسطيني في اقامة الدولة الفلسطينية.

وأقول أيضًا: إذا افترضنا أن بعض تلك الأماني من مروجي الاشاعات قد تحققت، ومنها سقوط السلطة الفلسطينية، هذا يعني وبكل ما تحمله الكلمة من معنى ان الشعب الفلسطيني دخل في مرحلة جديدة اهم صفاتها ومكوناتها انها لن تسر اي فرد في مجتمعنا الفلسطيني . وان المجتمع الفلسطيني سيدخل في متاهة ، ونفق جديد مظلم  لتؤكد رواية العدو ، أن الشعب الفلسطيني ليس سوى قبائل وعشائر، وليس شعبًا متحضرًا يستحق دولة. العودة إلى ما قبل السلطة باتت خلفنا، وأي مخطط للارتداد إلى الوراء لن يكون إلا قذرًا، هدفه التشتيت والتهجير والضياع.

أنا أعلم تمامًا أن الواقع الفلسطيني ليس في وضع المثالي المفضل لكل واحد منا لان الاحتلال اولا يقوض المسيرة وله مداخلاته التي تعصف في المسيرة، لكن في ظل هذا الواقع القائم تبقى السلطة، رغم اي من مآخذها، سدًا يقف حائلًا بين الشعب الفلسطيني وبين مخططات الذوبان والانهيار. وهذا ما يجب أن يدركه كل إنسان عاقل في هذا الوطن.

الحرب على الوعي لا تقل خطورة عن الحرب على الأرض. ومن ينجح في إسكات الإشاعة بالصدق والمصارحة، يحصّن شعبه من الانهيار، ويمنع العدو من تحقيق أهدافه دون ان يطلق رصاصة واحدة.  فمن دير ياسين إلى بغداد، ومن الربيع العربي إلى فلسطين اليوم، يثبت التاريخ أن الإشاعة قادرة على هزيمة جيوش وانهيار شعوب. انه وحده الوعي والحقيقة القادران على كسر هذا السلاح الفتاك في تدمير الشعوب.  

الإشاعات لا تهزم شعبًا يملك الثقة بنفسه وبقيادته. وكلما كان خطابنا وطنيًا صادقًا وشفافًا، ضاق هامش الطابور الخامس، وازداد رسوخ الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب