حرب مفتوحة على مشاريع الطاقة النظيفة: دونالد ترامب يصارع طواحين الهواء

حرب مفتوحة على مشاريع الطاقة النظيفة: دونالد ترامب يصارع طواحين الهواء

منذ عودته إلى البيت الأبيض، يواصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حربه المفتوحة ضد مشاريع الطاقة البديلة. بينما يرزح الكوكب تحت وطأة أزمة مناخية ملتهبة وتسجيل العامين الأخيرين أعلى درجات حرارة في التاريخ، اختار الرئيس الجمهوري فتح معركة «كسر عظم» بوجه مشاريع الطاقة النظيفة، عبر إيقاف الاستثمارات غير المكتملة، إضافة إلى إلغاء جميع التحفيزات الضريبية لهذا القطاع لقطع المجال أمام إحيائه في المستقبل القريب.
هذه السياسة ليست مدعاة خجل للرئيس الأميركي، بل على العكس تماماً. يعتبر ترامب أنّ «الأيام الغبية قد ولّت في أميركا»، كما إنّ طواحين الهواء «قبيحة، ولا تعمل، وتقتل الطيور… وهي ضارّة بالبيئة، لذا أحاول أن أجعل الناس يتعلّمون عن الطاقة عبر الرياح بشكل أفضل».
قرارات ضد المستقبل
في الأسابيع الأخيرة، برز المثال الأكثر إثارة للجدل: قرار الإدارة بوقف العمل في مشروع Revolution Wind قبالة سواحل رود آيلاند، رغم أنّه كان قد أُنجز بنسبة 80 في المئة وبلغت كلفته 6.2 مليارات دولار، وكان من المقرر أن يزوّد أكثر من 350 ألف منزل بالكهرباء النظيفة بحلول العام المقبل بحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».
أمّا الذريعة الرسمية التي لجأت إليها إدارة ترامب هي «اعتبارات الأمن القومي»، لكنّ وزارة الدفاع نفسها سبق أن راجعت المشروع ولم تجد تهديداً يذكر.
لا يعدّ القرار حالة معزولة، إنّما يأتي في سياق مسار متواصل في استهداف جميع مشاريع الطاقة الشمسية أو عبر الرياح من قبل الإدارة الأميركية الحالية، من دون أي اعتبار للأسس القانونية.
في نيسان (أبريل) الماضي، أوقفت الإدارة مشروع Empire Wind الضخم قبالة نيويورك، قبل أن تسمح باستئنافه لاحقاً في صفقة مشبوهة ربطها مراقبون بموافقة سلطات الولاية على خط أنابيب غاز بحسب تقرير لوكالة «رويترز». كما أُلغي مشروع Lava Ridge في أيداهو بعد سنوات من التحضير بذريعة عيوب قانونية لم تُشرح علناً.
عداء ترامب لمشاريع الطاقة النظيفة لا يقتصر على تلك المرتبطة بإدارة سلفه بايدن، إنّما أعلن بوضوح بوصلة معركته بوجه هذه السياسات بشكل عام، مؤكّداً على أنّه «لن يوافق على أي مشاريع للطاقة الشمسية أو الرياح» مستقبلاً.
بالإضافة إلى ذلك، وجّه ترامب ضربة قاصمة لهذا القطاع في الموازنة المعروفة بـ One Big Beautiful Bill Act التي أنهت الإعفاءات الضريبية لمشاريع الطاقة المتجددة، ما يعني ضرب الحوافز التي شكّلت العمود الفقري لنمو هذا القطاع في العقد الماضي.
إلى جانب ذلك، فرضت الإدارة رسوماً جمركية جديدة على النحاس والفولاذ، ما يرفع كلفة بناء التوربينات والألواح الشمسية. من جانبها أعلنت وزارة الزراعة الأميركية وقف دعمها لمشاريع الطاقة الشمسية على الأراضي الزراعية، فيما شددت وزارة الخزانة شروط الاستفادة من الحوافز الضريبية القليلة المتبقية.
ضرب الاقتصاد والمناخ معاً
هذه القرارات المتسلسلة توحي في الظاهر أنّها ضربة لجهود محاربة التغيّر المناخي، من أجل تحقيق مصالح اقتصادية للداخل الأميركي. إلا أنّ الواقع يُظهر أنّها تُهدّد بشكل مباشر مئات الآلاف من الوظائف ومليارات الدولارات من الاستثمارات. في حالة Revolution Wind وحده، يُتوقع أن يخسر أكثر من 1200 عامل وظائفهم، فيما حذّرت هيئة الكهرباء في نيو إنغلاند من زيادة خطر الانقطاعات الكهربائية إذا لم يكتمل المشروع.
من جهتهم، حذّر المحللون الماليون من أنّ المستثمرين قد يترددون مستقبلاً في ضخ أموالهم في مشاريع الطاقة النظيفة الأميركية. كما قال مايكل جيرارد من جامعة كولومبيا: «إذا أنفقت مليارات وحصلت على كل التراخيص، ثم تُوقف الحكومة المشروع من دون مبرر، فمن يجرؤ على الاستثمار مجدداً؟».
أما من ناحية البيئة، فإن وقف هذه المشاريع يعني عملياً تكريس الاعتماد على الفحم والغاز، وهو ما يتناقض مع أهداف خفض الانبعاثات. كانت إدارة بايدن قد وضعت خطة لتحقيق كهرباء نظيفة بالكامل بحلول 2035، لكنّ كل مؤشرات السوق الآن تتراجع: «بلومبرغ» خفّضت توقعاتها لإنتاج الرياح البحرية في أميركا بحلول 2030 من 11.3 غيغاواط إلى 6.1 فقط، مع شلل شبه كامل بين عامَي 2030 و2035.
ترامب والشعبوية المناخية
تبريرات ترامب ليست جديدة، فمنذ سنوات وهو يكرر أنّ «التوربينات قبيحة، لا تعمل، تقتل الطيور وتخفض أسعار العقارات». لكن خلف هذه السخرية تكمن إستراتيجية واضحة: العودة إلى الوقود الأحفوري تحت شعار «هيمنة الطاقة الأميركية». هذه الرؤية لا ترى في أزمة المناخ خطراً وجودياً، بل تعتبرها مؤامرة أو مبالغة، أو كما وصّفها ترامب نفسه: «خدعة».
اللافت أنّ الإدارة الحالية تستخدم ذرائع «الأمن القومي» لتعطيل المشاريع، لكنها لم تقدم أي تقارير أو أدلة. وزارة الداخلية اكتفت بعبارات عامة، فيما أشار مسؤولون سابقون شاركوا في مراجعة المشاريع أنّ وزارة الدفاع نفسها كانت موافقة. هذه الطريقة تجعل أي استثمار في الطاقة النظيفة رهينة نزوات سياسية.
الدفاع عن الكوكب ليس ترفاً
ما يقوم به ترامب ليس مجرد سياسة طاقة، إنّما هجوم على المستقبل. تماماً كما كانت الحال في ولايته الأولى، عندما جاء الرئيس الجمهوري ليقتل جهود «المجتمع الدولي»، فما لبث أن تسلّم الحكم حتّى أخرج بلاده في عام 2016، من «اتفاق باريس للمناخ»، الذي هدف إلى رسم مسار عالمي لكبح الانبعاثات الكربونية تجنّباً لتداعيات كارثية لا عودة منها، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.
الانقلاب الأول الذي قاده ترامب، أسهم بشكل أساسي في تفاقم الأزمة المناخية التي انفجرت في الأعوام العشرة الأخيرة. وهو يعود اليوم، لينقلب على كل الجهود، ولو كانت متواضعة، التي بذلتها إدارة بايدن، لإخراج أميركا، ثاني أكبر مستهلك في العالم للطاقة، من أسر الفحم والغاز.
في المقابل، أصوات اليسار البيئي تُذكّر بأن المعركة أكبر من مجرّد «مصادر طاقة»؛ إنها معركة على مصير الكوكب. كما قالت صاحبة مشروع «الصفقة الخضراء الجديدة» الذي يعالج مشكلة التغيّر المناخي، ألكسندريا أوكاسيو كورتيز: «إذا لم نتحرك الآن، فالأجيال المقبلة ستسأل لماذا جلسنا نتفرج ونحن نملك البدائل».