مقالات

قطر وأوهام دبلوماسية الإنابة بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

قطر وأوهام دبلوماسية الإنابة
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
شكل الهجوم الاسرائيلي على قيادة حماس في العاصمة القطرية موضع جدل واسع، وذهب النقاش الى تفاصيل الموضوع على حساب جوهره، وفي تقديري الأولي ان “فشل العملية” هو الذي دفع الى أولوية التفاصيل على حساب الجوهر ، فلو تمت تصفية قيادة الحركة لاتخذ عرض الموضوع ومناقشاته شكلا آخر.
أولا: ليس لدي أدنى شك بان تحقيق الهدف في استراتيجية نيتنياهو يعلو على اي اعتبار آخر(كاعتبارات السيادة والقانون الدولي والتحالفات وغير ذلك) ، فالهدف هو محاولة لتكرار الضربات الموجعة جدا لمحور المقاومة ، فاسرائيل قتلت القيادات المركزية واصابت وقتلت وجرحت آلاف العناصر من حزب الله في فترة لا تتجاوز الساعات في عملية البيجرز، ،ونعلم تداعيات هذه الضربة على المشهد في المنطقة ، وتمكنت اسرائيل من قتل عدد كبير من الصف الاول العسكري والعلمي في المنظومة العسكرية والعلمية الايرانية في ساعات قليلة ،وكيف انتظرت الولايات المتحدة وبعض دول الاقليم احتمالات اشتعال الاضطرابات في ايران وصولا للأمل في انهيار النظام ، ونجحت اسرائيل في قتل الوزارة اليمنية في قلب صنعاء برئيس وزرائها واغلب طاقمه الحكومي، وها هي تحاول تصفية قيادة حماس بضربة واحدة كجزء من خطة نيتنياهو للقضاء المبرم على المقاومة الفلسطينية ومحورها ، لكن الفشل الذريع للعملية أخذ النقاش الى التفاصيل لا الى الجوهر، وتتمثل هذه التفاصيل في هل علمت امريكا ام لم تعلم بالخطة الاسرائيلية؟ وهل تم ابلاغ قطر ام لا ام تأخر الابلاغ؟ واين رادرات وشبكات الاستشعار في القواعد الامريكية المنتشرة في الدول العربية التي مرت منها الطائرات، فللولايات المتحدة 19 قاعدة عسكرية، واكبرها في قطر(قاعدة العديد )..الخ من التفاصيل .
والأمر اللافت للنظر أن البيانات الاسرائيلية الأولى حول العملية كانت تنطوي على قدر كبير للغاية من الثقة بالنتائج ،وهو ما اتضح من البيانات العسكرية او من نيتنياهو او من بيانات مكتبه او من اغلب القنوات الاسرائيلية الفضائية بما فيها هيئة البث المباشر،، لكن تواتر الاخبار عن الفشل ونجاة الهدف أربك المشهد الاسرائيلي كثيرا، بخاصة ان تقديرات الاسرائيليين لنتائج عملياتهم في ايران واليمن وسوريا ولبنان كانت صحيحة الى ابعد الحدود،مما جعل الجميع يتعامل مع البيانات الاسرائيلية كمُسلمات ، لكن مع الفشل غير المتوقع في الدوحة تم الانحراف بالنقاش الى جوانب بعيدة عن هذا الفشل العملياتي،ومن هنا من مصلحة نيتنياهو تغييب الفشل.
ولا شك ان الحوار داخل المؤسسات الاسرائيلية يدور الآن لا حول رد الفعل العربي أو غيره،بل لماذا فشلت العملية، هل هي خلل استخباراتي، او خلل عملياتي تنفيذي ، او “حظ وصدفة” ..؟ مع الاخذ في الاعتبار ان نيتنياهو يعيش في مشهد سياسي داخلي يجعله في امس الحاجة لتحقيق نقاط جديدة ، فحرمه الفشل في الدوحة مما انتظره على أحر من الجمر.
اما لو نجحت العملية،فان النقاش سيتجه نحو “ما بعد حماس، واثر ذلك على الاخوان االمسلمين، وخسارة ايران، والدليل على عقلانية النظام الرسمي العربي،وكوارث طوفان الاقصى، …وانتصار نيتنياهو، وترحيب ترامب،وانه لم يعد امام المقاومة الا الافراج عن الرهائن…الخ.
ثانيا: من غير المقبول تصديق ان الولايات المتحدة لم تكن على علم بالضربة الاسرائيلية، بل قد تكون ساهمت في توجيهها من خلال شبكة الروابط مع دول “الناتو العربي ” الذي يضم اسرائيل والذي تم استكماله بضم اسرائيل لقيادة القوات الامريكية المركزية بدلا من تبعيتها للقيادة الاوروبية”.
ان من الطبيعي ان يعمل ترامب على النأي بنفسه عن “عملية فاشلة”، وحديث قطر عن ان الابلاغ الامريكي لهم تم بعد عشر دقائق من الهجوم هو امر متسق مع عقلية ترامب، فهل نسي ترامب ان يبلغ عن حدث كهذا؟ ام تعمد الابلاغ بعد شعوره بفشل العملية؟ ام ان الابلاغ هو ليدفن القطريون اي شكوك قد تراودهم ، فترامب –بعيدا عن اية مهابة سلطوية- محترف في الكذب والخداع، ويكفي ان اعيد القارئ الى مراجع اكاديمية من ذوي الاختصاص والصلة المباشرة بترامب لتأكيد شخصية الكذاب المحترف:
1- تقرير علماء النفس الامريكيين عن شخصية ترامب(بدأ التقرير ب 27 خبيرا وتزايد العدد حتى 37 من المشاركين في الاعداد):
Bandy X.Lee(et.al)-The Dangerous Case of Donald Trump)-Martin’s Press. 2017.384 pp
2- كتاب مستشار الامن القومي الامريكي (في فترة ترامب الاولى) جون بولتون:
The Room Where it Happened:A White House Memoir.Simon &Schuster.2020.592 pp.
3- كتاب ابنة اخ ترامب(وهي طبيبة نفسية) :
Marry Trump-Too Much and Never Enough:How My Family Created the world’s Most Dangerous Man.,simon & Sch uster,2020.240.pp
ثالثا: رغم بيانات الادانة العربية للعملية الاسرائيلية الفاشلة ،فان علاقات قطر باغلب الدول العربية هي علاقة “ملتبسة” بخاصة من زاوية علاقات قطر بالحركات الاسلامية، وبسبب خروج قناة الجزيرة على تقاليد الاعلام العربي وتسببها في قدر من الاضطراب ،ناهيك عن ميول السياسات القطرية المتضاربة مع عدد من الدول العربية في التحالفات بين اطراف الصراع في ليبيا والسودان وفلسطين ومصر وسوريا…الخ، الى جانب انعكاسات العلاقات التركية القطرية على العلاقات القطرية الخليجية(في بعض جوانبها).
لذلك فان اسرائيل تدرك تماما ان الشجب من البعض العربي هو “تكتيك ” لا يعكس الاستراتيجية العربية تجاه قطر، ويكفي التذكير بأزمة عام 2017 مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، فاسرائيل “خبيرة من الدرجة الاولى” في فهم السياسات العربية.
رابعا: ان دبلوماسية الانابة” Proxy Diplomacy ” التي تنتهجها قطر حققت لقطر مكاسب دبلوماسية وجعل منها مركزا تفاوضيا للعديد من الازمات الدولية، لكن قطر بدأت تتلقى بعض اوزار هذه الدبلوماسية، فالهجوم الايراني على قاعدة العديد في يونيو 2025 ، والهجوم الاسرائيلي امس هو دليل على ان البروز القطري دبلوماسيا وإنْ كان يشبع غرور دولة “صغرى” لكنه يذكرها بعدم التمادي في الوهم، فإذا تصارعت الفيلة فلن يداس الا العشب كما يقول المثل الافريقي.
ومن المؤكد ان كلا من اسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية اخرى تدرك ان حدود ردود الفعل القطرية ستبقى قاصرة عن الايذاء نظرا لمحدودية القدرة القطرية ، ونظرا للحرص القطري على استمرار دبلوماسية الانابة رغم أوزارها، وادراكها الفرق الكبير-في عالم كرة القدم- بين مراقب الخط وبين اللاعب وبين الحكم في المباريات الرياضية ،فما بالك في العلاقات الدولية؟ فالطائرة الهدية لترامب لا تضمن تجاوز غوايتها حين تحتاج مؤسسات دولة عظمى لتجاوزها. ومن يريد الرد فمكتب الموساد موجود في قلب الدوحة.
خلاصة الامر، أرى ان العملية الاسرائيلية تم تنسيقها مع الولايات المتحدة ، وربما اطراف عربية محشوة بالثار بخاصة ممن سلبتهم الدوحة بريق المكانة الاقليمية ، لكن فشل العملية- غير المتوقع- في تحقيق هدفها الكبير والدسم دفع الى ارتباك المواقف في البيت الابيض واسرائيل وبعض المضارب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب