تحقيقات وتقارير

إسرائيل حائرة في غزة.. صمود السكان يربك الاحتلال ويعرقل مخطط السيطرة على المدينة.

إسرائيل حائرة في غزة.. صمود السكان يربك الاحتلال ويعرقل مخطط السيطرة على المدينة.

تصطدم الأوامر القسرية الإسرائيلية التي تطالب السكان الفلسطينيين بإخلاء مدينة غزة برفض شعبي واسع، ما يشكل عقبة أمام عملية الجيش الإسرائيلي المسماة بـ “عربات جدعون 2″، الذي لم يستطع إلى الآن حشد قواته بالشكل المطلوب.

وعلى مدار الأيام السابقة، مارس الاحتلال الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على مدينة غزة من أجل دفع الناس إلى النزوح، وصلت إلى خروج وزير الجيش يسرائيل كاتس للإعلان عن قصف أحد أبراج المدينة، وتوجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالطلب من السكان بـ “الإخلاء الفوري”.

وتوعّد وزير جيش الاحتلال بـ “عاصفة هائلة” ستضرب مدينة غزة، مشيراً إلى أنه سيتم استهداف المزيد من الأبراج في مدينة غزة، فيما تباهى نتنياهو بتدمير نحو 50 برجاً في المدينة التي يسعى جيش الاحتلال للسيطرة عليها.

وخلال الأيام الماضية، وجّه الاحتلال الإسرائيلي تحذيرات عدة للفلسطينيين في مدينة غزة، آمراً إياهم بإخلاء المدينة، ولكن عملية الإخلاء تواجه عقبات أمام الجيش الإسرائيلي.

وصباح الثلاثاء 9 سبتمبر/أيلول 2025، وجّه جيش الاحتلال إنذاراً لنحو مليون فلسطيني يقطنون بمدينة غزة بالإخلاء الفوري اتجاه الجنوب، تمهيداً لتصعيد إبادته بالقطاع.

ما هي العقبات التي تواجه جيش الاحتلال بإخلاء المدينة؟

أولاً: رفض شعبي لإخلاء المدينة

ومنذ بدء الحديث الإسرائيلي عن عملية احتلال غزة، وإصداره أوامر إخلاء خلال عملياته التمهيدية في أحياء المدينة، لم يستجب مئات آلاف الفلسطينيين لأوامره.

بحسب مصادر ميدانية، فإن عدد الفلسطينيين الذين اضطروا للنزوح إلى المحافظة الوسطى ومواصي خان يونس منذ بداية أغسطس/آب 2025، بلغ نحو 4000 إلى 5000 عائلة، مشيرة إلى أن نحو 20 ألف عائلة بقيت في مراكز الإيواء في الجنوب منذ أشهر بعد فقدانها لمنازلها في غزة وشمالها.

فيما أشارت التقديرات الإسرائيلية التي نشرتها وسائل إعلام عبرية إلى أن 10% من سكان مدينة غزة وشمالها اضطروا للنزوح عبر شارع الرشيد إلى المناطق الجنوبية، أي أن نحو 100 ألف فلسطيني من أصل مليون و200 ألف نزحوا تجاه جنوب وادي غزة.

وفي الوقت الذي أكد فيه مسيحيو غزة رفضهم للتهجير من المدينة، معلنين البقاء في مجمعي منيسة مار بورفيريوس للروم الأرثوذكس وكنيسة العائلة المقدسة، نظّم وجهاء عشائر ومدراء القطاع الطبي والصحي، وعائلات الشهداء، “مسيرة أكفان” رفضاً للتهجير والنزوح من المدينة رغم تهديدات الاحتلال.

وفي تحدٍّ لجيش الاحتلال الإسرائيلي وإنذاره بإخلاء المدينة، رفع المشاركون في مفترق السرايا وسط المدينة لافتات كتب عليها: “لن نرحل”، “النزوح من غزة إلى السماء فقط”، و”صامدون في غزة حتى طلوع الروح”.

وفي تعليقها على مسيرات غزة، علّقت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن أوامر الإخلاء لنحو مليون شخص من سكان غزة لم تؤدِّ حتى الآن إلى تدفق جماعي من المدينة.

وبحسب مصادر ميدانية لـ “عربي بوست”، فإنه بدلاً من التهجير إلى مناطق الجنوب، يقوم السكان في مدينة غزة بـ “نزوح داخلي” داخلها، فعلى سبيل المثال، قام المواطنون بالتوجه نحو أحياء الدرج والتفاح والتخييم هناك، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من تلك المناطق.

فيما تكدّس مئات الآلاف من الفلسطينيين في منطقة غرب غزة، في خيامهم، مفضلين البقاء داخل المدينة على النزوح تجاه جنوب وادي غزة.

وفي هذا الإطار، يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، إنه ما دام السكان مصرين على البقاء في منازلهم، فقد يكثف الجيش هجماته، ما يُلحق الضرر بحياة المزيد من المدنيين.

وأضاف أن نزوح الفلسطينيين البطيء واستعدادات الجيش الإسرائيلي المعقدة للعملية تؤخر تنفيذ الخطط، وهذا يتناقض مع الانطباع الذي حاول نتنياهو تصويره للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكأن “النصر الإسرائيلي” في متناول اليد.

فيما قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن المؤسسة الأمنية تأمل في أن يشجع انهيار المباني في غزة، وباستخدام أسلحة جوية خاصة، ما يقارب مليون فلسطيني يعيشون في خيام النازحين قربها على الفرار جنوباً.

ثانياً: لا مكان في الجنوب

ومن ضمن المعيقات التي يواجهها جيش الاحتلال الإسرائيلي، عدم وجود أماكن كافية لاستيعاب مئات الآلاف من المدنيين النازحين من مدينة غزة.

وتُظهر أوامر التهجير التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي منذ 18 مارس/آذار من هذا العام، مدى ضآلة المساحة المتاحة لسكان غزة.

وبعد رصد الإنذار الموسّع الذي أصدره جيش الاحتلال في غزة، والخريطة المحدّثة للمنطقة الإنسانية، فإن المساحة المصنفة بـ “مناطق خطيرة” تصل نسبتها إلى 88%، أي أن الفلسطينيين سيتكدّسون في منطقة لا تتجاوز 12% في جنوب قطاع غزة.

وفي تصريحات عدة، أكدت بلديات المحافظة الوسطى أن المحافظة لم تعد قادرة على استيعاب أي وجبات نزوح إضافية، في ظل الاكتظاظ الكبير، واستهداف البنية التحتية، وتدهور الأوضاع الصحية والبيئية.

كما أصبحت المنطقة الساحلية للمحافظة الوسطى وخان يونس مكتظة بشكل كامل، مع افتقارها لأدنى مقوّمات الحياة، وسط مخاوف من المواطنين مع قدوم فصل الشتاء من غرق خيامهم، بحسب مصادر ميدانية لـ “عربي بوست”.

كما لا يلبي الوضع المائي الحد الأدنى للاحتياجات الأساسية في مناطق تجمعات الفلسطينيين في المناطق الجنوبية، وخاصة المواصي.

كما أن تكلفة النزوح ثقيلة على المواطنين، وبحسب مصادر ميدانية، فإنه في ظل عدم توفر الإمكانيات، فإن تجهيز المستلزمات يتطلب مبالغ كبيرة.

وفي بيان أصدره مكتب الإعلام الحكومي بغزة قبل أيام، أكد أن محافظات الجنوب والوسطى مكتظة بالكامل بأكثر من مليون وربع المليون من المُهجّرين قسرياً الذين فرّوا من القصف المستمر، حيث يعيشون في خيام عشوائية تفتقر لأدنى التجهيزات، ولا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة.

وفي بيان جديد، قال مكتب الإعلام الحكومي إن منطقة المواصي في خان يونس ورفح، والتي تضم حالياً نحو 800 ألف نسمة، وتسوّقها سلطات الاحتلال زوراً كمناطق “إنسانية وآمنة”، تعرّضت لـ 109 غارات وقصف متكرر، خلفت أكثر من 2000 شهيد في مجازر متتالية يرتكبها جيش الاحتلال هناك.

وأكد أن هذه المناطق تفتقر تماماً إلى مقومات الحياة الحقيقية، فلا وجود فعلياً لمستشفيات، ولا وجود لبنية تحتية، ولا تتوافر فيها أي خدمات أساسية من ماء أو غذاء أو مأوى أو كهرباء أو تعليم، ما يجعل البقاء فيها شبه مستحيل.

وأشار إلى أنه خلال الأيام الماضية، رصدت الطواقم الحكومية ظاهرة “النزوح العكسي” من الجنوب نحو غزة وشمالها، حيث اضطر نحو 35 ألف مواطن للنزوح جنوباً تحت وطأة القصف، لكن أكثر من 12 ألفاً عادوا إلى مناطقهم الأصلية حتى مساء الأحد الماضي، في ظل انعدام مقومات الحياة في الجنوب.

كيف يؤثر وجود الفلسطينيين في غزة على عملية احتلالها؟

يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” إن تقدّم القوات في غزة سيكون معقّداً بسبب المدنيين الفلسطينيين الذين سيقعون في مرمى النيران.

وأوضح أن العديد من سكان غزة سيخاطرون هذه المرة ولن يغادروا المدينة، خوفاً من أن تصبح الظروف المعيشية في جنوب القطاع داخل المناطق المحدودة لا تُطاق.

وتابع بأن نتنياهو يواجه صعوبة تكمن في الجداول الزمنية، فلا يوجد تناسق بين ما يعد به، وخاصة ما يروّج له للرئيس الأمريكي، والوتيرة المخطط لها لتقدم العملية البرية.

وأضاف أن نتنياهو نجح مجدداً في كسب دعم ترامب، كما فعل بشأن تجدّد القتال في غزة في مارس/آذار الماضي، والحملة ضد إيران في يونيو/حزيران الماضي، والآن، أقنع الرئيس الأمريكي بأن العملية المخطط لها ستضرب آخر مراكز ثقل حماس، وستمهد الطريق لنقاش “في اليوم التالي” في القطاع، كما تريد الإدارة، ولكن عندما لا تتقدم الأمور بالوتيرة التي يتوقعها الأمريكيون، تصبح الأزمة محتملة.

ويرجّح المسؤولون الأمنيون في إسرائيل أن عملية عسكرية واسعة النطاق في غزة لن تؤدي إلى استسلام سريع لحركة حماس، كما يزعم نتنياهو، كما أنه من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تفاقم وضع إسرائيل في العالم.

فيما حذر رئيس الأركان إيال زامير الحكومة من أن العملية الجديدة في غزة قد تستمر لمدة عام، وأنه لا توجد حتى الآن ظروف إنسانية تسمح باستيعاب السكان الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم جنوباً من غزة، بحسب هارئيل.

عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب