مقالات

كيف نفهم المسائل بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

كيف نفهم المسائل
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
المسألة هي تعبير عن إشكالية في التحليل وبالتالي في فهم أبعادها، هي بعض الغموض الذي يكتنف أي قضية، ومن اجل بحث ملابسات كل قضية، والوصول إلى نتائج بحثية يمكن الاعتماد عليها، لابد من التعرف على تاريخها البعيد والقريب ودراسة المعطيات الأساسية في الحسابات الاستراتيجية بدقة.
الإسلام كان منذ القدم، أمر يثير انتباه القوى العظمى، ففي جرد وأستطلاع القوى الحالية والواعدة ودراسة الاحتمالات القريبة والبعيدة، في ذلك، الاسلام بصفة شبه دائمية، من بين القوى التي تطمح بالارتقاء إلى المراتب المتقدمة بما تمتلكه من أمكانات، تتعاظم بمرور السنوات على الرغم من الكم الهائل من العراقيل يجري اختيارها بعناية وتخطيط لعرقلة النمو والتطور.
وفي هذا الإطار عملت هذه القوى على وضع الشراك والموانع أمام الامبراطورية العثمانية الإسلامية، وعدم مواجهتها وجهاً لوجه (face to face)، بل بأساليب غير مباشرة(indirect Method)، وفي المقدمة منها إنهاكها اقتصادياً بالديون الدولية، ووضع العراقيل أمام تقدمها العلمي والتكنولوجي، وتضخيم المشكلات الداخلية بدرجة تنهك الدولة وتشغلها، وبث الالغام التي تنفجر في اي وقت يختاروه، ومن أبرز نتائج الحرب العالمية الأولى هو التفاهم الدولي الذي عبر عن نفسه بمعاهدة سايكس بيكو، لتقطيع أوصال الدولة العثمانية والحيلولة دون الطموحات العربية بالتحرر والوحدة وتقرير مصيرها بنفسها، وفرض الإدارات الاستعمارية على كل الاقطار العربية وفرض نظام الانتداب، الهدف كان أن نفوز نحن فليخسر الجميع، هكذا خططوا وهكذا كان.
ومن يقرأ المصادر السياسية في مطلع القرن العشرين، يلاحظ التخبط الشديد في وجهات النظر الدول الاستعمارية، وهناك كم غير يسير من الكتب التي الفها ضباط الاستخبارات البريطانية خاصة (الرائد لورنس، والمستشارة الدبلوماسية المس غيرترود بيل، ولوبد ستبن / الآثاري، وكلوديوس ريج، وستيفن لونكريك ) وغيرهم، ولكن أيضا ضباط مخابرات فرنسيون وإيطاليون، وأوربيون وكانت الولايات المتحدة ما تزال منشغلة بمشكلاتها الداخلية بعد الاستقلال القريب. وفي هذه الكتب رؤى استباقية لدوائر الأستخبارات الاستعمارية (شبه دقيقة) عن كيفية مواجهة النهوض العربي الذي لم تكن له مؤشرات مهمة. مما يدل أنهم درسوا بصفة معمقة الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ثم شرعوا بوضع الخطط اللازمة.
رغم أن المساحة السياسية العربية كانت محدودة،(حتى الاربعينات من القرن الماضي، لم يكن هناك سوى العراق ومصر والسعودية واليمن، دولاً مستقلة أو شبه مستقلة) والاقتصاديات العربية متواضعة(بيد انها كانت واعدة وخاصة في مجال الطاقة) إلا أن أفتتاح قناة السويس(1869)، قناة السويس، إنجازا واكب تطور الملاحة البحرية (للأغراض التجارية والعسكرية) وتنبأ بمكانة استراتيجية هامة، رافقها الاستخراج الواسع للنفط الخام، وأطلقت مؤشرات سياسية / اقتصادية عديدة، وابتدأ في الواقع انطلاق عصر الطاقة.
من بين اهم تلك المؤشرات، أهمية منطقة الشرق الأوسط التي أكتسبت صفة استراتيجية كبيرة بأعتبارها تنتج وتصدر ما يناهز ثلث الانتاج العالمي من النفط والغاز، وأكثر من ذلك من الاحتياطيات المؤكدة. وتعاملت الدول الصناعية الكبرى مع هذه الحقيقة الموضوعية، بحذر، يبلغ أحيانا درجة القلق على امدادت الطاقة هذا عدا المزايا الاستراتيجية العديدة.
وقد شاعت طوال فترة قرن كامل(من عشرينات القرن المنصرم، إلى عشرينات القرن الحالي، فكرة إشغال العرب بمعارك جانبية وحروب محلية تستهلك قواهم السياسية والعسكرية، وبالطبع الاقتصادية أبضاً، وفق القاعدة المعروفة : جيش كبير، تنمية ضعبفة، وبالفعل فإن الدول العربية الرئيسية : العراق وسورية والأردن والسعودبة ومصر والجزائر والمغرب، تخصص الجزء الاعظم من اقتصاداتها للقوات المسلحة حارمة بذلك التنمية والاستثمار الداخلي من الثروات والقوى البشرية العاملة.
بأختصار شديد، ورغم كل ما وضعت من عراقيل، فإن معطيات اليوم هي غير معطيات العقد الأول والثاني والثالث والرابع من القرن الماضي، هذه المعطيات تعرضت للتغير وبشكل شبه جذري وأساسي :
• السكان،
• الدخل القومي،
• التطور العلمي والثقافي،
• وبإجمالي هذه المعطيات تطور صناعي / تكنيكي وثقافي عام.
نعم هناك من الدول من تحاول جاهدة في مساعي:
1. إبقاء الاقطار العربية في موقع التخلف،
2. وإن صعب ذلك، ففي موقع التبعية الاقتصادية والمالية،
3. أو إبقاءها أسيرة لأقتصادات وطنية وحيدة الجانب، تعتمد على الموارد الطبيعية،
4. أو تعويد سكانها على أستهلاك عالي الوتيرة، يضاهي وقد يتفوق على نزعة الاستهلاك عند المواطن الأوربي ..!
5. أو أن نربي ذئبا أجردا كثير الأذى، نطلقه يعوي في الفضاءات المحيطة، ونرغم على أن تنفق الدول المحيطة به ما يدخلها من عوائد للحيلولة من نتائح نموه وتعملقه … ويصادف أن يشترك مع الذئب الاجرد من يشاركه العواء والنباح …!
وهذه الظواهر مشخصة تماماً وتتعرض وقد وعى لها النخب والمثقفين عموماً. وهو مشروع فاشل (الذئب الاجرد) وسيأتي يوم أراه غير بعيد، يكون فيه الانفاق على الذئب يفوق فوائده ..وفي النظريات الرأسمالية، ” كل شيئ أشتريته يمكن لك أن تبيعه “. والمسألة وقت فحسب …….!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب