مقالات

استقالة الكفار ووقاحة تجار الدين! بقلم عبدالمنعم مختار- الهدف السودانية –

بقلم عبدالمنعم مختار- الهدف السودانية -

استقالة الكفار ووقاحة تجار الدين!

بقلم عبدالمنعم مختار- الهدف السودانية –

في السادس من سبتمبر 2025م استقالت أنجيلا راينر، نائبة رئيس حزب العمال البريطاني، لمجرد أنها أخطأت في دفع ضريبة عقارية أقل بأربعين ألف جنيه إسترليني. اعتذرت للناس، وضعت رأسها بين يديها، وقالت: “سامحوني”، ثم خرجت من المنصب غير مأسوف عليها. أربعون ألفا فقط يا سادة! في بلادنا، هذا المبلغ لا يكفي حتى لإقامة حفل زفاف لمسؤول درجة ثالثة.

في العالم المتحضر، وزراء ورؤساء حكومات سقطوا بسبب هفوات تبدو لنا أشبه بالنكات: وزير ياباني استقال لأنه وصل متأخرا عشر دقائق لاجتماع رسمي، ورئيس وزراء إيسلندا تنحى لأنه لم يصرح عن حساب مصرفي لزوجته في جزر بعيدة. أما نحن؟ فالحاكم عندنا لا يستقيل حتى لو باع نصف البلاد ورهن النصف الآخر.

نميري لم يتورع عن ترحيل الفلاشا لإسرائيل، ثم لم يجد بأسا أن يحاكم فدائيي منظمة أبو نضال كأول نظام عربي يضع فدأئي فلسطين في قفص الاتهام. والبشير وزمرته قفز خطوة أبعد بمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، ثم عاد ليهدي أراضي سودانية على الحدود لإثيوبيا ومصر كأنها “هدية عيد ميلاد”. وعندما انكشف فساده وفساد أعوانه – من عبد الرحيم محمد حسين الذي غرق في فضائح السلاح، إلى عوض الجاز ونافع علي نافع المتخمين بحسابات خارجية وقصور في تركيا وماليزيا – لم يرفّ جفن لأحدهم.

ولم تكتمل المسرحية السودانية إلا ببطليها الجدد: البرهان وحميدتي. الأول يوزع الأراضي والقرارات كما لو كان شيخ قبيلة يوزع “الضرا” على أتباعه، والثاني يبيع ذهب جبل عامر في أسواق دبي ويبتسم في وجوه الناس كأنه ولي صالح. شركات مشبوهة نبتت كالفطر: شركة الجنيد التابعة لعائلة حميدتي، التي صارت دولة داخل الدولة، تتحكم في التعدين والتصدير وتهرب الذهب في وضح النهار. ثم جاء “العبقري” مبارك أردول، مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، ليكمل الكوميديا بجباياته وابتكاراته في ابتلاع أموال التعدين، حتى صار اسمه مرادفا للجباية والسمسرة.

ولا ننسى خليل إبراهيم ومن شايعه، الذين حوّلوا عائدات النفط والذهب إلى حساباتهم الخاصة، بينما ظل المواطن السوداني يشرب “موية الجالون” ويشتري الرغيفة بصفوف مذلة. كل هؤلاء لم يكتبوا استقالات، بل كتبوا شيكات بملايين الدولارات لصالح أبنائهم في دبي وكوالالمبور وأنقرة.

يا للمفارقة: الكفار الذين لا يرفعون المصحف في وجوهنا ولا يلقون الخطب العصماء، يسقطون عند أول زلة أخلاقية أو مالية. أما “أولياؤنا الصالحون” الذين يدّعون الإسلام، فيواصلون العيش في النعيم والسلطة حتى لو انكشفت سرقاتهم على شاشات التلفاز.

ألم يقل عمر بن الخطاب: “لو أن بغلة عثرت في العراق لسُئل عنها عمر لماذا لم يسوِّ لها الطريق”؟ عندنا البغال والحمير والجمال والبشر كلهم عثروا، لكن حكامنا ما زالوا مطمئنين، يشربون الشاي بالنعناع في قصورهم، ويحدثوننا عن الشريعة!

اقول: عندهم الاستقالة عيب، وعندنا العيب أن تسأل المسؤول: “أنت سرقت كم؟”؛ فالإجابة ببساطة: “دي أمانة في رقبتي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب