قمة الدوحة بين اختبار الردع وتحدي “إسرائيل الكبرى”: هل تكفي الإدانة أم لا بد من عقوبات تغيّر قواعد اللعبة؟

قمة الدوحة بين اختبار الردع وتحدي “إسرائيل الكبرى”: هل تكفي الإدانة أم لا بد من عقوبات تغيّر قواعد اللعبة؟
بقلم رئيس التحرير
الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة لم يكن حادثاً معزولاً، بل يمثل تحوّلاً خطيراً في طبيعة العدوان الإسرائيلي، ويكشف عن نزعة توسعية جديدة تسعى إلى تجاوز حدود فلسطين والقدس وغزة. فإسرائيل، عبر خطاب رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، لم تكتفِ بالاعتداء على شعب أعزل في غزة وشن حرب إبادة جماعية خلفت عشرات آلاف الضحايا، بل باتت تهدد بملاحقة من تصفهم بـ”الإرهابيين” أينما كانوا، متوعدة قطر وتركيا ودولاً أخرى، في سلوك يشي بمحاولة فرض منطق “إسرائيل الكبرى” وتنصيب نفسها سلطة مطلقة فوق القانون الدولي.
في مواجهة هذا التصعيد، تقف القمة العربية والإسلامية في الدوحة أمام امتحان تاريخي: هل ستكتفي ببيانات الإدانة التقليدية التي اعتادت عليها، أم ستتجاوز ذلك إلى خطوات عملية تُعيد تعريف معادلة الردع مع إسرائيل؟ فقد أثبتت التجارب أن الإدانة اللفظية وحدها لا تردع عدواناً، ولا توقف مشروعاً توسعياً يستند إلى القوة العسكرية والدعم الغربي، بل إن الإفلات من العقاب يشجع إسرائيل على المضي قدماً في عدوانها وتوسيع نطاق تهديدها.
التجربة الدولية تؤكد أن العقوبات وحدها تغيّر السلوكيات العدوانية. فالاتحاد الأوروبي لم يقف عند حدود التنديد بعد حرب روسيا على أوكرانيا، بل فرض منظومة عقوبات شاملة طالت الاقتصاد الروسي، جمدت الأصول، وأقصت البنوك عن نظام “سويفت”، وفرضت قيوداً على صادرات الطاقة، ما جعل تكلفة الحرب باهظة وأجبر موسكو على إعادة حساباتها الاستراتيجية. وعلى المنوال ذاته، فإن نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا لم يسقط ببيانات الاستنكار، بل عبر منظومة عقوبات دولية شاملة – اقتصادية وتجارية وثقافية ودبلوماسية – أدت إلى عزله وإرغامه على إنهاء سياساته العنصرية.
من هنا، فإن المطلوب من قمة الدوحة أن تضع خطة ردع عربية-إسلامية جماعية، تشمل:
1. تبنّي آليات العقوبات السياسية والاقتصادية، وتجميد أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.
2. تحريك الملفات القانونية الدولية أمام المحكمة الجنائية الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة تحت بند “متحدون من أجل السلام”.
3. إعادة تفعيل منظومة الأمن القومي العربي والإسلامي، بحيث يُفهم أن أي اعتداء على قطر أو تركيا أو غيرهما هو اعتداء على الأمة جمعاء.
الخاتمة القانونية
وفق ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة المادة الثانية، يُحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سيادة أي دولة عضو، فيما تؤكد قرارات مجلس الأمن على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وصون السلم والأمن الدوليين. وعليه، فإن الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة يُعد خرقاً صريحاً للقانون الدولي، ما يرتب مسؤولية مباشرة على المجتمع الدولي للتدخل ومنع تكراره.
إلا أن خطورة المشهد لا تقتصر على انتهاك سيادة قطر، بل تمتد إلى الإبادة الجماعية الجارية في غزة، حيث الحصار والمجاعة والدمار الواسع، في انتهاك واضح لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. إن صمت المجتمع الدولي، والاكتفاء ببيانات القلق، يجعله شريكاً ضمنياً في استمرار هذه الجرائم.
وعليه، فإن قمة الدوحة ليست مجرد اجتماع اعتيادي، بل لحظة فاصلة بين خيارين: إما أن ترقى إلى مستوى التحديات فتضع حجر الأساس لردع حقيقي يضع حداً لنهج “إسرائيل الكبرى”، أو أن تكرّس واقع العجز والتشرذم، وتترك الأمن القومي العربي والإسلامي مكشوفاً أمام عدوان يتغذى على الإفلات من العقاب.