مشروع بيان قمة الدوحة: بين الخطاب المرتفع والقيود الأمريكية… والتاريخ يعيد نفسه

مشروع بيان قمة الدوحة: بين الخطاب المرتفع والقيود الأمريكية… والتاريخ يعيد نفسه
بقلم رئيس التحرير
جاءت القمة العربية-الإسلامية الاستثنائية في الدوحة كردّ مباشر على العدوان الإسرائيلي على دولة قطر، وهو عدوان يمس سيادة دولة عربية عضو في الأمم المتحدة، ويقوّض السلم والأمن الدوليين. ورغم أن مشروع البيان الختامي تتضمن لغة مشبعة بالإدانة، ووصف الهجوم بأنه جريمة حرب وخرق للقانون الدولي، إلا أنه لم يخرج عن السقف الأمريكي الذي بات يقيد العمل العربي المشترك ويمنع تبلور استراتيجية مواجهة حقيقية مع إسرائيل.
الخطاب تحت المظلة الأمريكية
مشروع البيان حسب ما تم تداوله جاء ليعيد التأكيد على المرجعيات التقليدية: ميثاق الأمم المتحدة، مبادئ القانون الدولي، مبادرة السلام العربية. لكنه في الجانب العملي لم يتجاوز حدود الاستنكار والدعوة إلى التضامن، دون قرارات رادعة مثل تعليق العلاقات الدبلوماسية، أو استخدام أوراق الضغط الاقتصادية والسياسية. بل إن الإشارة المتكررة إلى الدور الأمريكي في الوساطة، وضعت البيان برمته تحت سقف واشنطن، وكأن القمة العربية-الإسلامية تفتقر إلى إرادة التحرك المستقل.
الفجوة بين الموقف من غزة والمواقف من دول عربية أخرى
أكثر ما يلفت الانتباه أن القمة في الدوحة، ورغم إجماعها على توصيف الحصار والتجويع في غزة كجريمة حرب، لم تتجرأ على اتخاذ خطوة عملية لفك الحصار أو حتى إلزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها. هذه المفارقة تزداد وضوحًا حين نقارنها بتاريخ المواقف العربية تجاه دول عربية أخرى:
في حصار بيروت عام 1982، تُرك الفلسطينيون محاصرين لشهور دون إمداد عربي فعلي، بينما كانت العواصم العربية تصدر بيانات تضامن لم تغيّر من الواقع شيئًا.
في حصار العراق 1990 عقب غزو الكويت، سارعت الدول العربية إلى تأييد العقوبات الدولية المشددة، وقطعت العلاقات الاقتصادية، بل وصل الأمر إلى منح الشرعية لتدخل عسكري دولي دمّر العراق تحت مسمى “عاصفة الصحراء”.
في الأزمة السورية 2011، جرى سحب السفراء من دمشق وتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في سابقة خطيرة لتفكيك التضامن العربي.
في الحرب على اليمن 2015، انقسم العرب بين مؤيد ورافض، بينما لم تتردد بعض الدول في قطع العلاقات أو فرض عزلة سياسية.
في ليبيا 2011، قدّم النظام العربي غطاءً سياسيًا لتدخل حلف الناتو الذي قصف ليبيا وأسقط نظامها، وهو ما كرّس سابقة التدخل الأجنبي المباشر في قلب المنطقة.
أما في احتلال العراق 2003، فقد وقف معظم النظام العربي موقف المتفرج، بل وفرّ البعض غطاءً سياسيًا ضمنيًا للاجتياح الأمريكي.
ازدواجية المعايير العربية
المفارقة المؤلمة أن النظام العربي كان أكثر جرأة في اتخاذ قرارات حاسمة ضد دول عربية، وصلت حدّ قطع العلاقات وسحب السفراء وتأييد التدخل العسكري الدولي، بينما يقف عاجزًا أمام إسرائيل، مكتفيًا بالبيانات المكررة. العدوان على قطر، كما الحرب والحصار على غزة، لم يستدعِ حتى الآن أي إجراءات سياسية أو اقتصادية بحجم التحدي، ما يثبت أن القرار العربي مرتهن للخارج، وأن الأولوية ليست لحماية الأمن القومي العربي بقدر ما هي لتجنب الصدام مع الإرادة الأمريكية.
غزة في قلب التناقض
الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من 18 عامًا يختصر هذه الحالة. فقد أثبتت القمم العربية والإسلامية المتكررة أنها عاجزة عن اتخاذ قرار واحد عملي لفك الحصار أو فرض ممرات آمنة لإدخال المساعدات. وإذا كانت القمة في الدوحة قد وصفت الحصار بأنه جريمة حرب، فإن العجز عن رفعه يؤكد أن البيانات تبقى حبراً على ورق طالما لم تُترجم إلى فعل جماعي مستقل.
خاتمة
بيان قمة الدوحة يعكس استمرار الأزمة البنيوية في النظام العربي-الإسلامي: خطاب مرتفع لا يتجاوز السقف الأمريكي، وإرادة مشلولة أمام إسرائيل، وحزم مفرط تجاه دول عربية. التاريخ يعيد نفسه، والنتيجة واحدة: إضعاف التضامن العربي، وتعزيز قناعة إسرائيل بأن العرب عاجزون عن تجاوز الدور الأمريكي، وأن غزة ستبقى تحت الحصار ما لم يخرج النظام العربي من عباءة واشنطن ويبلور إرادة سيادية مستقلة.