هآرتس: هل تتجاوز قمة الدوحة “الخطابات النارية” والوقوف إلى جانب “الشقيقة”؟

هآرتس: هل تتجاوز قمة الدوحة “الخطابات النارية” والوقوف إلى جانب “الشقيقة”؟
تسفي برئيل
للمرة الثالثة في غضون سنتين، يعقد في الدوحة مؤتمر قمة عربية إسلامية طارئ، يتم تأطيرها كتضامن إقليمي مع الدولة المستضيفة التي هاجمتها إسرائيل. ستتصدر غزة القمة، لكن كلاعبة ثانوية في عرض استهدف دعوة واشنطن إلى وقف تهديد إسرائيل. الهجوم في قطر أوضح لجاراتها ولدول المنطقة بأن صفقة التبادل والمعركة ضد حماس واحتلال القطاع تضع هذه الدول أمام تهديد ملموس، وحتى مكانتها كحليفة للولايات المتحدة لا تحميها من هذا الخطر.
في الإحاطات التي أجروها مع وسائل الإعلام العربية الكبيرة، بالأساس القطرية والمصرية، طرحت أفكار عملية، مثل قطع العلاقات مع إسرائيل أو خفض مستوى التمثيل السياسي للدول التي لها معها علاقات دبلوماسية، وفرض عقوبات اقتصادية أو تشكيل “لجنة عمل خاصة”، تعمل ضدها على المستوى السياسي والقانوني. من قدموا هذه الإحاطات أحيوا فكرة تشكيل قوة عربية متعددة الجنسيات للدفاع عن دول المنطقة من الهجمات الأجنبية، أي الإسرائيلية. القمتان السابقتان، الأولى في تشرين الثاني 2023 والثانية بعد سنة تقريباً، نتج عنهما بيانات توصية متعددة البنود.
الفيتو الأمريكي مضمون
في هذه المرة، من الواضح أنه يجب عدم توقع أكثر من خطابات نارية، وتنديد بإسرائيل والتعبير عن دعم “الشقيقة” قطر التي انتهك سلاح الجو الإسرائيلي سيادتها. ولكن يجب ذكر أنه لمثل هذه اللقاءات نتائج أحياناً. القمة التي عقدت في السنة الماضية مثلا، نتج عنها لجنة فرعية صغيرة برئاسة السعودية، قادت المبادرة للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بتصميم ونجاح. هذه الجهود وصلت إلى ذروتها في نهاية الأسبوع بقرار جارف من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهو تبني حل الدولتين.
القمة التي عقدت في السنة الماضية مثلا، نتج عنها لجنة فرعية صغيرة برئاسة السعودية، قادت المبادرة للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بتصميم ونجاح
ما زال يمكن لإسرائيل الاعتماد على الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، الذي سيمنع إقامة الدولة الفلسطينية، وسيضم قرار الجمعية العمومية إلى قرارات تصريحية وإعلانية أخرى، التي تراكم عليها الغبار في الأدراج. ولكن لا يمكن تجاهل المشاعر الدولية التي تعززت في الأشهر الأخيرة. قرار الجمعية العمومية ليس بادرة حسن نية أخرى فقط تستهدف تغليف بالتضامن “القضية الفلسطينية”؛ فحل الدولتين يعتبر الآن خطوة عملية تستهدف إنهاء الحرب في غزة؛ ووقف طموح إسرائيل لاحتلال القطاع وضم الضفة الغربية، وتحديد مجال العمل العسكري لإسرائيل في المنطقة. هذه استمرارية مباشرة للعقوبات الرسمية التي فرضتها ألمانيا والنرويج وإسبانيا وبريطانيا، واستمرارية للقطيعة التجارية بين إسرائيل وتركيا، والمقاطعة “الرمادية” للنشاطات الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية، التي تطبقها دول ومنظمات كثيرة.
في حين أن الدول الغربية تتخذ خطوات ضد إسرائيل، فإن الدول العربية التي وقعت على اتفاقات سلام معها، تمتنع حتى الآن عن المس بمنظومة العلاقات الهشة. مصر، التي لم ترسل سفيراً إلى إسرائيل ورفضت قبول أوراق اعتماد سفير إسرائيل اوري روتمان (سابقته اميرة اورون أنهت عملها قبل سنة تقريباً)، تهدد في الواقع بأنه “سيكون لهجوم إسرائيل على مصر نتائج خطيرة”. ولكنها لا تتحدث بمفاهيم قطع العلاقات أو إلغاء اتفاق كامب ديفيد. نتنياهو هو الذي يهدد بـ “إعادة فحص” صفقة الغاز الضخمة التي تم التوقيع عليها في آب بين شركة الغاز الإسرائيلية ومصر، وجهات إسرائيلية رفيعة تستمر في حديثها عن تهديد يشكله تكثيف تشكيلة مصر العسكرية في شبه جزيرة سيناء، رغم نفي الجيش الإسرائيلي ذلك، وأن أي تحريك للقوات يتم بالتنسيق بين الدولتين.
حسب مصادر إسرائيلية ومصدر مصري، فإن التنسيق العسكري بين الدولتين يستمر مثلما في السابق، وحتى إن القاهرة أعلنت مواصلتها العمل كوسيط في صفقة تحرير المخطوفين. هذا لا يعني أن مصر لا تخاف من تنفيذ إسرائيل لتهديدها، فتح معبر رفح، لنقل مئات آلاف الغزيين إلى شبه جزيرة سيناء، أو محاولة اغتيال شخصيات رفيعة في حماس تعيش في مصر أو تزورها. حسب أقوال المصدر المصري “القاهرة تعمل على الصعيد الدبلوماسي السري، ولا يوجد الآن سيناريو رد عسكري. المعضلة العسكرية الرئيسية الآن ليست كيف تعمل ضد إسرائيل عسكرياً، بل كيف تستعد لاحتمالية تدفق مئات آلاف الغزيين إلى الأراضي المصرية”.
والإمارات لا تسارع إلى التلويح بالمس باتفاقات السلام أو فرض عقوبات اقتصادية مثل إلغاء صفقات وتجميد رحلات الطيران من إسرائيل وإليها، أو منع دخول الإسرائيليين. تفسير الإمارات لذلك، هو أن العلاقات مع إسرائيل تخدم سكان غزة، حيث إن الإمارات والأردن، اللتين تواصلان التنسيق الأمني مع إسرائيل، هما الدولتان العربيتان الأساسيتان اللتان حصلتا على إذن إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع وإخراج المواطنين الذين يحتاجون للعلاج. أبو ظبي حصلت من إسرائيل على إذن لمد خط مياه ينقل المياه من محطة تحلية في شبه جزيرة سيناء إلى منطقة المواصي، وهكذا يتم تخفيف أزمة المياه التي يعاني منها النازحون. ما دام هناك تهديد لعلاقاتها مع “القدس”، فهو في الوقت الحالي ينحصر في الحالة التي تقوم فيها إسرائيل بضم الضفة أو مناطق فيها، لأن منع الضم كان هو المبرر الأساسي الذي استندت إليه الإمارات للتوقيع على الاتفاق مع إسرائيل.
الريفييرا التي تلاشت
في الوقت نفسه، تواصل دول الخليج العمل بشكل كثيف على الصعيد الدبلوماسي أمام ترامب، الذي يملك أداة الضغط الناجعة لوقف الحرب ومنع احتلال مدينة غزة. ولكن إذا تمكنت الدول العربية من عزو الفضل لنفسها في إنجاز سياسي على شاكلة تبديد فكرة الترانسفير وريفييرا ترامب بضغط منها، فإن هجوم إسرائيل في قطر هو الآن قصة أخرى.
قطر ليست سوريا أو لبنان أو العراق أو الأردن، التي أصبحت سماؤها وبرها منطقة نيران مفتوحة للنشاطات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية والروسية والتركية منذ زمن. حسب تعريفها، تعتبر نفسها “حليفة كبيرة للولايات المتحدة التي ليست عضوة في الناتو”، وحتى إن جاراتها في الخليج تنظر إليها كمنافسة، وحتى عدوة. حتى إنها فرضت عليها في 2017 حصاراً اقتصادياً استمر أربع سنوات، وهي جزء لا يتجزأ من مجلس التعاون الخليجي. ولكونها كذلك، فإن المس بها يعتبر مساً بكل دول الخليج.
هذه الدول لا تنوي شن حرب على إسرائيل، وأي دولة منها، حتى قطر، لم تلمح بنية لي ذراع ترامب بواسطة تجميد تعهدها بالاستثمار في الولايات المتحدة بتريليونات الدولارات. ولكن العرض الذي سيبدأ اليوم في الدوحة لن يركز فقط على قطاع غزة، لكنه يستهدف إرسال رسالة شديدة إلى الولايات المتحدة، تطالبها بالوفاء بالتزاماتها وضمان أمن حلفائها أمام حليفة أخرى، التي وقعت على اتفاقات سلام مع بعضها، لكنها تتصرف كدولة معادية.
هآرتس 14/9/2025