العرب بعد “الدوحة”: ليست إيران من يهدد المنطقة.. بل إسرائيل

العرب بعد “الدوحة”: ليست إيران من يهدد المنطقة.. بل إسرائيل
أنا برسكي
لقد أثبتت إسرائيل مرة أخرى بأنها تعرف كيف تصل إلى أي هدف، في كل مكان، حتى في قلب الدوحة. لكن بالتوازي، اكتشفت ضعفها أيضاً: عدم قدرتها على التفكير لبضع خطوات إلى الأمام.
لنضع جانباً للحظة نتائج العملية والأهداف التي حددت، والسؤال إذا كانت تحققت أم لا. مهاجمة الدوحة فتح جبهة جديدة، سياسية واستراتيجية، حيال صديقتها الأقرب – الولايات المتحدة.
مجلس الأمن في الأمم المتحدة، والهيئة التي يصعب عليها الوصول إلى توافقات غير مرة، نجح الآن في توحيد كل أعضائه الـ 15، بما فيها الولايات المتحدة، في شجب حاد لإسرائيل.
واشنطن، الحامية التقليدية لإسرائيل، اضطرت للانضمام إلى وثيقة تتحدث عن مس بسيادة قطر وتعرب عن “أسف عميق” على فقدان حياة مواطنين
هذا حدث استثنائي: واشنطن، الحامية التقليدية لإسرائيل، اضطرت للانضمام إلى وثيقة تتحدث عن مس بسيادة قطر وتعرب عن “أسف عميق” على فقدان حياة مواطنين. لقد تلقت إسرائيل صفعة علنية، ليس من طهران أو من موسكو، بل من صديقتها الأكبر خلف البحر.
رئيس وزراء قطر، محمد آل ثاني، ادعى بأن إسرائيل تخلت عن المخطوفين وألقت قنابل في الوقت الذي يبحث فيه زعماء حماس مقترح وقف النار الأمريكي. “إسرائيل لا تراعي الرهائن”، قال. مع ذلك، تعهد بألا تتخلى قطر عن دورها كوسيط.
بالمقابل، سارعت حماس للإعلان بأن الهجوم لن يغير مطالبها. بمعنى: ليس هناك إنجاز عسكري واضح، بل ضرر سياسي جسيم.
حتى الرئيس ترامب، الشريك شبه التلقائي لإسرائيل، بدا محبطاً في الأيام الأخيرة. “أنا جد غير راض”، هكذا وصف إحساسه. اضطراره للتحفظ علناً، وإضافته بأنه يأمل في ألا تضر الخطوة بالمفاوضات على المخطوفين”، تدل على عمق الشرخ. التنسيق مع البيت الأبيض – كما يخيل، ضاع هباء بين السماء والبحر.
دول عربية كثيرة لا ترى الهجوم في الدوحة فقط بأنه عمل عسكري، بل أيضاً خطوة تضعضع الاستقرار. إسرائيل تتخذ صورة جهة مهددة، بل وأحياناً حتى أكثر من طهران. الإحساس في الخليج هو أن الردع الإسرائيلي يترجم إلى مغامرة خطيرة – مغامرة قد تؤدي إلى ارتباطات جديدة بين قطر وإيران، بل وتعزيز تحالف إقليمي ضد إسرائيل.
في إسرائيل نفسها، يصعب إيجاد خبير واحد يصور الهجوم كنجاح استراتيجي. ثمة من حذر من أن الخطوة قد تقرب قطر من إيران وتخلق تحالفاً إقليمياً معادياً. وشدد آخرون بأن الخطوة تعرض صفقة المخطوفين في المدى القصير للخطر، وتعمق عزلة إسرائيل السياسية في المدى البعيد. وحتى أولئك الذين لا ينتمون لمعارضي أو منقدي الحكومة ورئيسها، بل العكس – قريبون ومقربون – يصفون العملية بأنها “تفويت مزدوج”: نتيجة عملياتية جزئية وضرر للعلاقات مع الولايات المتحدة على حد سواء. الصورة التي تنشأ عن كل هذا جلية وواضحة: إسرائيل تعمل انطلاقاً من مفهوم القوة العسكرية – “يمكن، إذن نفعل”، لكنها تدفع ثمناً متراكماً في الساحة السياسية. بتعابير أخرى، خطوة تكتيكية، مشكوك أن يكون ممكناً وصفها كنصر تكتيكي، يصبح هزيمة استراتيجية. الهجوم لم يدفع قدماً بإعادة المخطوفين، بل أبعد الولايات المتحدة، ومنح إيران وحماس هدايا في الوعي وفي الدبلوماسية.
لن يتخذ مجلس الأمن خطوات عقاب عملية، لكن مجرد الشجب الأمريكي –وإن كان رقيقاً – هو ضوء تحذير خطير. أعلنت قطر بأنها ستواصل الجهد الدبلوماسي. لكن بالتوازي، ستطرح الهجوم على بحث إضافي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وستنظر في خطوات قانونية.
الرسالة واضحة: ربما تستخدم إسرائيل قوتها العسكرية في كل نقطة على المعمورة، لكنها إذا واصلت تصرفها هذا، دون دمج لتفكير سياسي استراتيجي – فسنجد أنفسنا معزولين، ضعفاء دبلوماسياً، مهددين بقدر لا يقل من خسارة حلفاء مما من أعدائنا الألداء.
معاريف 14/9/2025