ثقافة وفنون

إلياس خوري: روائيّ الحرية … وحارس الذاكرة الفلسطينية

إلياس خوري: روائيّ الحرية … وحارس الذاكرة الفلسطينية

 عام مضى على رحيل إلياس خوري (1948 – 2024)، الكاتب والروائي والناقد والمثقف الملتزم الذي ارتبط اسمه بفلسطين إلى الحد الذي جعل كثيرين يظنونه فلسطينيا، فيما كان لبناني المولد والهوى العربي الواسع. وإذ نخصّص هذا الملف في الذكرى الأولى لغيابه، فإننا نستعيد مسيرة أدبية ونضالية نادرة، امتدت على مدى نصف قرن، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية، وبالدفاع عن الحريات السياسية ومواجهة الاستبداد في لبنان والعالم العربي.
كان إلياس خوري، منذ انخراطه في المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة 1967، جزءاً من الحكاية الفلسطينية: عضواً في حركة «فتح»، ومحرراً في مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير، ثم مديراً لتحرير مجلة «الكرمل»، وأخيراً رئيس تحرير مجلة «الدراسات الفلسطينية» التي ارتبط اسمه بها لسنوات طويلة. في موازاة ذلك، نسج مشروعه الروائي الكبير الذي توّج بـ«باب الشمس» وثلاثية «أولاد الغيتو»، حيث أعاد صياغة مأساة فلسطين باعتبارها ملحمة إنسانية كبرى، جعلت من الذاكرة الفردية والجماعية مادة للأدب، ومن الرواية أداة مقاومة ضد النسيان والطمس.

 

لم يكن الأدب عند خوري معزولاً عن الموقف، بل امتداداً له. فقد واجه الطائفية اللبنانية بلا تردد، ورفض الوصاية السورية على لبنان بعد اتفاق الطائف، وساند ثورات الربيع العربي، مؤكداً أن الحرية لا تتجزأ، وأن القضية الفلسطينية لا تنفصل عن معركة الديمقراطية في العالم العربي. هذا الجمع بين الإبداع والموقف، بين الجماليات الروائية والالتزام السياسي، هو ما جعل صوته فريداً وراسخاً في الذاكرة.
في «القدس العربي»، كان إلياس خوري حاضراً بيننا كل أسبوع عبر عموده الذي واظب على كتابته لأكثر من عشرين عاماً، بالجرأة ذاتها التي طبعت مسيرته، وبالصدق نفسه الذي جعل القراء ينتظرون كلماته. واليوم، إذ نفتقد صوته، ندرك حجم الفراغ الذي تركه، لا ككاتب كبير وحارس لذاكرة فلسطين فحسب، بل كزميل ورفيق درب.
نستعيده في الذكرى الأولى لرحيله، لا بوصفه غائباً، بل بوصفه صوتاً لا يموت، وكاتباً لا تزال نصوصه تنبض بالحياة، ومثقفاً حمل معنا ومع قرائنا همّ الكلمة الحرة والقضية العادلة. سلام لروحه، وخلود لكلماته.

بيوغرافيا

ولد إلياس خوري في 12 يوليو 1948، لعائلة أرثوذكسية من الطبقة المتوسطة في منطقة الأشرفية في بيروت. حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1996 من ثانوية الراعي الصالح في بيروت، وفي 1967 سافر إلى الأردن وزار مخيماً للاجئين الفلسطينيين والتحق بحركة فتح المقاومة في منظمة التحرير الفلسطينية، وغادر الأردن بعد مقتل وطرد آلاف الفلسطينيين في أعقاب أحداث أيلول الأسود 1970. درس التاريخ في الجامعة اللبنانية، وحصل على الدكتوراه في التاريخ الاجتماعي من جامعة باريس. وعند عودته عُيّن باحثاً في مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت.
انضم إلى مجلة «مواقف» عام 1972، وأصبح عضواً في هيئة التحرير، شارك خوري في الحرب الأهلية اللبنانية في 1975، وأصيب بجروح خطيرة. وفي العام نفسه نشر روايته الأولى «عن علاقات الدائرة». وخلال الفترة من 1975 حتى 1979 ترأس تحرير مجلة «شؤون فلسطينية» بالتعاون مع محمود درويش، وعمل محررا لسلسلة ذكريات الشعب الصادرة عن مؤسسة البحوث العربية في بيروت بين عامي 1980 و1985، ثم مديراً لتحرير مجلة «الكرمل» بين 1981 و1982، ومدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة «السفير» من 1983 إلى 1990، ثم مديراً فنياً لمسرح بيروت من 1992 إلى 1998، ومديرا مشاركا في مهرجان سبتمبر للفنون المعاصرة. كذلك أسّس مع سمير قصير ومفكرين وناشطين سياسيين آخرين «حركة اليسار الديمقراطي»، كما شغَل في 2011 منصب رئيس تحرير مجلة «الدراسات الفلسطينية». وفي العام نفسه حاز وسام جوقة الشرف الإسباني من رتبة كومندور، وهو أعلى وسام يمنحه الملك خوان كارلوس، تكريماً لمساره الأدبي، وفاز بجائزة اليونسكو للثقافة العربية تقديراً للجهود التي بذلها في نشر الثقافة العربية وتعريف العالم بها. كما حصل في 2016 على جائزة كتارا للرواية العربية عن رواية «أولاد الغيتو/اسمي آدم» الصادرة في العام نفسه. واصل كتابة عموده الأسبوعي «هواء طلق» في جريدة «القدس العربي» اللندنية، حتى وفاته في 15 سبتمبر 2024. عمل في التدريس في كل من .. جامعة نيويورك، هيوستن، كلية بيركلي، جامعة شيكاغو، جامعة كولومبيا، جورج تاون، مينيسوتا، وجامعة برينستون في الولايات المتحدة، كما درّس في جامعة بواتييه في فرنسا، ولندن في المملكة المتحدة، وبرلين في ألمانيا، وزيورخ في سويسرا، وفي وطنه لبنان درّس في الجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة اللبنانية الأمريكية والجامعة اللبنانية.

من أعماله..

الإبداع: «عن علاقات الدائرة» 1975،»الجبل الصغير» 1977، «أبواب المدينة» و»الوجوه البيضاء»، 1981، «المبتدأ والخبر» مجموعة قصصية 1984، «رائحة الصابون»، «رحلة غاندي الصغير» 1989، «مملكة الغرباء» 1993، «مجمع الأسرار» 1994، «باب الشمس» 1998، «المرايا المكسورة: سينالكول» و»يالو» 2012، «كأنها نائمة» 2013، «أولاد الغيتو .. اسمي آدم 2016، نجمة البحر 2019، رجل يشبهني 2023».
الدراسات الأدبية والسياسية.. «إحصاءات فلسطينية» 1974. «تجربة البحث عن أفق: مقدمة لدراسات الرواية العربية بعد الهزيمة» 1974. «الذاكرة المفقودة: دراسات نقدية» 1982. «زمن الاحتلال» 1985. «دراسات في نقد الشعر» 1986. «محمود درويش وحكاية الديوان الأخير» 2009.

 

 

 «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب