مقالات

نتنياهو بين العزلة الدولية وتداعيات الحرب على غزة: مأزق استراتيجي لإسرائيل

نتنياهو بين العزلة الدولية وتداعيات الحرب على غزة: مأزق استراتيجي لإسرائيل

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي أقرّ فيها صراحةً بأن إسرائيل باتت تواجه عزلة سياسية دولية غير مسبوقة، تمثل تحوّلاً لافتاً في الخطاب الإسرائيلي الرسمي، إذ جاءت على لسان رئيس الحكومة ذاته الذي طالما قدّم إسرائيل كقوة مزدهرة ومندمجة في النظام الدولي. اعتراف نتنياهو لم يكن مجرد توصيف إعلامي، بل إقرار استراتيجي بأزمة عميقة تواجه إسرائيل في سياقات متعددة: سياسية، اقتصادية، عسكرية، وأخلاقية.

غزة كمرآة للأزمة الإسرائيلية

الحرب المستمرة على غزة، وما ارتكبته إسرائيل من مجازر موثّقة بحق المدنيين، لم تعد محل خلاف دولي. مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أصدر تقارير واضحة تتهم إسرائيل بارتكاب “جرائم قد ترقى إلى الإبادة الجماعية”، وهو ما أكدته الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية (IAGS) التي اعتبرت أن سياسات الاحتلال في غزة تتطابق مع المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. كما اعترفت دول أوروبية مركزية مثل إسبانيا، إيرلندا، والنرويج بدولة فلسطين، في خطوة رآها مراقبون تحوّلاً نوعياً في الموقف الأوروبي، بعدما ضاق حلفاء إسرائيل ذرعاً بسياسة التطرف لحكومة نتنياهو.

التوسع الاستيطاني و”إسرائيل الكبرى”

إلى جانب الحرب، واصل نتنياهو وحكومته سياسة فرض الأمر الواقع عبر التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والتبشير بمشروع “إسرائيل الكبرى”. هذه السياسات لم تقتصر على الأراضي الفلسطينية، بل امتدت إلى اعتداءات إسرائيلية على سيادة دول عربية، آخرها الهجوم الذي طال دولة قطر، فضلاً عن محاولات اغتيال سياسيين وناشطين في أكثر من عاصمة. هذه الاعتداءات لم تعد تمرّ بصمت دولي كما في السابق، بل جلبت موجة استنكار واسعة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى من حلفاء إسرائيل التقليديين في واشنطن.

مقارنات تاريخية: من الأبارتهايد إلى كوبا

العزلة التي يتحدث عنها نتنياهو تستدعي مقاربات تاريخية. فجنوب أفريقيا في زمن الأبارتهايد واجهت عزلة مشابهة بسبب نظامها العنصري، وانتهى الأمر بانهياره تحت ضغط المقاطعة الدولية والحركات التحررية. كذلك، تجربة كوبا مع الحصار الأميركي الممتد لعقود تُظهر أن العزلة يمكن أن تتحول إلى عامل استنزاف طويل المدى، يحدّ من قدرات الدول ويقيد اقتصادها حتى مع وجود حلفاء. الفارق أن إسرائيل اليوم تُواجه عزلة مزدوجة: عزلة سياسية متنامية وعزلة أخلاقية مرتبطة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

الانعكاسات الاستراتيجية

الاعتراف الأوروبي بفلسطين، والتقارير الأممية الموثقة، والتحولات في الرأي العام الغربي بفعل الجاليات المسلمة وحركات التضامن، كلها عناصر تضغط باتجاه إعادة صياغة المعادلات. حتى داخل إسرائيل، المعارضة بقيادة يائير لابيد وقيادات أخرى ترى أن العزلة ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة مباشرة لسياسات حكومة نتنياهو “الفاشلة”، التي حوّلت إسرائيل إلى دولة منبوذة تهدد استقرار السلم والأمن الإقليمي.

خاتمة

إن الأزمة التي تواجهها إسرائيل اليوم ليست مجرد أزمة علاقات عامة، بل أزمة وجودية على المدى الاستراتيجي. فالمعادلة التي طالما روّج لها نتنياهو – “إسرائيل القوية، المندمجة في العالم، المحمية من حلفائها” – تتآكل تدريجياً. في المقابل، تبرز القضية الفلسطينية من جديد كعنوان رئيسي للصراع في المنطقة، مدعومة بشرعية دولية متجددة وبحركة تضامن عالمي متصاعد. ما بعد اعتراف نتنياهو بالعزلة لن يكون كما قبله، إذ إن إسرائيل تدخل طوراً جديداً من المواجهة: مواجهة مع نفسها أولاً، ومع النظام الدولي ثانياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب