نتنياهو يصر على احتلال غزة… وترامب الوحيد الذي يملك مفتاح الخروج من هذه الورطة

نتنياهو يصر على احتلال غزة… وترامب الوحيد الذي يملك مفتاح الخروج من هذه الورطة
تقف إسرائيل أمام توسيع كبير للعملية البرية في مدينة غزة. ورغم معارضة جارفة لرؤساء جهاز الأمن، وعلى رأسهم رئيس الأركان إيال زامير، فقد حث نتنياهو على تسريع العملية واحتلال مناطق أخرى في غزة في الفترة القريبة القادمة. نتنياهو والائتلاف اليميني – المسيحاني الذي شكله حوله، قد يجران الدولة إلى كارثة أخرى، ستكون مقرونة بتورط سياسي وأمني الذي في هذه المرة ستجد صعوبة في الخروج منه. الشخص الوحيد الذي يمكنه وقف التدهور هو الرئيس الأمريكي. في هذه الأثناء، يظهر ترامب اهتماماً محدوداً بما يحدث، ولا يتخذ خطوات قد تنقذ إسرائيل من ورطتها التي وضعت نفسها فيها. لم يبق الكثير من الوقت للإصلاح.
هذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يصمم فيها رئيس الحكومة على العمل ضد رأي مهني لرئيس جهاز الأمن إيال زامير، ورئيس الموساد دافيد برنياع، وبدرجة أقل القائم بأعمال رئيس “الشاباك” ش. (نتنياهو جدد في جهوده الأسبوع الماضي لتعيين دافيد زينيه رئيساً دائماً للجهاز). القيادة العليا الأمنية أيدت في نهاية آب العودة إلى مسار صفقة التبادل، بدلاً من توسيع القتال. معظم القادة الكبار عارضوا توقيت الهجوم في قطر الأسبوع الماضي، الذي فشلت فيه إسرائيل في تصفية قادة كبار في حماس الخارج، الذين اجتمعوا لمناقشة المفاوضات حول المخطوفين. في حين أن نتنياهو قرر في آذار الماضي، تفجير صفقة التبادل التي تم التوقيع عليها في كانون الثاني قبل أداء ترامب لليمين كرئيس، واستئناف القتال بدلاً من إجراء المفاوضات حول المرحلة الثانية في الصفقة.
في نهاية الأسبوع الماضي، عقد اجتماع تشاوري لرؤساء القوائم التي تشكل الائتلاف من أجل مناقشة خطط مواصلة العملية في غزة. هذا منتدى مقلص أكثر من الكابنيت الأمني، وهو الجسم المخول باتخاذ القرارات الدراماتيكية بشأن مواصلة القتال، ويشارك فيه بحكم المنصب أيضاً عدد من الوزراء الذين لا يترأسون قوائم. في هذه الجلسة، مثلما في جلسات سابقة، ظهر التحالف الوثيق بين رئيس الحكومة وشركائه في اليمين المتطرف، الوزير بن غفير (قوة يهودية)، والوزير سموتريتش (الصهيونية الدينية)، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس يكرر رسائل نتنياهو، لكن ليس لرأيه وزن كبير.
آريه درعي (شاس) لم يشارك في الجلسة. الوزير الوحيد في هذا المنتدى الذي يحذر بشكل دائم في الفترة الأخيرة من تداعيات توسيع الحرب هو وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي يحذر من عزلة دولية لإسرائيل، ومن أخطار بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، إزاء محاولة إسرائيل دفع حوالي مليون غزي في غزة ومحيطها نحو الجنوب، إلى مخيمات اللاجئين في وسط القطاع ومنطقة المواصي. حسب تقديرات الجيش، لم يهرب حتى الآن سوى ربع سكان مدينة غزة. الظروف في مناطق اللجوء في الجنوب تصبح أكثر صعوبة إزاء الاكتظاظ وغياب حلول إنسانية بالحد الأدنى.
إلى جانب ساعر، يعبر زامير عن صوت بارز ضد توسيع العملية. يبدو أن رئيس الأركان يحركه خوف من اللحظة التي ستدخل فيها القوات إلى مناطق أخرى، في عمق المناطق المأهولة، وسيكون صعباً وقف العملية بسرعة وسينجرون إلى الداخل، إلى مواجهات مع خلايا عصابات نشرتها حماس وتختبئ في الأنفاق وتحت أنقاض المباني. القصد أن يتم إدخال عشرات آلاف الجنود إلى غزة، معظمهم من الوحدات النظامية. يقترح زامير العودة إلى مسار الصفقة الذي سيمكن على الأقل من تحرير عشرة مخطوفين أحياء ونصف الجثث، هذا في المرحلة الأولى. وهي أيضاً ستترك شهرين لإجراء مفاوضات أخرى على أمل استكمال الصفقة وإنهاء الحرب. حتى لو فشلت المفاوضات بعد ذلك، قال زمير للوزراء، يمكننا استئناف القتال.
لا ضمانة لأمن المخطوفين
لن يضمن الجيش أمن العشرين مخطوفاً الأحياء (من بين الـ 47 المحتجزين لدى حماس) الذين يوجد عدد كبير منهم كما يبدو في المنطقة التي أعلنت إسرائيل أنها ستنوي السيطرة عليها، في مدينة غزة ومحيطها. لمحت حماس مؤخراً بأنها نقلت مخطوفين أحياء إلى هذه المنطقة بشكل متعمد. إلى جانب الخوف من المس بالمخطوفين بالخطأ في عمليات القصف، لا توجد معلومات كافية عن مكان وجودهم الدقيق. وثمة قلق آخر يظهر، وهو أنه لا يمكن استبعاد إمكانية أن تقرر حماس إعدام المخطوفين إذا دخل الجيش الإسرائيلي وبحق إلى داخل غزة.
قيادة حماس التي بقيت في غزة قاتلة بما فيه الكفاية كي تقرر مثل هذه الخطوة المتطرفة. خلافاً للانطباع الذي حاول مكتب رئيس الحكومة خلقه في الأسبوع الماضي، فإن المس المحدد، إذا فشلت العملية، بقيادة حماس الخارج لم يكن ليؤثر للأفضل كما يبدو على تقدم المفاوضات نحو الصفقة. طوال المفاوضات من بداية السنة الحالية، تعبر قيادة حماس الداخل، التي تختبئ في الأنفاق، عن مؤشر متشدد، وتقود خطاً يقلل من الموافقة على تقديم تنازلات.
ولدى وزراء الحكومة لامبالاة مطلقة تصل حد الدهشة إزاء هذه الأخطار؛ فبتشجيع من نتنياهو، تم تخصيص جزء من جلسة الحكومة أمس للتحريض ضد المستشارة القانونية للحكومة و”حيونة” وزراء تجاه العنف الموجه إليهم في حملة الاحتجاج. هذا التباكي حول يوم سبت الذي لم يصب فيه إلا مصور صحافي مخضرم تعرض للضرب من قبل الشرطة، لم يكن تباكياً صدفياً، بل لربطه مع اغتيال المؤثر الأمريكي اليميني تشارلي كيرك، والمبالغة في خطر اليسار الكامن في إسرائيل. من المؤسف قول ذلك، لكن يبدو أن حياة المخطوفين والجنود لا تهم معظم الوزراء مقارنة مع شؤونهم الخاصة. فلديهم أمور أكثر إلحاحاً للاهتمام بها، مثل المشاركة في مناسبات لأعضاء مركز الحزب. في نهاية المطاف، هناك سنة انتخابات قريبة.
نتائج الهجوم
أدى الهجوم في قطر إلى توحيد صفوف العالم العربي، على الأقل ظاهرياً، وإظهار دعم جيرانها إزاء ما وصفوه بأنه عمل عدواني وخرق للسيادة من قبل إسرائيل.
جهاز الأمن الإسرائيلي قلق من تأثير القصف على قدرة الاستعانة بقطر في مهمة الوساطة في المفاوضات مع حماس. وهناك من يشككون بأن نتنياهو أراد تحقيق هدفين من هذا الهجوم: الأول، التشويش مرة أخرى على التقدم في المحادثات، والثاني إبعاد نفسه علناً عن قطر إزاء الاكتشافات الكثيرة بشأن العلاقات الاقتصادية التي أقامها ثلاثة من مستشاريه مع الدوحة.
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي وصل أمس إلى إسرائيل، تناقش مع نتنياهو بشأن تصريحات إسرائيل حول نيتها ضم مناطق في الضفة الغربية رداً على العملية المخطط لها لدول غربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. الإمارات هددت إسرائيل من قبل بأزمة خطيرة ستعرض اتفاقات ابراهيم للخطر إذا اتخذت مثل هذه الخطوة. هذا التعقيد السياسي يحدث في موازاة المقامرة العسكرية التي قد تعرض حياة الكثير من الأشخاص للخطر: إضافة إلى المخطوفين، جنود الجيش الإسرائيلي وفلسطينيون كثيرون هم في خطر متزايد الآن. ترامب الوحيد الذي يملك مفتاح الخروج من هذه الورطة. ربما هي الفرصة الأخيرة: لقد حان الوقت لإمساكه من ياقته.
عاموس هرئيل
هآرتس 15/9/2025