رئيسيالافتتاحيه

إغلاق معبر الكرامة: استمرار الحصار الإسرائيلي وانتهاك الاتفاقيات الدولية

إغلاق معبر الكرامة: استمرار الحصار الإسرائيلي وانتهاك الاتفاقيات الدولية

بقلم رئيس التحرير 

قرار إسرائيل بإغلاق معبر الكرامة – الشريان البري الوحيد الذي يربط الضفة الغربية والعاصمة القدس بالعالم عبر الأردن – يمثل خطوة استراتيجية جديدة في سياسة الاحتلال القائمة على الحصار والعزل. هذا الإجراء، الذي يتجاوز أبعاده الأمنية المعلنة، يندرج ضمن منظومة متكاملة من الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمارسها إسرائيل لإخضاع الفلسطينيين وفرض وقائع تخدم مشروعها الاستيطاني.

البعد السياسي: المعبر كورقة ابتزاز

سياسيًا، يعكس إغلاق معبر الكرامة استراتيجية إسرائيلية تقوم على تحويل المعابر إلى أدوات للابتزاز، بحيث تستخدم كـ”صمام ضغط” على السلطة الفلسطينية والأردن معًا.

فالسلطة تُدفع إلى مربع العجز أمام شعبها، فيظهر ضعفها وفقدانها للسيطرة على أبسط حقوق مواطنيها في التنقل.

أما الأردن، الذي يرتبط بالمعبر مباشرة، فيُراد له أن يكون شريكًا مكرهًا في تحمل تبعات الحصار، بما يفتح الباب أمام أزمات دبلوماسية متجددة.

القرار يحمل رسالة إسرائيلية واضحة: السيادة الفلسطينية على المعابر غير مقبولة، وأن “إسرائيل وحدها” صاحبة الكلمة الفصل في تقرير مصير الفلسطينيين. هذا يتناقض مع الاتفاقيات الدولية ومع مجمل العملية السياسية التي بدأت منذ مدريد وأوسلو وعقد المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين

البعد الاقتصادي: خنق متعمد للاقتصاد الفلسطيني

إغلاق المعبر لا يُقرأ فقط بوصفه تقييدًا لحركة الأفراد، بل هو ضربة قاصمة للاقتصاد الفلسطيني.

  1. التجارة الخارجية: أكثر من 60% من حركة التجارة الفلسطينية مع العالم تمر عبر الأردن، ما يعني أن الإغلاق يؤدي إلى توقف شبه كامل للسلع الأساسية والمواد الخام.
  2. العمالة الفلسطينية: آلاف الفلسطينيين العاملين بالخارج يجدون أنفسهم معزولين، ما يوقف التحويلات المالية التي تشكل موردًا أساسيًا لعائلاتهم.
  3. المساعدات الإنسانية: حتى المساعدات والمنح الدولية تصبح رهينة القرار الإسرائيلي، الأمر الذي يعزز تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاحتلال.

هذه السياسة تمثل في حقيقتها اقتصاد حصار، يهدف إلى إبقاء الفلسطينيين في حالة عجز دائم، وإلى إضعاف قدرتهم على تطوير اقتصاد مستقل أو ممارسة سيادة اقتصادية فعلية.

البعد الاجتماعي: حصار يفتت النسيج المجتمعي

اجتماعيًا، يتسبب إغلاق معبر الكرامة في:

حرمان المرضى من الوصول إلى المستشفيات الأردنية والعربية، ما يهدد حياتهم.

تعطيل الطلبة عن الالتحاق بجامعاتهم في الخارج، وحرمانهم من فرص التعليم.

عزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي، ما يعمق من مشاعر العزلة واليأس.

تفاقم الضغوط النفسية والاجتماعية نتيجة فقدان أبسط الحقوق، وهو ما ينعكس على الاستقرار الداخلي للمجتمع الفلسطيني.

بهذا يصبح الحصار ليس مجرد إجراء إداري، بل سياسة تفكيك للنسيج الاجتماعي، تستهدف ضرب مقومات الصمود الفلسطيني من الداخل.

البعد القانوني: خرق للالتزامات الدولية

من الناحية القانونية، يمثل إغلاق المعبر انتهاكًا صريحًا لعدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية:

اتفاقيات جنيف الرابعة (1949): التي تحظر العقاب الجماعي واستهداف المدنيين.

معاهدة وادي عربة (1994): التي نصت على ضمان حرية حركة الأفراد والبضائع بين الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة.

اتفاقيات كامب ديفيد: التي ألزمت إسرائيل بعدم إحداث تغييرات ديمغرافية أو جغرافية في الأراضي المحتلة بعد 1967.

وفق هذه المرجعيات، فإن الحصار يشكل جريمة دولية تستوجب المساءلة أمام مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، خاصة أنه يرقى إلى مستوى جريمة الفصل والعزل العنصري (Apartheid)، كونه يفرض قيودًا على أساس الهوية القومية للفلسطينيين.

الحاجة إلى تحرك عربي ودولي

في ظل هذا المشهد، تبدو الحاجة ملحّة إلى:

  1. تفعيل الدبلوماسية الأردنية – الفلسطينية المشتركة لمواجهة الخروقات الإسرائيلية.
  2. دعوة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لاتخاذ موقف جماعي يضغط على إسرائيل عبر القنوات السياسية والاقتصادية.
  3. اللجوء إلى المحافل الدولية، بما فيها مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، لمساءلة إسرائيل عن خروقاتها.
  4. تعزيز صمود الفلسطينيين اقتصاديًا عبر خطط بديلة لتأمين المواد الأساسية وتقليل الاعتماد على المعابر الإسرائيلية.

خاتمة

إن إغلاق معبر الكرامة ليس مجرد حادث عابر، بل هو حلقة في مشروع استراتيجي إسرائيلي يسعى إلى إدامة السيطرة، وتكريس التبعية، وتفتيت البنية الفلسطينية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. الخطر الحقيقي يكمن في أن استمرار الصمت الدولي والعربي سيحوّل هذه الإجراءات إلى “واقع دائم”، بما يقوض أي أفق لسلام عادل.

من هنا، فإن التصدي القانوني والسياسي والاقتصادي لهذا القرار يجب أن يكون أولوية وطنية وإقليمية، ليس فقط لحماية حقوق الفلسطينيين، بل للحفاظ على استقرار المنطقة ومنع انزلاقها نحو مزيد من التوترات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب