التحولات التي طرأت على المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية تمهد للضم

التحولات التي طرأت على المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية تمهد للضم
“ما حدث بعد تشكيل هذه الحكومة أنه جرى إزاحة وزارة الجيش عن موضوع التخطيط ومنحه بشكل كامل لسموتريتش كوزير مسؤول عن إدارة الاستيطان في وزارة الجيش”
في ضوء الحديث الجاري عن ضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها وسحب السيادة الإسرائيلية عليها، من الجدير الالتفات إلى التغيرات التي طرأت على البنية القانونية للواقع الاستيطاني في الضفة الغربية منذ تشكيل حكومة نتنياهو، بن غفير، سموتريتش، وتسارعت بعد السابع من أكتوبر، أو كما يصفها الباحث أمير داوود من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بـ”التحولات في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023″، ودورها في خلق واقع جديد يسرع عملية الضم الزاحف، عملية فرض السيادة الإسرائيلية.
مقال داوود الذي نشر تحت هذا العنوان في العدد الأخير من مجلة دراسات فلسطينية، تناول كيفية استغلال دولة الاحتلال لستار الحرب وغبار الإبادة الجماعية الجارية، حتى اللحظة، في قطاع غزة واستعمال الحرب كآلية لتسريع وتائر مخططات كانت مقررة ومخبأة في الجوارير، فضلًا عمّا اخترعته ماكينة الاستيطان الاستعماري كإجراءات موازية تم اتخاذها بحجة الحرب والإجراءات الأمنية، ويأتي تسريع دولة الاحتلال لهذه الإجراءات، كما يقول، كحالة من حالات السباق مع الزمن من أجل فرض الوقائع، وإحداث جملة من التغييرات الجيوسياسية العميقة التي أُريد لها أن تحدث على مستوى الأرض الفلسطينية.
أولى هذه التحولات الجذرية، التي يتحدث عنها المقال، تتمثل في قرار حكومة الاحتلال بنقل مسؤولية إجراءات التخطيط من وزير الجيش إلى الوزير في وزارة الجيش بتسلئيل سموتريتش، ليصبح هو المسؤول الأول عن الإدارة المدنية، بحيث لم تعد إجراءات التخطيط تتطلب موافقة المستوى السياسي ووزير الجيش، ولم تعد موافقة رئيس الحكومة مطلوبة لتوسيع الاستيطان، بل إنه بمجرد أن يقرر الوزير سموتريتش ويوافق على التقدم في خطط البناء في مستعمرات الضفة الغربية، فإن الخطط ستذهب مباشرة إلى لجان التخطيط في الضفة الغربية (مجلس التخطيط الأعلى)، من دون أن يكون للمستوى السياسي والعسكري أي سلطة للتأخير أو التأثير في مراحل التخطيط أو الخطط المقدمة.
بالتوازي مع هذا القرار، يشير المقال إلى استحداث منصب “نائب مدني لرئيس الإدارة المدنية”، في 29 أيار/ مايو 2024، حيث عُيّن المستوطن هيليل روث، الذي كان يشغل منصب أمين الصندوق في المجلس الاستيطاني شومرون، نائبًا مدنيًا لرئيس الإدارة المدنية. وهذا منصب جديد يتمتع الآن بجميع السلطات المتعلقة بالمستعمرات والأراضي (بدلًا من رئيس الإدارة المدنية)، بينما تُرك للجيش مسؤولية إدارة بعض الأمور المتعلقة بحياة الفلسطينيين فقط.
ولم تتوقف التغييرات الجوهرية في جملة عمل الإدارة المدنية وطبيعتها عند حدود إطلاق العنان لعمليات التوسعة الاستيطانية، بل كان رأس الحربة الثاني لها، وفق تعبير الباحث، هو محاصرة النمو الطبيعي وتفريغ الجغرافيا من البناء الفلسطيني بحجج عدم الترخيص والحفاظ على بناء المستوطنين، وتحديدًا البؤر الاستيطانية المنشأة. وفي هذا الإطار، ينوه إلى قرار حكومة الاحتلال إنشاء وحدة قيادة داخل “سلطة أراضي إسرائيل” تقوم بتعيين 30 مفتشًا يُضافون إلى 32 مفتشًا لدى وحدة التفتيش في الإدارة المدنية. وسيكون دورهم الرئيسي هو تحديد موقع البناء الفلسطيني غير القانوني، بهدف الوصول إلى معطيات تنفيذ عمليات هدم أكبر مقارنة بسنة 2024. وهذه خطوة أخرى من جانب الحكومة، كما يقول، على طريق تطبيق الضم والسيادة في “يهودا والسامرة”.
وبهذا الصدد، حاور “عرب 48” الباحث في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داوود، لإلقاء المزيد من الضوء حول الموضوع.
“عرب 48”: أشرت إلى أن تحولات جوهرية طرأت على بنية الاستيطان وآلياته بدأت مع تشكيل حكومة اليمين الديني الاستيطاني، ووجدت فرصتها السانحة إلى التطبيق الميداني المتسارع بعد السابع من أكتوبر وتحت دخان حرب الإبادة؟
داوود: هناك جملة تغيرات جوهرية طرأت على المشروع الاستيطاني بعد السابع من أكتوبر، تتمثل بحزمة القوانين والقرارات والإجراءات التي استحدثتها الحكومة الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر. لكن مع إدراكنا بأن هذا التاريخ أصبح لحظة مفصلية في موضوع الاستيطان، إلا أنه لا ينفصل عما سبقه، خاصة ما يتعلق بالاتفاقية الثلاثية بين نتنياهو وسموتريتش وبن غفير التي تشكلت على أساسها حكومة اليمين الاستيطاني المتطرف، والتي رسمت تصورًا أشد وضوحًا للمشروع الاستيطاني وحددت عناوينه البارزة، ثم جاء السابع من أكتوبر ليشكل رافعة لتنفيذ كافة البنود أو معظم البنود التي جرى تشكيل تلك الحكومة الإسرائيلية على أساسها.
وإذا ما رجعنا إلى العناوين التي قامت عليها الحكومة والتي يسمونها اتفاقات ائتلافية، يتضح لنا أن كل شيء حصل بعد السابع من أكتوبر وقبل السابع من أكتوبر كان متفقًا عليه بين هذه الأحزاب، في موضوع تسوية الأراضي وفي موضوع الإدارة المدنية وفي موضوع البؤر الاستيطانية، حيث كانت كل تلك العناوين متفقًا عليها بما فيها تعيين سموتريتش في الإدارة المدنية وتوليه ملف الاستيطان.
كما أن كل ما طرأ على الإدارة المدنية متفق عليه أيضًا، فالصهيونية الدينية كانت تاريخيًا تطالب بإلغاء الإدارة المدنية، لكنهم أدركوا أنهم لا يستطيعون إلغاءها فورًا، لذلك أدخلوا عليها تغييرات جوهرية تمثلت في إبعاد الجيش عنها وتسليم المراكز الحساسة فيها للمستوطنين، وهو ما حدث فعلًا.
“عرب 48”: ما حدث هو بمثابة سحب تدريجي للسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية عبر نقل صلاحيات الإدارة المدنية أو معظمها من سلطة الجيش لسلطة المستوطنين، واليوم هناك حديث عن الانتقال من الضم الزاحف إلى الضم الرسمي؟
داوود: نحن قلنا دائمًا إن الضم ليس عنوانًا واحدًا بل مجموعة عناوين يجري العمل عليها بالتوازي، فإذا ما نظرنا إلى آلية مصادرة الأراضي، توسيع المستوطنات، تسوية البؤر الاستيطانية وغيرها، فإن كل تلك التفاصيل تنضوي في إطار موضوع الضم. هذا إضافة إلى البنية التشريعية، حيث قُدم للكنيست في الآونة الأخيرة عدد هائل من القوانين التي تمس بطبيعة وجوهرية الأراضي الفلسطينية، وجميعها تفضي بشكل أو بآخر إلى موضوع الضم. وبالتالي فإن الضم ليس كبسة زر وإنما مجموعة خطوات يجري العمل عليها للوصول إلى سحب السيادة الإسرائيلية وضم الأراضي الفلسطينية.
“عرب 48”: عمليًا ما يقوم به سموتريتش هو سحب البنية القانونية المدنية الإسرائيلية على الضفة الغربية والتوقف عن التعامل معها كأرض محتلة تُدار من قبل “جيش الاحتلال”؟
داوود: صحيح، لو راجعنا مجموعة القوانين التي قُدمت للكنيست بهذا الخصوص في الفترة الماضية نجد أن جميعها تنحو هذا المنحى، فلدينا مشروع قانون “تمكين المستوطنين من شراء الأراضي والعقارات في الضفة الغربية”، ولدينا مشروع قانون “استبدال تسمية الضفة الغربية بيهودا والسامرة”، ومشروع قانون “توسيع سلطة الجليل والنقب لتشمل مستوطنات جنوب الضفة الغربية”، وهناك عشرات القوانين التي قُدمت للكنيست وتهدف إلى إحداث تغيير جوهري في وضعية الضفة الغربية.
بالتوازي هناك إجراءات تم إقرارها في الحكومة مثل موضوع تسوية الأراضي الفلسطينية، وهو من أخطر القرارات التي اتخذها “الكابينيت” بهذا الخصوص، والذي يتم بموجبه نقل ملف تسوية أراضي الضفة الغربية من السلطة الفلسطينية إلى الإدارة المدنية، وهو قرار جاء تطبيقًا للاتفاقات الائتلافية مع سموتريتش، وسيتم بموجبه سحب صلاحية تسجيل الأراضي في الضفة الغربية من السلطة الفلسطينية وإسناده إلى الإدارة المدنية التي أصبح يسيطر عليها المستوطنون.
فكما هو معروف أن الإدارة المدنية هي جزء من هيكلية وزارة الجيش، وأهم قسم في الإدارة المدنية هو التخطيط، حيث تُسند إليه صلاحية إقرار إقامة مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة، بالإضافة إلى تحديد ومنع البناء الفلسطيني، وقد كان في السابق (قبل قدوم هذه الحكومة) وزير الجيش هو صاحب صلاحية البت في أي مخطط هيكلي، حيث تُشترط موافقته قبل رفعه إلى مجلس التخطيط الأعلى.
ما حدث بعد تشكيل هذه الحكومة أنه جرى إزاحة وزارة الجيش عن موضوع التخطيط ومنحه بشكل كامل لسموتريتش كوزير مسؤول عن إدارة الاستيطان في وزارة الجيش، وبالتالي أصبح سموتريتش قادرًا على توسيع المستوطنات دون موافقة وزارة الجيش، حيث أصبح، بموجب الاتفاق الذي جرى بينه وبين وزير الجيش السابق يوآف غالانت على تقسيم الصلاحيات، يمتلك صلاحية مطلقة في توسيع المستوطنات القائمة وإقامة بؤر استيطانية جديدة دون الرجوع إلى وزير الجيش أو إلى المستوى السياسي.
“عرب 48”: لقد جرى التذرع بهجوم السابع من أكتوبر لإقامة ما يسمى بـ “مناطق عازلة” حول المستوطنات ووضع اليد على آلاف الدونمات؟
داوود: المناطق العازلة جاءت في إطار أوامر وضع اليد على الأراضي لأغراض عسكرية وكوسيلة من وسائل السيطرة على الأرض، فقد كانت المناطق العسكرية قائمة دائمًا عندما يأتي الجيش ويدّعي أن هناك حجة أمنية للسيطرة على هذه الأراضي، لكن بعد السابع من أكتوبر ادعوا أنهم يريدون إقامة “مناطق عازلة” حول المستوطنات كي لا يتكرر في الضفة ما حدث في غزة.
وقد بدأنا نرى، في ضوء ذلك، نمطًا جديدًا من المناطق العسكرية يكون على شكل دائرة تحيط بالمستوطنة وتمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مئات الدونمات وتمهّد للسيطرة عليها مستقبلًا. ومنذ بداية الحرب وحتى الآن صدر 25 أمرًا عسكريًا بإقامة 25 منطقة عازلة تصل مساحتها إلى آلاف الدونمات وتشمل أراضي خاصة يُمنع أصحابها من الوصول إليها.
“عرب 48”: هناك حديث عن نزع صلاحيات السلطة الفلسطينية عن مناطق “ب” أيضًا؟
داوود: لقد جرى بالفعل نزع هذه الصلاحية في بعض المناطق، حيث قررت الحكومة الإسرائيلية، من خلال مجلس “الكابينيت” في 28 حزيران/ يونيو 2024، سحب صلاحيات التنفيذ من السلطة الفلسطينية في صحراء القدس (تُصنَّف بالمنطقة “ب”) التي تصل مساحتها إلى 167 كلم²، بما يعادل 3% من مجمل مساحة الضفة الغربية، والشروع في إجراءات هدم “البناء الفلسطيني المتنامي” هناك.
ويُعتبر هذا قرارًا آخر، لكنه الأهم، في سياق سحب الصلاحيات من السلطة الفلسطينية، و”استعادة” بالتدريج للسيادة الإسرائيلية على مناطق تم نقلها إلى الحكم الذاتي الفلسطيني في سياق اتفاق أوسلو. ومنذ ذلك الحين، وبحسب بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وزعت سلطات الاحتلال ما يزيد على 30 إخطارًا بهدم مبانٍ فلسطينية في منطقة المحمية الطبيعية بحجة منع البناء في تلك المنطقة، وتشير تقارير وخرائط إسرائيلية كُشف النقاب عنها إلى أن عدد المباني المهددة بالهدم في هذه المنطقة يصل إلى 3000 منشأة.
“عرب 48”: نستطيع القول إنه استنادًا إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة له، قام سموتريتش باتخاذ إجراءات غيرت من الطبيعة القانونية للوضع في الضفة الغربية؟
داوود: هي لم تُغيّر بشكل كامل، لكنها في طريقها لإحداث مثل هذا التغيير الجوهري. ومن الخطوات التي قام بها استحداث منصب نائب رئيس الإدارة المدنية، وهو منصب لم يكن قائمًا في السابق، وتعيين مستوطن يعمل في مجلس مستوطنات شومرون لشغله، ورغم أن النائب المذكور يُفترض أن يخضع لسلطة الجيش إلا أنه فعليًا يخضع لسموتريتش.
“عرب 48”: ظروف الحرب التي سادت بعد السابع من أكتوبر كانت بمثابة هدية للصهيونية الدينية، التي نجحت خلالها في تنفيذ جميع البنود التي نصت عليها الاتفاقية الائتلافية وتمرير مخططاتها الاستيطانية تحت دخانها، وبضمنها إخلاء مناطق “ج” التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية والمرشحة حسب خطة سموتريتش للضم أولًا، وإحكام السيطرة الاستيطانية عليها؟
داوود: صحيح، وقد جاء تهجير الفلسطينيين من هذه المناطق بواسطة إطلاق العنان لعصابات المستوطنين المسماة “شبيبة التلال”، في تنفيذ عمليات التخريب والقتل والاعتداء على ممتلكات الفلسطينيين الذين يسكنون هذه المناطق ومصادرة وتسميم مواشيهم. وبعد أن فشلت الحكومة في تنفيذ مخططات التهجير عبر الأوامر العسكرية والمحاكم والإغراءات، لجأت إلى عصابات المستوطنين لتنفيذ اعتداءات وفرض بيئة مضطربة تفضي إلى التهجير.