تحقيقات وتقاريررئيسي

البرنامج الإصلاحي لمخيمي نور شمس وطولكرم: تحقيق صحفي شامل عن مأساة النزوح القسري ومقترحات الحلّ

البرنامج الإصلاحي لمخيمي نور شمس وطولكرم: تحقيق صحفي شامل عن مأساة النزوح القسري ومقترحات الحلّ

 

إعداد وتقرير: د. شرين الناجي

تاريخ الإعداد: 1 ديسمبر 2025

 

مقدّمة

 

تشهد مخيمات نور شمس وطولكرم شمال الضفة الغربية منذ بداية عام 2025 موجة تهجير ونزوح قسري واسعة، نتيجة عمليات عسكرية وهدم واسع للمباني والبنية التحتية، أدّت إلى نزوح عشرات آلاف اللاجئين من بيوتهم. يأتي هذا التقرير لتوثيق حجم الكارثة، عرض الأرقام الرسمية من “UNRWA” وتقارير حقوق الإنسان، وتقديم توصيات إصلاحية شاملة لحماية السكان وتحقيق العدالة واستعادة الحياة الكريمة داخل المخيمين.

خلفية المخيمين — قبل الحرب والتدمير

مخيم نور شمس

تأسس في العام 1952 كمخيم للاجئين بعد النكبة.

مساحته حوالي 0.21 كيلومتر مربع.

 

حسب بيانات UNRWA، عدد اللاجئين المسجلين قبل الأزمة وصل إلى نحو 13,739 لاجئًا.

 

المخيم يضم مرافق أساسية: مدرستان، مركز صحي، ومركز توزيع مساعدات.

 

قبل العملية الأخيرة، كان المخيم يعاني من الاكتظاظ، ضعف البنية التحتية، مشاكل في الصرف الصحي، وقلة فرص التشغيل.

 

مخيم طولكرم

 

تأسس عام 1950، ويقع في مدينة طولكرم على مساحة نحو 0.18 كيلومتر مربع.

بحسب آخر إحصاءات UNRWA، عدد اللاجئين المسجلين في المخيم حوالى 21,500.

 

المخيم يُعد من الأكثر كثافة سكانية في الضفة الغربية، ويواجه بطالة عالية، بنية تحتية مهترئة وشبكات صرف صحي القديمة والمتعبة.

 

المخيم يضم عدة مدارس ومركز صحي، لكن البنية التحتية لم تكن كافية لتلبية احتياجات السكان قبل التدمير.

 

حجم الدمار والنزوح — 2025: كارثة إنسانية موثقة

 

بحسب تقرير حديث صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأراضي الفلسطينية المحتلة (OCHA) بالتعاون مع UNRWA، في مخيم نور شمس تكوّن نتائج تقييم الأضرار من 147 مبنى دُمّرت بالكامل، 37 متضرّرة بشدة، و198 متوسطة — أي مجموع 382 مبنى (حوالي 48٪ من المباني في المخيم) تعرضت للتدمير أو الأضرار.

 

في مخيم طولكرم، سُجّل 254 مبنى دُمرت كليًا، و52 تضررت بشدة، و96 بشكل متوسط — أي مجموع 402 مبنى (نحو 36٪ من مباني المخيم).

 

نتيجة لذلك، تؤكد UNRWA أن منذ بداية 2025 وحتى آذار/سبتمبر، تم تسجيل نزوح ما لا يقل عن 31,919 لاجئًا فلسطينيًا من مخيمات جنين، طولكرم، ونور شمس — أكبر أزمة نزوح جماعي من المخيمات منذ 1967.

 

من هذا العدد، يشمل النزوح نحو 20,154 شخصًا من مخيمي طولكرم ونور شمس نتيجة العمليات العسكرية والهدم.

 

وفق تقرير حقوقي دولي صادر في 20 نوفمبر 2025 عن Human Rights Watch (HRW)، في مخيم نور شمس “تم تدمير أكثر من 170 مبنى” كجزء مما وصفته التقرير بأنه “نزوح قسري جماعي” ضمن عملية عسكرية.

 

التقرير يُبرز أن كثيرًا من المنازل المهدّمة كانت مأهولة، ولم تُعرض بدائل ملائمة للسكن، ما يعكس انتهاكًا لالتزامات الاحتلال بموجب القانون الدولي تجاه حماية السكان المدنيين.

 

نتيجة للنزوح والهدم، توقفت خدمات أساسية داخل المخيمين: المدارس، المراكز الصحية، مرافق الصرف الصحي، ما أخرج المخيمين من الشبكة الطبيعية للحياة المدنية.

 

تقييم الوضع: لماذا المخيمان أصبحا “غير صالحين للسكن”؟

 

دمار واسع للبنية التحتية: ما يقارب نصف مباني نور شمس وثُلث إلى ربع مباني طولكرم تعرضت للهدم أو التلف الشديد.

 

نزوح جماعي وغير مؤقت: ما يزيد عن 20 ألف لاجئ نزحوا من المخيمين، بعضهم قد لا يعود — ما يهدد النسيج المجتمعي والتركيبة الديموغرافية للمخيمات.

 

انقطاع الخدمات الأساسية: تدمير المدارس، المراكز الصحية، شبكات الصرف والمرافق يدفع عملية تهجير فعلي من داخل المخيمين.

 

خطر التهميش الدائم: مع استمرار النزوح وغياب التعويضات أو إعادة الإعمار، قد يؤدي هذا إلى تفريغ المخيمين من سكانهما الأصليين، وهدم هوية المخيم كمرفق للاجئين.

 

انتهاك للقانون الدولي: حسب تقارير حقوق الإنسان، هذا النزوح والتهجير القسري، وتدمير المساكن دون بدائل مناسبة، قد يُشكّل خرقًا لالتزامات الدول المحتلة في حماية المدنيين وحقهم في السكن الكريم والعودة.

 

مقترحات وخطة إصلاح: ما يجب فعله الآن

 

بموجب هذه المعطيات — وتحرّقًا على حق اللاجئين في السكن والكرامة والعدالة — أضع أمام الرأي العام المحلي والدولي التصور الآتي كخطة إصلاحية عاجلة تحت شعار “استعادة المخيم — حماية الحق — ضمان العدالة”:

 

  1. دعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية — عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن — لتوثيق جميع حالات الهدم والنزوح لفهم إذا ما كانت تنطوي على نزوح قسري ممنهج.

 

  1. تسجيل النازحين كضحايا نزوح قسري — ضمن قواعد حماية حقوق اللاجئين، وضمان حصولهم على تعويض عادل، بدائل سكنية مؤقتة أو دائمة، وتعويض عيني ومادي.

 

  1. إعادة بناء البنية التحتية بشكل عاجل — منازل، شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي، مدارس ومراكز صحية — عبر دعم دولي ومحلي، وتعاون مع UNRWA والمجتمع المدني.

 

  1. ضمان عودة آمنة وكريمة للسكان الأصليين — دون شروط تعسفية، ومع مشاركة السكان أنفسهم في التخطيط لإعادة الإعمار وتصميم المخيمين بما يحترم كرامتهم وحقوقهم.
  2. برنامج حماية اجتماعية ونفسية شاملة — خاصة للأطفال والنساء واللاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتجاوز الصدمة النفسية والوضع الإنساني الطارئ.

 

 

  1. آلية مؤسساتية لمتابعة التنفيذ والمساءلة — بمشاركة المجتمع المدني، الهيئات الحقوقية، والجهات الدولية، لضمان شفافية التنفيذ وعدم تكرار الانتهاكات.

 

 

  1. ضغط دولي وروح تضامنية عبر المجتمع الدولي — إعلاميًا وسياسيًا — لوضع حد لهذا التهجير القسري، واستعادة حق المخيم كمأوى للاجئين الفلسطينيين.

 

خاتمة

 

ما يجري في مخيمي نور شمس وطولكرم اليوم ليس مجرّد تداعيات أمنية أو حرب — بل هو تهجير قسري مأساوي، وتدمير ممنهج لحياة شعب بأكملها. الأرقام من UNRWA وتقارير حقوقية دولية تكشف عمق الكارثة: آلاف منازل صُودرت، عشرات آلاف أُجبروا على ترك بيوتهم، خدمات أساسية دُمّرت، ومستقبل مجهول لأجيال بدأت حياتها في المخيمين.

 

دون تحرّك دولي حاسم، دون إعادة بناء جدية، ودون ضمانات قانونية ومجتمعية قوية، ستبقى مخيمات اللاجئين ـــ في أعين العالم ـــ مجرد رماد لذكرى مأساة.

 

لذلك، أطالب — باسم الضمير الفلسطيني وقيم العدالة الإنسانية — بأن تُترجم هذه التوصيات إلى واقع ملموس، فورًا، قبل أن تتحول المخيمات إلى أطلال بلا أهل، وإلى جرح دائم في ذاكرة الشعب الفلسطيني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب