صحيفة إسرائيلية: تدخلُ تركيا غزة من الباب الأمامي وتسعى للمشاركة في إدارتها

صحيفة إسرائيلية: تدخلُ تركيا غزة من الباب الأمامي وتسعى للمشاركة في إدارتها
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصحافيين أول أمس: “تحاول تركيا أن تشرح لحماس النهج الأمثل لمستقبل الدولة الفلسطينية”. وأضاف أردوغان، الذي عاد من زيارة إلى أذربيجان، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلب منه إقناع حماس بقبول خطته المكونة من عشرين نقطة لإنهاء الحرب في غزة.
“الشرح” و”الإقناع” هما المصطلحان اللذان يستخدمهما أردوغان غالبا عند الحديث عن جهود الوساطة التي يبذلها، وليس فقط مع حماس.
وعلى عكس سلوكه العنيف تجاه خصومه المحليين وحربه مع أعداء تركيا، فإن “الضغط” و”التهديد” غير مُدرَجَين في قاموسه الدبلوماسي، إذ إنه، كما في مبادرات الوساطة التركية السابقة التي بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، يُقدّم نفسه كشريك في الأعمال السياسية. ويرى أردوغان أن هذه الجهود يجب أن تتم “بالتنسيق والتفاهم والمرونة”. ويبدو أن تركيا تمتلك عدة أدوات ضغط يمكنها استخدامها ضد حماس، إذ يعيش في تركيا عدد من كبار مسؤولي حماس الذين يحملون جوازات سفر تركية، بل إن بعضهم يمتلك شققا وممتلكات أخرى.
ويعيش في تركيا أيضا عدد من أسرى حماس المُفرَج عنهم في صفقة شاليط. علاوة على ذلك، تمتلك حماس بُنيةً تحتيةً مالية واسعة – تلك التي أنشأها صالح العاروري عندما كان يقيم في إسطنبول وقبل نفيه منها عام 2015 – تشمل شركات مدرجة في البورصة التركية.
وكاد نشاط هذه البنية التحتية أن يُضيف تركيا إلى القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)، وهي منظمة أنشأتها دولُ مجموعة السبع لمكافحة غسل الأموال والإرهاب الاقتصادي.
عندما طرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن العام 2024 إمكانية طرد قادة حماس من قطر إلى دولة أخرى، مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، سارع ممثلو الحركة إلى البحث عن أماكن لإيوائهم في تركيا أو سوريا. اقتنعت واشنطن في النهاية بحجة قطر القائلة بأن وجود أعضاء حماس في الدوحة يخدِمُ جهود الوساطة التي تبذلها، وأن طردهم سيزيدُ من صعوبة التواصل معهم.
لا تخشى تركيا طردَ النشطاء السياسيين الأجانب عندما تقتضي مصالحها ذلك. فمنذ العام 2022، عندما بدأت محاولات استعادة العلاقات المصرية التركية، فرضت أنقرة قيودا على أنشطة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الأم لحماس.
أمرتهم بإغلاق محطتهم التلفزيونية ووقف جميع أنشطتهم السياسية، بل رحّلت نحو إثني عشر ناشطا إلى مصر بناءً على طلب القاهرة – طُرد آخرهم، محمد عبد الحافظ، في تموز/يوليو – بهدف استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
لكن الأمر مختلفٌ مع حماس، إذ أن تركيا الآن تحمل قبعتين: في الأولى، طلبَ منها ترامب، بالتعاون مع مصر وقطر، استكمالَ صياغة الاتفاق مع إسرائيل وتوقيعِه على حماس. وفي الثانية، تطلبُ حماس منها ضماناتٍ لتنفيذ الاتفاق بجميع بنوده – سواءً في مرحلة وقف إطلاق النار، وإعادة الرهائن والإفراج عن الأسرى، أم في المرحلة الثانية، التي يُفترض فيها تسليمُ غزة إلى إدارة دولية بتعاون فلسطيني وبمساعدة قوة متعددة الجنسيات لم يُحدد تشكيلها بعد.
وهكذا، تجدُ تركيا نفسها مُجددا في موقعها المفضل – مبعوثا ووسيطا للأطراف المتنازعة في آنٍ واحد.
هذه المرة، تتوسط تركيا بين حماس الولايات المتحدة (ومعها إسرائيل بشكل غير مباشر) ، وهي مُلزمة بأن تُعتبر “وسيطا عادلا” مع كليهما.
يُذكرنا هذا الموقف إلى حد كبير بالطريقة التي أدارت بها المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا العام 2022، والتي أسفرت عن “اتفاقية القمح”.
وفي هذا الصدد أيضا، تم اعتبارها “وسيطا عادلا”، لأنه على الرغم من كونها عضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي قدّم طائرات بدون طيار لأوكرانيا، إلا أنها لم تُطبّق العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا.
عندما يكون هذا هو النهج الدبلوماسي التركي، فلا داع ٍ لانتظار تهديدات أو ضغوط شديدة من تركيا على حماس.
تركيا التي استُبعدت إلى حد كبير بأوامر إسرائيلية من أي تدخل في “القضية الفلسطينية” قبل الحرب وبعدها، لم تعد الآن شريكا في جهود الوساطة فحسب، بل تتطلع إلى أن تكون شريكا في إدارة غزة بعد الحرب، وهذا يُمثل أيضا وعدا لحماس. فرغم انضمام تركيا إلى قرارات المؤتمر العربي الإسلامي الذي قادته السعودية، والذي يقضي بخروج حماس من الحكومة في غزة وإلزامها بنزع سلاحها، إلا أنها قد تكونُ العاملَ الحاسمَ في الحفاظ على وجود الحركة ، كحركة سياسية.
تكمن مساهمة تركيا المهمة في دفع عجلة الاتفاق، في تَوقُّع حماس أن ينتزع أردوغان، بفضل علاقاته الوثيقة مع ترامب، من الرئيس تنازلات إضافية من إسرائيل، والتزاما صريحا أو ربما مكتوبا بعدم العودة إلى الحرب بعد عودة جميع الرهائن، والانسحاب من قطاع غزة وفقا لخطة متفق عليها مسبقا وجدول زمني محدد.
في هذا الصدد، يختلف موقف تركيا عن موقف مصر وقطر، إذ يحظى أردوغان بـ”إشادات وعناق” من ترامب، ويحمل بين يديه “مكاسب سياسية” يهتم بها الرئيس الأمريكي، مثل استقرار سوريا، وخفض مشتريات الغاز من روسيا، وشراء طائرات بوينغ وإف-16.
في المقابل، لم يزر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي البيت الأبيضَ منذ نيسان/أبريل 2019. وكان قد أرجأ الزيارة المقررة في شباط/ فبراير من هذا العام بسبب غضبه من “خطة ريفييرا” التي نشرها ترامب، والتي اعتبرها (السيسي) تهديدا للأمن القومي المصري. ورغم أن ترامب أعرب عن تقديره لـ “ديكتاتوره المفضل” في مناسبات عدة، إلا أن العلاقات بين البلدين بعيدة كل البعد عن الدفء.
أما قطر، وبحُكم تعريفها، “حليفا كبيرا ليس عضوا في حلف شمال الأطلسي”، ويُعتبر حاكمها، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، صديقا مقربا لترامب وشريكا تجاريا للعائلة، فيبدو أن حماس لم تقتنع حتى الآن بقدرة قطر على منحها الضمانات التي تطلبها من الولايات المتحدة.
وبالمناسبة، فإن جهود حماس لتعبئة تركيا ليست جديدة. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، حاولت حماس استغلال نفوذ تركيا (لممارسة ضغط) على واشنطن عندما التقى رئيس مجلس شورى الحركة، محمد درويش، وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وقدّم له خطةً تضمنت إعادة جميع الرهائن مقابل إنهاء الحرب وانسحابا كاملا للجيش الإسرائيلي.
إلا أن الرئيس الأمريكي آنذاك كان جو بايدن، وقد أزالت معارضةُ إسرائيل للمقترح، بل وتدخُّل تركيا نفسه، الاقتراح من جدول الأعمال، ومع ذلك، لم تتوقف جهود حماس لتعبئة تركيا، فقد التقى درويش مرتين على الأقل هذا العام، في نيسان/أبريل وتموز/ يوليو ، بـ هاكان (فيدان) ورئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين، الذي يرأس حاليا الوفد التركي إلى محادثات شرم الشيخ.
وكان كالين، الذي خلف فيدان في رئاسة جهاز المخابرات الوطني (MIT) في حزيران/يونيو 2023، كبيرَ مستشاري أردوغان والمتحدثَ باسمه لسنوات، وهو يتمتع بخبرة واسعة في إدارة مفاوضات دبلوماسية وسياسية معقدة، بما في ذلك إرساء الصلة الدبلوماسية والعسكرية بين تركيا والرئيس السوري أحمد الشرع أيام قيادته لهيئة تحرير الشام، والمفاوضات مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، والتي انتهت بدعوة زعيم التنظيم، عبد الله أوجلان، إلى تفكيك التنظيم ونزع سلاحه.
كالين – الحاصل على دكتوراه من جامعة جورج تاون، وهو خبير في الفلسفة الإسلامية، وموسيقي محترف يعزف على آلة البلمة، وقد قدّم حفلات موسيقية، وأنتج ألبومات – مُطالبٌ الآن بـ “تأليف اللحن” الذي يمكنُ لحماس الانضمام إليه. ووفقا لتقارير من مصر ومحادثات مع مسؤولين في تركيا، تبدو فرص كالين في إتمام الاتفاق أفضل من أي وقت مضى.
تسفي برئيل
هآرتس – 10/10/2025




