
خطة ترامب الضبابية *
بقلم احمد ذيبان الربيع
من المؤكد أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب سيكون نجم قمة شرم الشيخ التي تعقد اليوم ، وعلى طريقة مراسم “اشهار الزواج في بلادنا “، سيتم خلال القمة ” اشهار خطة ترامب لانهاء الحرب على قطاع غزة” ، بعد عامين من حرب الابادة الجماعية التي يجمع المراقبون المستقلون ، أنها كانت حربا استثنائية في التاريخ الحديث من حيث أنها استهدفت المدنيين بشكل أساسي ، وكافة المرافق التي تقدم لهم الخدمة الأساسية ، من مستشفيات ومراكز صحية وصرف صحي ، وبلديات ومراكز ايواء ، ومدارس وجامعات ، وتوزيع المساعدات الانسانية من طعام وشراب ، وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية التي تلزم للبشر ..
خلال عامين عانى سكان قطاع غزة الأمرين من أهوال الحرب، التي لم يميز العدو خلالها بين الحجر والبشر ، وأمضى سكان القطاع العامين في النزوح من مكان الى أخر، حسب ما يطلب منهم جيش الاحتلال ، حرب أكلت الأخضر واليابس ، دمرت ما يقارب 80 بالمئة من منازل سكان القطاع ، وأسفرت عن استشهاد ما يقارب 70 ألف شخص ، وعشرة الاف مفقود وجرح ما يزيد عن 170 ألف شخص، وهذه أرقام أولية قابلة للزيادة ، حسب ما تعثر عليه فرق الدفاع المدني التي عانت من الانهاك الشديد، نتيجة لحجم المهام الهائلة الملقاة على كاهلها طيلة فترة الحرب!
وعودة الى خطة ترامب التي يكتنفها الغموض ويمكن وصفها ب”الضبابية” ، ذلك أن العديد من بنودها ال 21 ملتبسة وقابلة للتفسير المتعدد الأوجه ، حتى البند الأول في الخطة وهو الأهم ،كما يبدو المتعلق بالافراج عن الأسرى الاسرائيليين وعددهم 20 على قيد الحياة بالاضافة الى 28 في عداد الأموات ، بمقابل التزام اسرائيلي بالافراج عن 250 أسير فلسطيني من أصحاب الأحكام المؤبدة ،تم تخفيض العدد الى حوالي 190 بسبب اعتراضات قدمتها عائلات اسرائيلية ، بالاضافة الى نحو 1700 شخص اعتقلتهم قوات الاحتلال بعد 7 اكتوبر – تشرين الأول 2023 نتيجة لعملية طوفان الأقصى ، ويبدو هذا البند أشبه بقنبلة موقوتة وثمة شكوك بأن الحكومة الاسرائيلية ستعود لشن الحرب، بعد أن يتم الافراج عن الأسرى الاسرائيليين الأحياء منهم والأموات !
لا شك أن أهل قطاع غزة متعشطون لوقف الحرب ،حيث صبروا “صبرا لا تحتمله الجبال ” ، خلال عامين من حرب وحشية هي عبارة عن محرقة ، أسميتها في كتابي الأخير ” غزة .. الكارثة والبطولة “، ردا على السردية الصهيونية التي لا تزال تتاجر بقصة المحرقة النازية ، المشكوك في عدد الستة ملايين يهودي التي تزعم الحركة الصهيونية، أنهم قتلوا على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية ..
في ضوء ذلك تبدو خطة ترامب رغم غموض العديد من بنودها، ” مجرد خطوة أولى نحو سلام أكثر استدامة ” وكما يعلن ترامب أنه بداية سلام في الشرق الأوسط كاملا ، لا أحد يعرف كيف سيكون ذلك ؟
ولا تزال تفاصيل نزع سلاح حماس، وحكم غزة، والانسحاب الإسرائيلي الكامل قيد التفاوض ، ولكن إذا صمد هذا الاتفاق، فقد يكون إنجاز ترامب الأبرز في ولايته الثانية ، إنجازاً لم يحققه بايدن وفريقه الدبلوماسي .
بعد تجارب مرة بين سلطات الاحتلال وممثلي الشعب الفلسطيني ، ليس هناك ثقة بما يقوله ويصرح به قادة دولة الاحتلال ، حتى الاسرائيليين يصفون رئيس وزرائهم بالكذاب وبدا ذلك واضحا ، عندما التقى المبعوث الاميركي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنير زوج ابنته إيفانكا ، تجمع كبير لعائلات الاسرى الاسرائيليين وأصدقائهم والمتضامنين معهم ، عندما ذكر ويتكوف اسم نتنياهو ضج التجمع بالصراخ مرات عديدة ، وبدا واضحا أنهم كانوا يشتمون نتنياهو ويصفونه بالكذاب ، ويحملونه مسؤولية عملية 7 اكتوبر 2023 التي أسمتها المقاومة الفلسطينية “طوفان الأقصى” !
وغاب عن خطة ترامب أيضا ويبدو أنه بشكل متعمد ، الحديث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني على حدود 4 حزيران عام 1967 !
وهذا يتشكل جوهر القضية الفلسطينية التي سقط من أجلها آلاف الشهداء ، طيلة عشرات السنين من مسيرة النضال الفلسطيني المسلح ، وحتى الأيام الأخيرة من حرب غزة ، وليس واضحا بعد هل ستجدد الحرب العدوانية على قطاع غزة وبشكل أقل وحشية على الضفة الغربية ، التي تسميها “يهودا والسامرة “(بالعبرية: מחוז יהודה ושומרון) ، وهو مصطلح إسرائيلي رسمي توراتي و تعتبر دولة الاحتلال الضفة أهم من غزة ، لكونها أرضا خصبة للتوسع الاستيطاني وابتلاع الأراضي الفلسطينية ، بل والتخطيط لضمها الى دولة الاحتلال !
المصدر :الرأي الاردنية