أوبزيرفر: الفرحة غامرة بوقف إطلاق النار والآمال كبيرة لكن كيف ستتحقق؟

أوبزيرفر: الفرحة غامرة بوقف إطلاق النار والآمال كبيرة لكن كيف ستتحقق؟
نشرت صحيفة “أوزيرفر” البريطانية تقريرا أعده ستيف بلومفيلد قال فيه إن اتفاقية السلام بين إسرائيل وحماس تمثل بداية معقدة لإعادة بناء غزة، في وقت لا يزال في إسرائيل من يعارض الدولة الفلسطينية.
وقال إنه لا يمكن إنكار الشعور بالارتياح والابتهاج الأوليين بإعلان اتفاق وقف إطلاق النار. وسيعود الأسرى المتبقون إلى عائلاتهم وسيتوقف القصف اليومي على غزة، وسيتم إطلاق سراح 1700 فلسطيني محتجز لدى إسرائيل دون محاكمة.
ويعتقد كل من بنيامين نتنياهو وقيادة حماس الآن أن التوصل إلى اتفاق أفضل من استمرار الحرب.
ومع ذلك، يأتي عبء الأمل، يتشارك الإسرائيليون والفلسطينيون والمجتمع الدولي هذه الأعباء. وهي تشمل الجوانب العملية: هل ستسمح إسرائيل بدخول جميع المساعدات الموعودة؟ من سيطبق وقف إطلاق النار؟ كيف ستدار غزة؟ والأعباء تشمل أيضا الجوانب الوجودية: ما مصير إسرائيل؟ هل ستقام دولة فلسطينية يوما ما؟ وهل سيأتي يوم الحساب؟
وتقول الصحيفة إن هذا هو اتفاق وقف إطلاق النار الثالث منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث انهار آخر وقف، استمر شهرين، في آذار/مارس من هذا العام بعد إطلاق سراح عدد الأسرى المتفق عليه وقبل الانتقال إلى الأجزاء الأكثر تعقيدا من الاتفاق. فقد انتهك نتنياهو الاتفاق، ثم فرض حصارا على غزة قالت الأمم المتحدة إنه أدى إلى مجاعة في مدينة غزة وخارجها. ونقلت الصحيفة عن محمد شحادة، الزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “لقد مهد الطريق إلى الإبادة الجماعية بوقف إطلاق النار الموقع ولم ينفذ”.
هناك العديد من نقاط الضعف المحتملة هذه المرة، حيث تحدثت نسخة مبكرة من خطة ترامب للسلام فقط عن نزع سلاح حماس الهجومي، فيما تنص النسخة الموقعة الأسبوع الماضي على أنه “سيتم تدمير جميع البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية”
ويضيف بلومفيلد أن هناك العديد من نقاط الضعف المحتملة هذه المرة، حيث تحدثت نسخة مبكرة من خطة ترامب للسلام فقط عن نزع سلاح حماس الهجومي، فيما تنص النسخة الموقعة الأسبوع الماضي على أنه “سيتم تدمير جميع البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ولن يعاد بناؤها”، كما لا يوجد اتفاق على كيفية الحكم على ذلك، مما قد يسمح لإسرائيل بالادعاء بأن حماس انتهكت شروط الاتفاق.
وتظل المساعدات قضية أخرى أقل وضوحا مما تشير إليه الخطة. فقد كان هناك 170 ألف طن متري موجودة بالفعل في الأردن ومصر جاهزة لعبور الحدود حالا. وبموجب شروط الاتفاق، من المفترض أن تدخل 600 شاحنة مساعدات إلى غزة يوميا. وبالنظر إلى أن غزة كانت تحتاج قبل الحرب 500 شاحنة في اليوم، وكان لديها اقتصاد وقطاع زراعي فعالان، فهناك مخاوف مفهومة من أن هذا لن يكون كافيا. وبخاصة مع زيادة احتياجات سكان يعانون من المجاعة، حيث دمرت جميع مرافق الرعاية الطبية والبنية التحتية الأساسية تقريبا.
كما ولا يوجد أمل كبير في الوصول إلى هذا الرقم، حيث يقول أمجد عراقي، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية: “لدى إسرائيل سجل طويل من القيود المختلفة”، و”في أي وقت، يمكن لإسرائيل أن تضيق الخناق أو توقف الشاحنات”.
وادعى دونالد ترامب أن غزة سيديرها “مجلس سلام”، سيرأسه وسيضم أيضا رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. وهو ما لم يلق استحسانا لدى الفلسطينيين. قال العراقي: “إنهم ينشئون وسيطا لإدارة الاحتلال الإسرائيلي، إنه بناء استعماري جديد”.
وهناك تحديات أخرى في محاولة تحديد من سيشارك من الفلسطينيين. وافقت حماس على عدم الاضطلاع بدور رسمي، لكنها ستبقى وسيطا مؤثرا، ولو لمجرد احتفاظها ببنية تحتية في غزة. في الوقت نفسه، ليس للسلطة الفلسطينية، على الرغم من دعم المجتمع الدولي لها إلى حد ما، أي وجود، ولديها دعم محدود داخل غزة. ويعلق خالد الجندي، الباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون: “لا يقلقني أن حماس ستحاول التشبث بالسلطة، بل أن [الرئيس الفلسطيني] محمود عباس وقيادته سيحاولون التسلل إلى غزة واحتكار الحوار”. وأضاف قائلا: “إذا كانت هناك لحظة سانحة للفصائل الفلسطينية المتنافسة والمجتمع المدني للالتقاء، فهذه هي اللحظة” و”الفلسطينيون وحدهم هم من يضعون مصالحهم نصب أعينهم”.
ثم هناك السياسة الداخلية الإسرائيلية، فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يكافح بنيامين نتنياهو من أجل بقائه السياسي، واتخذ قرارات لا تتعلق بالمساعدة في تحقيق أهداف الحرب، بقدر ما تعزز من فرصة الحفاظ على ائتلافه والبقاء في السلطة. وسيتم إجراء الانتخابات خلال الـ 12 شهرا القادمة، ولكن يمكن إجراؤها في وقت أقرب.
ويقول يوسي ميكلبيرغ من تشاتام هاوس في لندن: “تبدأ الحملة الانتخابية لحظة عودة الأسرى“. وسيواجه نتنياهو تحديات من أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين سيتهمانه بالخيانة، حيث صوت كلاهما ضد وقف إطلاق النار. وسيضطر نتنياهو أيضا إلى مواجهة حزب جديد مكون من جنود احتياط سابقين غاضبين من طريقة إدارة الحرب.
وقال ميكلبيرغ إن الحملة الانتخابية ستكون “قبيحة، قبيحة للغاية”. ومن المرجح أيضا أن تخلو من الأفكار الجديدة، فلن يدعو أي حزب رئيسي إلى حل الدولتين، ولن يعبر أي حزب عن استعداد للمشاركة في ائتلاف مع حزب يمثل الفلسطينيين الإسرائيليين. ولو أُجريت انتخابات اليوم، فمن المرجح أن يفقد نتنياهو السلطة (وكذلك سموتريتش وبن غفير)، حيث أشار استطلاع رأي أجرته صحيفة “معاريف” الأسبوع الماضي إلى أنه سيفوز بـ 27 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست.
لو أُجريت انتخابات اليوم، فمن المرجح أن يفقد نتنياهو السلطة (وكذلك سموتريتش وبن غفير)، حيث أشار استطلاع رأي أجرته صحيفة “معاريف” الأسبوع الماضي إلى أنه سيفوز بـ 27 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست
ويأمل نتنياهو أن تعزز عودة الأسرى شعبيته. لكنه يخشى أيضا أن يتجه الاهتمام في إسرائيل أخيرا نحو التحقيق الموعود منذ فترة طويلة في فشل الدولة في منع هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو تحقيق من شأنه أن يضع نتنياهو نفسه في قفص الاتهام بقدر ما يضع الجيش والأجهزة الأمنية. وسقط كل من مدير جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) ورئيس الأركان بسبب الهجمات.
وهناك موقف الدول العربية، خاصة المعنية بغزة وفلسطين. فقد عبرت هذه الدول عن غضبها من الغارة الإسرائيلية على فريق حماس التفاوضي في العاصمة القطرية الدوحة، ويعتقد أنها أحد الأسباب التي دفعت لاتفاق وقف إطلاق النار. وقال العراقي: “شعر جميع قادة الخليج أنهم [الإسرائيليون] تجاوزوا الحدود”. وفي اجتماع على هامش الأمم المتحدة، عبروا عن مواقفهم لترامب، الذي أجبر نتنياهو على الاتصال بأمير قطر للاعتذار. وقد كان هذا الجزء السهل، لأن “جميع الدول العربية منقسمة بشأن ما يجب فعله تاليا بشأن غزة وعلاقاتها مع إسرائيل” كما يقول.
فقادة الدول العربية يريدون الاستقرار أكثر من أي شيء آخر، لكن التحديات تنتظرهم. ومن المرجح أن يمولوا بعض أعمال إعادة الإعمار، لكن العملية ستكون طويلة وممتدة. وقال العراقي: “إعادة الإعمار فرصة تجارية كبيرة، إنهم يتصورون ريفييرا غزة على غرار الخليج، ولكن خارج السيطرة الفلسطينية وهذا يثير مخاوف أكثر من الأمل”.
وعلق الجندي قائلا: “يقول بعض الخبراء إن إزالة الأنقاض ستستغرق 15 عاما، أين سيعيش الناس في هذه الأثناء؟” وتستعد مصر وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة للمشاركة في قوة استقرار دولية ستضم أيضا 200 جندي أمريكي. ولا يزال دورهم غير واضح وفيما إن كانوا سيعملون من غزة أم لا.
وأضاف الجندي: “الأمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لهم. فهم لا يريدون أن ينظر إليهم كقوة احتلال، والأسوأ من ذلك، أن يقوموا بعمل ما تفعله قوى الاحتلال القديمة، أي ممارسة الأعمال القذرة”. وبعد أن اقترح ترامب لأول مرة خطته “ريفييرا غزة”، التي وصفها المراقبون بأنها خطة للتطهير العرقي، اقترحت الدول العربية خطة بديلة “لليوم التالي”. وتساءل الجندي: “أين هذه الخطة الآن؟ لديهم خطة رسمية، هل تخلوا عنها”.
وبنفس المثابة لم يعد التطبيع بين إسرائيل والسعودية مطروحا. وقال الدكتور إتش إيه هيلير، الزميل البارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: “الرياض ليست مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل”. ولم تعد إيران تشكل الخطر الذي قيمه السعوديون عندما كانوا يتجهون نحو التطبيع. علاوة على ذلك، يحصل السعوديون على الكثير مما يريدونه من الولايات المتحدة دون الحاجة إلى التطبيع. وأخيرا، يعد التطبيع مع حكومة إسرائيلية متطرفة كهذه عبئا أكثر منه ميزة.
لطالما كان هدف إسرائيل الكبرى إعادة توحيد ما يصفونه بيهودا والسامرة مع دولة إسرائيل الحالية
وبعيدا عن غزة، فماذا سيحدث للضفة الغربية التي يسعى اليمين المتطرف لضمها. ولطالما كان هدف إسرائيل الكبرى إعادة توحيد ما يصفونه بيهودا والسامرة مع دولة إسرائيل الحالية. وأعلن سموتريتش في آب/أغسطس عن بناء 3,000 وحدة سكنية من شأنها أن تفصل الضفة الغربية عن القدس الشرقية، وهو أمر قال إنه “سيدفن فكرة الدولة الفلسطينية”. ويرى دانيال ليفي، المفاوض الإسرائيلي السابق الذي يقود الآن مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط: “الضم قائم، لقد تحرك أبعد وأسرع من أي وقت مضى في التاريخ الحديث”.
وقد غابت الضفة الغربية عن خطة ترامب، حيث قال الجندي: “إنها غائبة عمدا لأنها مركز مشروع إسرائيل الكبرى. والمقايضة التي يقدمها نتنياهو لشركائه في الائتلاف هي: كان علينا التخلي عن غزة، ولن نطرد سكانها ونعيد توطينهم كما تريدون، لكننا سنستولي على الضفة الغربية”. ويوافق العراقي على ذلك، حيث قال “سنشهد عنفا عسكريا وعنفا من المستوطنين وتهويدا للضفة الغربية. ويروج سموتريتش لفكرة ضم 82% من الأراضي، وليس هناك ما يمنعه”.
وإذا حاول ذلك، فمن المرجح أن يحظى بدعم إدارة ترامب التي يعد مبعوثها إلى إسرائيل، مايك هاكابي، من أشد المؤيدين لفكرة إسرائيل الكبرى. ومن الجوانب المدهشة في الأيام القليلة الماضية غياب أي معارضة سياسية حقيقية داخل إسرائيل للصفقة. فبينما صوت سموتريتش وبن غفير ضدها في مجلس الوزراء، إلا أنهما لم يستقيلا. قال ليفي: “هذا يثير القلق بشأن ما قاله نتنياهو لهم”.
كل هذا يؤثر على حل الدولتين، الخيار الوحيد الذي يحظى بدعم دولي، لكن دولتين تعارضانه بشكل حاسم: الولايات المتحدة وإسرائيل. وقال العراقي: “لقد تخلت إسرائيل منذ زمن طويل عن فكرة الدولة الفلسطينية، حتى أحزاب يسار الوسط تزعم أن الوقت لم يحن بعد”.
وإذا انتهى حل الدولتين، ولم يكن هناك خيار دولة علمانية واحدة بحقوق متساوية للإسرائيليين والفلسطينيين، فماذا تبقى؟ قال الجندي: “سيستمر الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى، سيطرة إسرائيلية كاملة من النهر إلى البحر، سعيا وراء مشروع إسرائيل الكبرى الذي يتصور تناقصا متزايدا في أعداد الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة. أما من تبقى فسيتم عزلهم وتركيزهم في مناطق يمكن السيطرة عليها. إذا كان الأمر مجرد فصل عنصري، فإننا نواجه حالة دائمة من عدم المساواة. لكن مشروع إسرائيل الكبرى ليس إقليميا فحسب، بل ديموغرافيا أيضا. إنه يزيد الوجود اليهودي في الأرض ويقلل الوجود الفلسطيني”.
وماذا عن العدالة والمحاسبة؟
لا يوجد ما يضمن دخول وسائل الإعلام الدولية إلى غزة، فلم ترفع إسرائيل الحظر خلال وقف إطلاق النار الأخير. ولكن إذا صمد وقف إطلاق النار، فقد يصبح الضغط عليها أقوى من قدرتها على رفضه. وإذا حدث ذلك، كما قال ليفي، “ستكون هناك أسابيع عديدة من ‘يا إلهي، ماذا فعلوا؟’” ومع ذلك، ليس في بقية العالم حيث يمكن أن يُحدث هذا فرقا كبيرا – ففي النهاية، عملت المؤسسات الإعلامية الغربية مع الصحافيين الفلسطينيين لنشر القصص طوال فترة الحرب.
ويمكن أن يكون لهذا تأثير داخل إسرائيل، التي حاولت وسائل إعلامها منذ فترة طويلة تجاهل أو تبرير أهوال غزة. قد يجدون ذلك مستحيلاً بمجرد السماح للصحافيين بالدخول. وقال ليفي: “أتساءل عما إذا كان ذلك سينتشر في المجتمع الإسرائيلي، لا أريد استبعاد ذلك”. ولا تزال مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو قائمة، مما يمنعه نظريا من السفر إلى أي دولة وقعت على نظام روما الأساسي.
ويدرك نتنياهو، المتهم بـ”جريمة حرب التجويع كأسلوب حرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية”، أنه إذا فقد السلطة، فهناك دائما احتمال أن ينتهي به المطاف يوما ما في قفص الاتهام في لاهاي. ولا تزال قضية الإبادة الجماعية تنتظر البت من محكمة العدل الدولية، ولا يتوقع الخبراء القانونيون صدور قرار سريع. ولكن بغض النظر عن محكمة العدل الدولية، فقد أصدرت هيئات أخرى محترمة أحكامها.
وقد خلص العديد من علماء الإبادة الجماعية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والإسرائيلية إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية، بينما توصلت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة الشهر الماضي إلى نفس النتيجة. قالت رئيسة اللجنة، نافي بيلاي: “ترى اللجنة أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية في غزة. ومن الواضح أن هناك نية لتدمير الفلسطينيين في غزة من خلال أفعال تفي بالمعايير المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية”.
– “القدس العربي”: