الصحافه

بمثابة “إعلان حرب”.. نتنياهو في تلميحاته لمصر: إما استيعاب الغزيين أو الظلام

بمثابة “إعلان حرب”.. نتنياهو في تلميحاته لمصر: إما استيعاب الغزيين أو الظلام

تسفي برئيل

“إخوتنا في مصر، أتوجه إليكم نظراً لموقفكم السياسي والاجتماعي في الأمة العربية والعالم، ونظراً لمعرفتنا أنكم تشعرون بالألم الذي يعانيه إخوتكم في غزة. يا سكان مصر وزعماءها، هل ستسمحون بموت إخوتكم جوعاً على حدودكم؟”، هذا ما قاله خليل الحية، رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة في نهاية تموز الماضي. وعندما قال ذلك، تم فسرت مصر أقواله تلك كتهمة مباشرة موجهة بالأساس للنظام المصري؛ لأنه لا يعمل على رفع الجوع عن سكان غزة.

كان الرد المصري فورياً وشديداً. والمتحدثون الرسميون باسم مصر اتهموا الحية وحماس بالنفاق ونكران الجميل بشأن المساعدة التي قدمتها مصر للفلسطينيين. وقالوا إن هدف هذه التصريحات هو إثارة فوضى في مصر ستؤدي إلى إسقاط النظام. محللون كبار في مصر قالوا في حينه بأنها أقوال تنبع من ضغط تتعرض له حماس بسبب ضربة شديدة تعرضت لها من قبل إسرائيل، وأنها تحاول استغلال الوضع الاقتصادي الصعب في مصر لتحريض الجمهور على الاحتجاج ضد النظام. بعد أسبوعين، بعد محادثات مصالحة حثيثة، استُدعي وفد من حماس برئاسة الحية إلى القاهرة لاستئناف المفاوضات حول خطة تحرير المخطوفين، لكن الضغينة بقيت على حالها.

يبدو أن أقوال الحية مست قلب نتنياهو الرحيم؛ ففي مقابلة مع قناة على تلغرام باسم “أبو علي اكسبرس” الخميس الماضي، قال إنه ينوي فحص فتح معبر رفح من الطرف الغزي، الذي هو تحت سيطرة إسرائيل، للسماح لسكان غزة بالخروج إلى مصر. إذا كان ثمة جبهات تنقص إسرائيل، فقد اختار نتنياهو الآن تأسيس جبهة جديدة، بالتحديد مع الدولة التي سيمر على اتفاقات إطار السلام معها، اتفاقات كامب ديفيد، التي سيصادف في هذا الشهر مرور 47 سنة على توقيعها.

مصر، التي دخلت منذ بداية الحرب إلى حالة استعداد قرب الحدود مع قطاع غزة، لم يكن يتعين عليها تقديم دليل على أن إسرائيل لم تتنازل عن حلم استئصال سكان غزة وإرسالهم إلى شبه جزيرة سيناء

مصر، التي دخلت منذ بداية الحرب إلى حالة استعداد قرب الحدود مع قطاع غزة، لم يكن يتعين عليها تقديم دليل على أن إسرائيل لم تتنازل عن حلم استئصال سكان غزة وإرسالهم إلى شبه جزيرة سيناء. هي تعرف أنها فكرة غبية زرعها ترامب (وتراجع عنها الآن) تنبض بقوة في قلب إسرائيل. وزارة الخارجية المصرية أوضحت فوراً بأن خطوة إسرائيلية كهذه “خط أحمر وخرق فظ للقانون الدولي الذي يصل إلى درجة التطهير العرقي”. كما أكدت وزارة الخارجية المصرية في إعلانها أن “مصر لن تكون شريكة ذات يوم في هذا القمع الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، ولن تصبح بوابة الهجرة.

نتنياهو الذي لم ينجح في التغلب على نزوته، أضاف القليل من الزيت الساخن على النار، عندما صاغ لائحة اتهام موجهة ضد وزارة الخارجية المصرية (بدون ذكر اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي بصراحة). حسب أقوال رئيس الحكومة، فإن وزارة الخارجية “تفضل حبس السكان الذين يريدون الخروج من منطقة الحرب، خلافاً لإرادتهم”. وإذا كان هذا غير كاف، فقد نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم” من قبل “مصدر سياسي” في الأسبوع الماضي، أن “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة إيلي كوهين سيفحصان اتفاق الغاز بين شركاء لفيتان ومصر، على خلفية التقارير بشأن خرق مصر اتفاق السلام مع إسرائيل”.

الحديث يدور عن اتفاق تم التوقيع عليه في الشهر الماضي بين الشركاء في حقل “لفيتان”، و”ريتشو” و”نيومنت انرجي” (التي تسيطر عليها مجموعة “ديلك”)، وشركة “بلو أوشن إنرجي”، التي تشتري الغاز لصالح مصر. حسب هذا الاتفاق، ستشتري مصر من إسرائيل 130 مليار متر مكعب من الغاز بمبلغ 35 مليار دولار حتى العام 2024. ولتنفيذ هذا الاتفاق، ستبني الشركات الإسرائيلية ومصر أنبوب ضخ آخر بتكلفة مشتركة تقدر بـ 400 مليون دولار، وستنتهي إقامة الأنبوب في 2028.

مشكوك فيه ـن يعيق نتنياهو المصادقة على صفقة الغاز الأكبر، التي يتوقع أن تكون لها مكاسب كبيرة لإسرائيل، والأهم وضع أسس اقتصادية قوية للعلاقات السياسية الباردة بين الدولتين. لكن يصعب الآن معرفة ما الذي دفعه بالتحديد للتلويح بهذا الاتفاق المهم من أجل تهديد مصر. المبرر الذي تمسك به، أن مصر تخرق اتفاق كامب ديفيد عندما تحشد قوات مدرعات وقوات برية في شبه جزيرة سيناء، يبدو مبرراً ضعيفاً جداً.

في العام 2014 سمحت إسرائيل لمصر بزيادة حجم قواتها في سيناء، حتى في المناطق التي كان يجب أن تكون منزوعة السلاح أو فيها قوات قليلة، حسب اتفاق كامب ديفيد. في 2015 أقيم جهاز تنسيق عسكري بين إسرائيل ومصر، تم في إطاره تنسيق “خروقات متفق عليها”، تسمح بدخول القوات المصرية إلى شبه جزيرة سيناء. في إطار هذا التنسيق، سمحت إسرائيل لمصر باستخدام سلاح الجو في هذه المنطقة، وحسب تقارير في وسائل إعلام عربية (نفتها مصر) كان سلاح الجو الإسرائيلي قد ساعد في هذه المعركة. في شباط الماضي، نشرت تقارير تقول بأن الجيش المصري يقوم بتدريبات ومناورات، ظهرت فيها عشرات الدبابات والجنود وهم ينفذون مناورات دخول وخروج من الأنفاق.

لكن الجيش الإسرائيلي الذي يتابع سلوك الجيش المصري عن كثب، أوضح بأنه لم يحدث أي تغيير في انتشار القوات المصرية، بالتحديد عندما تصف إسرائيل بأن مصر دولة مهددة لها، وأن القاهرة تقرر التوقيع على اتفاق بعيد المدى مع إسرائيل بمبلغ ضخم. صحيح أن أي اتفاقات سياسية أو اقتصادية ليست أشياء محفورة في الصخر، كما أثبتت إسرائيل ذلك، ولكن اتفاق الغاز يستند إلى قرار استراتيجي من قبل مصر لتوثيق العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل رغم الدمار والقتل الذي تقوم به إسرائيل في غزة، ورغم انتقاد المصريين وعلى خلفية ذكرى اتفاق بيع الغاز الذي وقع عليه الرئيس السابق حسني مبارك مع إسرائيل، وكان ذريعة لثورة الربيع العربي التي أدت في نهاية المطاف إلى عزله في 2011.

مصر تنسق لتهدئة الانتقاد العام ضد اتفاق الغاز، وتصفه بـ “توسيع للاتفاق الذي وقع في 2019 وليس كعملية استراتيجية جديدة”. وتقول أيضاً إن هناك بدائل في حالة نزاع سياسي مع إسرائيل. وفعلياً، هي وقعت مع قطر ودول أخرى على اتفاقات للتنقيب عن الغاز واستخراجه. كما وقعت مصر مع تركيا على اتفاق هو الأول من نوعه، الذي يسمح لتركيا بإرساء سفن قرب الشواطئ المصرية لتجميع الغاز السائل، الذي سينقل إلى مصر لاستخدامه في ذروة موسم الاستهلاك. لكنها حلول أغلى بكثير من شراء الغاز الإسرائيلي مباشرة من حقول الإنتاج.

الاتفاق الجديد ينبع من ضرورة اقتصادية ملحة، وجدت بسبب نضوب مصادر الغاز في مصر، ومن انخفاض 40 في المئة في حجم استخراج الغاز من الحقل المصري “زوهر”، ومن نقص مزمن لتزويد الطاقة الذي ينبع أيضاً من ازدياد عدد السكان، الذين أصبح عددهم تقريباً 110 مليون نسمة. مصر، التي نجحت في 2019 في توفير احتياجاتها من الغاز وتصديره لدول أخرى، أصبحت مستوردة له منذ ثلاث سنوات على التوالي، حتى لجأت إلى تطبيق برنامج ترشيد شديد في الطاقة.

في نيسان الماضي، استأنفت الحكومة تعليمات تجبر الوزارات الحكومية على تقليص ساعات تشغيل الأضواء والمكيفات. كما تم إطفاء إنارة الشوارع بالتدريج، واضطرت مصانع إنتاج إلى تقليص كمية الطاقة التي تستخدمها بنحو 10 في المئة على الأقل، وهذه التعليمات أدت إلى إقالة عمال وتقليص حجم الإنتاج. في حزيران، شددت الحكومة تعليماتها للمحافظين وأجبرتهم على الإشراف لتنفيذ التعليمات التي تتضمن إطفاء الأضواء بشكل مبكر في محلات السوبرماركت والمحلات التجارية الأخرى.

في الوقت نفسه، تواصل مصر التي تملك منشأتين لإسالة الغاز، تصدير الغاز إلى دول أوروبا وتركيا على حساب كمية الغاز التي تحتاجها لتغطية احتياجاتها الداخلية. في 2022، سنة ذروة تصدير الغاز، دخل حوالي 8.5 مليار دولار إلى خزينة الدولة. منشآت إسالة الغاز في مصر تخدم إسرائيل أيضاً بشكل غير مباشر، فالغاز الذي تبيعه لمصر والذي ستبيعه لها يأتي عبر مصر إلى أهداف في أوروبا.

لكن سيكون من الخطأ عرض مصر كدولة تعتمد على إسرائيل، واستخدام اتفاق الغاز كقوة سوط سياسي وسلاح استراتيجي لفرض طموحات إسرائيلية على القاهرة وإجبارها على استيعاب سكان غزة على أراضيها. ترى مصر في خطة “الهجرة الطوعية” الإسرائيلية تهديداً لأمنها القومي. وترى في تلميحات نتنياهو الأخيرة، إمكانية فتح معبر رفح، شيئاً قريباً من إعلان الحرب. يبدو أن نتنياهو الذي أوضح بأنه لا يعتبر قطر دولة معادية، قرر تبني جبهة جديدة، بالتحديد مع الدولة التي أثبتت طوال سنين التزامها باتفاق السلام. وهي نفس الدولة التي مهدت الطريق لاتفاق السلام مع الأردن واتفاقات إبراهيم.

 هآرتس 7/9/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب