رئيسيالافتتاحيه

مؤتمر شرم الشيخ: مسرحية سياسية على حساب القضية الفلسطينية

مؤتمر شرم الشيخ: مسرحية سياسية على حساب القضية الفلسطينية

بقلم:رئيس التحرير  –

مقدمة: بين الدبلوماسية المسرحية وحقيقة الأجندات

يأتي مؤتمر شرم الشيخ الأخير في ظل مشهد إقليمي مضطرب، وحرب ما تزال مشتعلة في غزة، واحتقان سياسي غير مسبوق في الضفة الغربية، فيما تعيد الولايات المتحدة وإسرائيل ترتيب أولويات المنطقة تحت مسمى “الشرق الأوسط الجديد”. غير أن المتتبع لتفاصيل هذا المؤتمر يلحظ أنه لم يكن أكثر من عرض سياسي مسرحي، غابت عنه الرؤية، وافتقد إلى أي مضمون حقيقي للسلام أو التسوية العادلة.

فما بين احتفالية الصور الجماعية وابتسامات المصافحة أمام عدسات الإعلام، بدا المشهد أقرب إلى إعادة إنتاج “صفقة القرن” ولكن بثوب جديد، عنوانه “الأمن الإقليمي” ومضمونه دمج إسرائيل عسكريًا وسياسيًا ضمن منظومة عربية بإشراف أمريكي مباشر.

أولاً: شرم الشيخ بين الشكل والمضمون

البيانات الصادرة عن مؤتمر شرم الشيخ تحدثت عن “وقف إطلاق النار” و“ضمان الأمن الإقليمي”، لكنها تجاهلت بشكل شبه كامل القضية الفلسطينية كمحور الصراع. فالمؤتمر لم يناقش وقف العدوان على غزة بعمق، ولم يتطرق إلى إعادة إعمارها أو رفع الحصار عنها، بل ركز على آليات “التنسيق الأمني” و“منع تهريب السلاح” و“تعزيز الاستقرار في المنطقة”.

هذا الانحراف في الخطاب السياسي يعكس تحوّل المؤتمر من منصة للحوار السياسي إلى غرفة عمليات لتثبيت الترتيبات الأمنية الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، في ظل ما تسميه واشنطن “توسيع الشراكات الدفاعية”.

ثانيًا: حضور ترمب واحتفالية الصورة

المشهد الأكثر رمزية في المؤتمر كان احتفالية ترمب مع القادة الحاضرين، والتقاط الصور في غياب أي مشروع واضح للسلام. بدا المؤتمر كأنه إعادة تموضع سياسي لترمب ضمن المشهد الدولي، ومحاولة لاستثمار حضوره في استعراض علاقاته الإقليمية، استعدادًا لما بعد الانتخابات الأمريكية المقبلة.

في الوقت ذاته، استثمرت إسرائيل هذا الظهور لتعزيز مكانتها باعتبارها شريكًا طبيعيًا في التحالف الأمني الإقليمي، في حين ظلت القضية الفلسطينية خارج العدسات وخارج النص السياسي للمؤتمر.

ثالثًا: دمج إسرائيل في الشرق الأوسط الجديد

الهدف غير المعلن من المؤتمر كان واضحًا: تطبيع استراتيجي مغطى بخطاب أمني.

فالولايات المتحدة تسعى لتثبيت إسرائيل كقوة مركزية في “الشرق الأوسط الجديد”، ليس فقط عبر التطبيع السياسي والاقتصادي، بل من خلال الدمج العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي مع دول عربية، تحت شعار “مواجهة التهديدات المشتركة” — في إشارة إلى إيران ومحور المقاومة.

هذا المشروع يهدف عمليًا إلى:

  1. تحييد القضية الفلسطينية بوصفها قضية مركزية.
  2. تحويل بوصلة الصراع من الاحتلال إلى “الخطر الإيراني”.
  3. ضمان استمرار التفوق الإسرائيلي كشرط لأي نظام إقليمي جديد.

رابعًا: الغياب الكامل للمشروع العربي

غياب أي مبادرة عربية جماعية أو رؤية فلسطينية موحدة جعل من مؤتمر شرم الشيخ فرصة لتكريس الوصاية الأمريكية على القرار العربي. فقد اكتفت بعض الدول بدور “الضامن” أو “الوسيط”، فيما جرى تهميش الموقف الفلسطيني الرسمي، وكأن القضية مجرد ملف إنساني أو أمني وليس قضية تحرر وطني.

في هذا السياق، بدا المؤتمر وكأنه نسخة معدلة من مؤتمر العقبة واتفاقات أبراهام، لكنه بواجهة أمنية جديدة، هدفها تطبيع الوجود الإسرائيلي في الإقليم وليس إنهاء الاحتلال.

خامسًا: قراءة في الخلفيات الاستراتيجية

المؤتمر جاء متزامنًا مع عدة مؤشرات استراتيجية:

تراجع الدور الأوروبي في ملفات المنطقة مقابل صعود النفوذ الأمريكي المباشر.

محاولة احتواء تداعيات الحرب في غزة عبر ترتيبات أمنية لا سياسية.

توظيف شرم الشيخ كمنصة رمزية لإعادة إنتاج تحالفات واشنطن في الشرق الأوسط بعد حرب إسرائيل على غزة وإيران.

وبذلك، يتحول الشرق الأوسط الجديد من “إطار للتكامل الاقتصادي والسياسي” كما بشّرت به بعض الخطابات العربية، إلى إطار أمني تقوده واشنطن وتتحكم فيه إسرائيل.

خاتمة: مسرحية سياسية بثمن فلسطيني

مؤتمر شرم الشيخ لم يقدم إجابات بقدر ما عمّق الأسئلة. فقد كشف هشاشة الخطاب العربي، وبيّن أن السلام لا يمكن أن يكون استعراضًا إعلاميًا أو مصافحة أمام الكاميرات، بل عملية سياسية حقيقية تنهي الاحتلال وتعيد الحقوق إلى أصحابها.

إن ما جرى في شرم الشيخ هو مسرحية سياسية بامتياز، الهدف منها ليس السلام، بل إعادة هندسة المنطقة على المقاس الأمريكي الإسرائيلي، فيما تبقى فلسطين الثمن الدائم لأي صفقة أو مشروع يحمل اسم “الشرق الأوسط الجديد”.

هوامش ومراجع مقترحة

  1. تقارير “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” حول ترتيبات الأمن الإقليمي، 2025.
  2. تقرير “مجموعة الأزمات الدولية” عن حرب غزة وملف وقف إطلاق النار، أيلول/سبتمبر 2025.
  3. بيان وزارة الخارجية الأمريكية حول “الشراكة الدفاعية الشرق أوسطية”، تموز/يوليو 2025.
  4. تحليل مركز الدراسات الإسرائيلية “INSS” حول دمج إسرائيل في النظام الإقليمي، آب/أغسطس 2025.
  5. مواقف السلطة الفلسطينية والجامعة العربية المعلنة بعد المؤتمر، وفق وكالة “وفا” الرسمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب