الصحافه

نتنياهو بعد “كنيست ترامب”.. بين تبرئته من الشمبانيا وموقف أردوغان قبل القمة

نتنياهو بعد “كنيست ترامب”.. بين تبرئته من الشمبانيا وموقف أردوغان قبل القمة

نداف إيال

العنوان في هذا اليوم لا يأتي من أي كلمة قالها زعيم، حتى لو كان أقوى رجل في العالم، في خطاب استثنائي في الكنيست. جاء العنوان من الكلمات القليلة، المفعمة بالبكاء، التي كررتها عيناف تسينغاوكر لابنها متان: “حياتي أنت، حياتي، بطل، شجاع، فداك روحي”.

يُقال عادة إن هذه “صورة انتصار”، واليوم حصلنا على عشرين مثلها. لكن كلمة “انتصار” ليست دقيقة. إنها صورة تعافٍ، أو بداية تعافٍ، لأمة بأكملها. ذلك الارتجاف الذي اجتاح الإسرائيليين من مقطع إلى آخر هو ارتجاف النهاية. نهاية مرحلة. ليست نهاية كاملة، إذ ما زالت جثث القتلى في غزة وعائلاتهم تمر بيوم صعب. وليست أيضًا نهاية “حاسمة”، لأن حماس ما زالت في القطاع، مسلّحة، والمستقبل غامض.

لكن بين الأشقاء غالي وزيف برمن بزيّ مكابي تل أبيب؛ وإيتان مور يعانق والديه ويروي بفخر أنه تباهى في غزة بالتربية التي تلقاها منهما؛ وألون أهيل في المروحية مع كلمات شالوم حنوخ: “منبع قوتي، ضحكي وبكائي، نهاية آلامي” – غلب الأمل اليوم ميزان اليأس.

وكانت هناك لحظة أخرى: حين تبيّن أن الرئيس الأمريكي، بأسلوبه الدرامي المعتاد في التفاوض، نجح على نحو عابر ومن داخل الموكب الرئاسي في طريقه إلى القدس، في ترتيب مكالمة بين رئيس الحكومة نتنياهو ورئيس مصر بعد سنتين (!) من القطيعة بينهما. الرئيس المصري دعا نتنياهو إلى مؤتمر في مصر، بمشاركة العالم العربي والإسلامي، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ناهيك عن قادة أوروبيين وآخرين من أنحاء العالم.

لم تمضِ سوى فترة قصيرة حتى بدأت القناة المقرّبة من نتنياهو تتحدث ضد مشاركته في المؤتمر. في مثل هذه الحالات، لا يُعرف ما إذا كان المروّجون ينقلون رسالة من رئيس الحكومة، أم يوجّهون رسالة إليه. وبعد وقت قصير، أعلن مكتب رئيس الحكومة أن نتنياهو لن يشارك بسبب حلول العيد. أما الأحزاب الحريدية فسارعت إلى التوضيح بأنها لم تهدّد بدعم تبكير الانتخابات (والأدق القول إنها لم تلحق بالتهديد).

بحكمته، نجح الرئيس الأمريكي في الحصول على موافقة الدول العربية على المشاركة أولًا، ثم عرض المشاركة على نتنياهو – وهذه كانت خطوة ذكية. لكن أردوغان، بحسب تقرير الصحافي داني زاكن، رفض الهبوط في شرم الشيخ وهدّد بالعودة بطائرته إن حضر نتنياهو. وهكذا نشأت حالة من الإرباك العام. في الوقت نفسه، قدّر مراقبون في إسرائيل أن رئيس الحكومة خشي من مصافحة غير مرغوبة مع محمود عباس. مؤتمر السلام الإقليمي سيُؤجّل ليوم آخر، أو لعصر آخر.

الختام كان بخطاب الرئيس الأمريكي في الكنيست، وكان ذلك نموذجًا أصيلًا من أسلوب ترامب الكلاسيكي. فعندما يتحدث أمام جمهور مؤيد، يكون ترامب سخيًا بالمديح والعناوين البراقة. وباستثناء مهرجان انتخابي من نوع MAGA، لن يجد الرئيس جمهورًا أكثر تأييدًا له من أعضاء الكنيست الإسرائيلي – سواء في الائتلاف أو المعارضة.

للإسرائيليين ما يتعلمونه من استعداد الرئيس الأمريكي لمنح هذا القدر الكبير من الفضل بسخاء للآخرين؛ فقد خصّص لذلك جزءًا واسعًا من خطابه. تعريفه لستيف ويتكوف بأنه “كيسنجر الذي لا يسرّب” سيدخل سجل الاقتباسات، إلى جانب قصصه عن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال كين، وعن النقاش حول مقدار المال الذي تملكه مريام أدلسون في البنك، وانطباعه الإيجابي الشخصي عن زعيم المعارضة لابيد.

سياسيًا، لا شك أن دعوته العلنية للعفو عن نتنياهو كانت العنوان الأهم. “من يهتم بالسيجار والشمبانيا؟” قال الرئيس الأمريكي. توجهه المباشر إلى الرئيس هرتسوغ، من على منصة الكنيست، كان لحظة درامية. وبالنظر إلى ملامح نتنياهو المشرقة، كان ذلك أسعد لحظاته خلال الحرب كلها. ربما كان هذا هو الانتصار الكامل الذي سعى إليه.

ومع سائر عبارات المديح التي تضمنها خطاب ترامب لنتنياهو – مثل قوله له: “أنت رجل محبوب جدًا لأنك تعرف كيف تنتصر” – فإن في هذا ما يكفي لحملة نتنياهو الانتخابية القادمة. من ظنّ أن لدى إدارة ترامب خطة خفية للانتقام من نتنياهو في اليوم التالي، خاب ظنه.

جوهريًا، احتوى خطاب ترامب على عدة رسائل مهمة. دعمٌ لا لبس فيه لإسرائيل، إلى جانب رسالة حاسمة مفادها أن الحرب في قطاع غزة انتهت. وأن على إسرائيل الآن أن تكرّس طاقتها للتنمية والسلام. قال: “لقد حققت إسرائيل كل ما يمكن تحقيقه بالقوة العسكرية. الآن، حان الوقت لترجمة هذه الإنجازات ضد الإرهابيين في ساحة المعركة إلى الجائزة القصوى: السلام والازدهار في الشرق الأوسط بأسره”.

في الواقع، تحدّث ترامب عن مكانة إسرائيل في العالم، وقال إنها “تدهورت”، وأضاف أن نتنياهو أدرك أن “الوقت قد حان”.

غزة ستُنزع سلاحها، وحماس سيُفك سلاحها، قال الرئيس الأمريكي من دون أن يذكر كيف، لكن كان واضحًا برغبته في توسيع اتفاقيات إبراهيم. دعوته لإيران للتوصل إلى اتفاق وردت في نص الخطاب، وكذلك حين انحرف عنه وتحدث بحرية.

لم يذكر الرئيس الأمريكي دولة فلسطينية، لكنه شدد على مساهمة الدول العربية في تحقيق الاتفاق، وبيّن قوّتها الاقتصادية. كانت نقطة توقف مطوّل عند ثروة بعض الدول العربية (هو يقصد دول الخليج والسعودية)، عند صغر حجم إسرائيل، عند قدراتها الاقتصادية والعسكرية، والحاجة إلى تعاون إقليمي.

الخطاب لم يهدد إطلاقًا بعمل عسكري، ولا بدعم لعمل عسكري -لا في غزة ولا تجاه إيران. وطالب ترامب إسرائيل -عمليًا طلب وأمَر- بأن تقلب الصفحة وتمضي قدمًا. قال لنتنياهو وكاتس والمنظومة الأمنية: ابدؤوا التعود على تحقيق أهداف استراتيجية من دون اللجوء إلى القوة العسكرية.

فيما يتعلق بغزة، سيكون ذلك تحديًا بالغ الصعوبة؛ لأن المستوى السياسي في إسرائيل أهمل “يوم ما بعد” منذ عامين. حاليًا، حماس تسيطر على غزة وتقمع معارضيها.

لم يكن هناك فخامة ولا هيبة في الطريقة التي نظّمت بها الكنيست هذا الحدث، أقل ما يقال -وليس فقط بسبب الدعوات الفاضحة التي وُجّهت لأعضاء مركز الحزب إلى منصة الضيوف، أو بسبب عدم دعوة المستشارة القانونية للحكومة ورئيس المحكمة العليا.

لكن في يوم كهذا، حتى المستنقع العكر للسياسة الإسرائيلية لا يستطيع أن يعكّر فرحة اليوم. هذه الفرحة كلّها تخصّ المخطوفين الذين عادوا إلى البلاد بعد معاناة لا يمكن تخيّلها، وعائلاتهم التي لم تفقد الأمل.

وإلى جانب هذه الفرحة، يزدحم حزنٌ عميق على أولئك الذين خاطروا بحياتهم بنقاء نية كي نصل إلى هذه اللحظة؛ هذا الحزن سيبقى حاضرًا في حياتنا زمنًا طويلًا. ليس الفرح والتعافي وحدهما ما سيشكّل حياتنا بعد الحرب، بل أيضًا الحزن والحاجة الملحّة إلى التغيير. عبارة “أن نكون جديرين” أصبحت كليشيه، لكنها في هذه اللحظة أصدق ما يمكن قوله.

يديعوت أحرونوت 13/10/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب