رئيسيالافتتاحيه

ترامب: لو كان بمقدور إسرائيل سحق حماس لفعلت ذلك

ترامب: لو كان بمقدور إسرائيل سحق حماس لفعلت ذلك

اعتراف أمريكي بفشل الحرب وضرورة التحول نحو التسوية السياسية الشاملة

بقلم: رئيس التحرير 

تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشبكة CNN بقوله: “لو كان بمقدور إسرائيل سحق حماس لفعلت ذلك” لم يكن مجرد تقييمٍ للحرب المستمرة، بل إقرار واضح بفشل المشروع العسكري الإسرائيلي الذي لم يحقق أهدافه رغم مرور عامين على اندلاع الحرب في غزة، ودخولها عامها الثالث وسط تصعيد متواصل في الضفة الغربية وتدمير واسع للبنى التحتية والمخيمات الفلسطينية في طولكرم ونور شمس وجنين.

لقد تحوّل هذا التصريح إلى شهادة سياسية من رأس هرم النظام الدولي على أن إسرائيل، رغم دعمها الغربي اللامحدود، عاجزة عن فرض إرادتها بالقوة، وأن الصراع في فلسطين لم يعد قابلًا للحسم العسكري، بل يتطلب تحولًا سياسيًا حقيقيًا في الموقف الأمريكي والغربي نحو مسار التسوية الشاملة والعادلة.

أولاً: الفشل العسكري الإسرائيلي وانكشاف محدودية القوة

منذ بدء العدوان على غزة، سعت إسرائيل إلى القضاء على حركة حماس، وتدمير بنيتها العسكرية، وإعادة صياغة الواقع السياسي الفلسطيني بما يخدم مشروعها الاستيطاني.

إلا أن الواقع أثبت أن آلة الحرب الإسرائيلية استنزفت نفسها دون أن تحقق الحسم، وأن الشعب الفلسطيني– رغم الدمار والحصار – ما زال صامد في وجه مخططات الاحتلال والشعب الفلسطيني ما زال متمسك بكافة حقوقه الوطنية المشروعة وحق تقرير المصير وان قوى المقاومة استعادت انتشارها في مناطق واسعة شمال ووسط القطاع في غزه.

وفي الضفة الغربية، تتواصل عمليات الاحتلال في المخيمات والمدن الفلسطينية ضمن سياسة ممنهجة لتقويض مقومات الحياة. فمخيمات طولكرم ونور شمس وجنين تتعرض لتدمير متكرر للبنية التحتية والمنازل والمنشآت المدنية، في محاولة لكسر إرادة الفلسطينيين، غير أن النتائج جاءت عكسية تمامًا، إذ عززت هذه الجرائم من تلاحم الشارع الفلسطيني والتفافه حول مشروعه الوطني وحق تقرير المصير والثبات على مواقفه وثوابته الوطنية.

ثانياً: دلالات الموقف الأمريكي الجديد

تصريح الرئيس ترامب يأتي في سياق خطة رئاسية شاملة تهدف إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، تمهيدًا لإنهاء الحرب والانتقال إلى مسار سياسي جديد.

وهو بذلك يعكس تحولًا في الإدراك الأمريكي لطبيعة الصراع، إذ لم يعد ممكناً تبرير استمرار الحرب بعد فشلها في تحقيق الأمن أو الاستقرار، لا لإسرائيل ولا للمنطقة.

إن موقف ترامب يمثل انعطافة ضرورية في السياسة الأمريكية التي ظلت لعقود منحازة لإسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

لكن استمرار الحرب وما خلّفته من كارثة إنسانية غير مسبوقة في غزة والضفة والقدس فرض على واشنطن إعادة تقييم مواقفها.

لقد أدركت الولايات المتحدة ومعها أوروبا أن الاعتماد على القوة العسكرية لإخضاع الفلسطينيين لم يعد مجدياً، وأن الاستقرار الإقليمي لن يتحقق إلا عبر تسوية عادلة وشاملة تعيد الاعتبار للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ويجب أن تستند لمرجعية قرارات الشرعية الدولية بعيدا عن محاولات التهرب من الاستحقاقات الدولية

ثالثاً: سقوط مشروع الميليشيات والانكشاف الميداني

خلال العامين الماضيين، حاولت إسرائيل إنشاء تشكيلات أمنية محلية في غزة لإحلالها محل قوى المقاومة لفرض الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية، غير أن تلك المجموعات فشلت في تحقيق أهدافها، وتفككت سريعًا تحت ضغط الواقع الشعبي والميداني.

إن انهيار هذه المحاولات يؤكد أن قوى المقاومة أصبحت جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية الفلسطينية، وأن أي مسعى لتطويعها أو تفكيكها بالقوة محكوم عليه بالفشل.

لقد تحولت قوى المقاومه الفلسطينيه من مجرد فاعل ميداني إلى مكوّن سياسي واجتماعي متجذر، ما يجعل تجاوزها في أي حل سياسي أمرًا مستحيلًا.

رابعاً: نحو تحول أمريكي وغربي حقيقي

إن الحرب التي دخلت عامها الثالث أظهرت أن المنظور الأمريكي القائم على إدارة الصراع لا حله قد استنفد نفسه.

اليوم، بات المطلوب تحول حقيقي في الموقف الأمريكي والغربي من خلال:

  1. الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار (242) و(338) و(3236) الذي يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
  2. الدفع بمسار مفاوضات حقيقية وجادة تفضي إلى تسوية عادلة، تنهي الاحتلال الإسرائيلي وتؤسس لسلام دائم يقوم على العدالة لا على الإملاءات.
  3. الإقرار بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار ذلك الأساس الواقعي لأي استقرار سياسي.

وفي حال استمرار المماطلة أو رفض إسرائيل لهذا المسار، فإن البديل المنطقي والأخلاقي يصبح إقامة دولة فلسطينية على كامل الجغرافيا التاريخية لفلسطين، دولة ثنائية القومية يتمتع فيها الفلسطينيون واليهود بكامل الحقوق المتساوية ضمن نظام ديمقراطي يضمن العدالة والمواطنة دون تمييز.

خامساً: دلالات التحول في الخطاب الأمريكي

تصريح ترامب، الذي يُفهم منه إقرارٌ بفشل القوة الإسرائيلية، يعبّر عن إدراك متأخر لحقيقة مركزية:

أن القوة لا تخلق أمنًا، وأن الاستقرار لا يُبنى على أنقاض الشعوب.

لقد تحولت الحرب على غزة من “عملية أمنية” إلى أزمة أخلاقية وإنسانية وسياسية عالمية، وضعت الغرب أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية.

إن استمرار الصمت الغربي إزاء الجرائم الإسرائيلية لم يعد مقبولاً، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد استيطاني في القدس والضفة ومحاولات فرض الأمر الواقع بالقوة.

ومن هنا، فإن التحول المطلوب لا يمكن أن يكون شكليًا أو إعلاميًا، بل يجب أن يترجم إلى سياسات فعلية تدعم إنهاء الاحتلال وتؤسس لدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة.

ونختم بالقول من فشل الحرب إلى أفق التسوية

لقد كشفت الحرب التي دخلت عامها الثالث أن إسرائيل ليست في موقع القوة كما تتظاهر، وأن صمود الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس أسقط أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.

وما قاله ترامب – بوضوح غير مسبوق – يعكس لحظة إدراك أمريكية لحقيقة ميزان القوى الجديد، الذي لم يعد يُقاس بترسانة السلاح بل بإرادة الشعوب وقدرتها على البقاء والصمود.

اليوم، يقف العالم أمام مفترق طرق:

إما أن يتجه نحو تحول سياسي حقيقي يقود إلى حل عادل يقوم على قرارات الشرعية الدولية وحق تقرير المصير،

وإما أن يستمر في إدارة الصراع بسياسات ازدواجية لا تنتج سوى مزيد من الدماء والدمار.

فالسلام لن يتحقق بالقوة،

بل بالاعتراف بحق الفلسطينيين في وطنهم ودولتهم وعاصمتهم القدس،

وبإقامة نظام سياسي يضمن العدالة والمساواة، سواء ضمن دولة فلسطينية مستقلة أو دولة ثنائية القومية على كامل الجغرافيا الفلسطينية التاريخية، يعيش فيها الجميع بكرامة وحقوق متساوية تحت سيادة القانون.

هوامش قانونية وتحليلية

  1. القرار 3236 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (1974) يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستقلاله الوطني.
  2. القرار 242 (1967) والقرار 338 (1973) يدعوان إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وإقامة سلام عادل ودائم.
  3. تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة (2025) وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة بأنها ترقى إلى جرائم حرب وفق اتفاقيات جنيف الرابعة.
  4. تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS، أغسطس 2025) أقرّ بأن إسرائيل تواجه أزمة استراتيجية غير مسبوقة بسبب فشل الحسم العسكري وتآكل الردع.
  5. تقرير الأونروا (سبتمبر 2025) وثّق تدمير أكثر من 80% من البنى التحتية في غزة ومخيمات الضفة، ما يجعل الوضع الإنساني كارثيًا ويتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب