لماذا يغيّر نتنياهو اسم حرب الإبادة من “السيوف الحديدية” إلى “حرب القيامة”؟

لماذا يغيّر نتنياهو اسم حرب الإبادة من “السيوف الحديدية” إلى “حرب القيامة”؟
الناصره / وديع عواوده
تخوض حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو معركة متصاعدة على الرواية طمعًا بالتأثير على الوعي، وعي الإسرائيليين بالأساس، من أجل هندسته وتصميم ذاكرتهم، ليس فقط من أجل مكانتها في التاريخ، بل طمعًا بزيادة احتمالات البقاء في السلطة، عشية انهيار محتمل للائتلاف الحاكم نتيجة “ألغام” داخلية، والذهاب لانتخابات عامة مبكرة.
براك: على نتنياهو أن يستقيل بدلاً من البحث عن تسميات جديدة للحرب.. وإن كان لا بدّ من اسم جديد فليسمّها “حرب سلامة زوجتي”
ضمن هذه المواجهة الداخلية من المفترض أن تصادق حكومة الاحتلال، في اجتماعها اليوم، على اسم رسمي لحرب الإبادة على غزة من “السيوف الحديدية” إلى “حرب القيامة”، أو “حرب النهوض”، وهذه رغبة نتنياهو الذي اعتبر “السيوف الحديدية” اسمًا مؤقتًا وغير ملائم للحرب منذ أن بدأت، زاعمًا أن هذه تسمية ملائمة لمعركة لا لحرب.
في اجتماعها الأول بعد إنهاء الحرب ستصادق حكومة الاحتلال، اليوم الأحد، على الاسم الجديد المقترح من قبل نتنياهو شخصيًا بالمشاركة مع وزير الأمن كاتس، وكلاهما يعتبر أن “السيوف الحديدية” تسمية مؤقتة، وأن تسمية “حرب القيامة” تُستخدم منذ شهور فعليًا في مواقع المؤسسات الحكومية.
وجاء في مشروع التسمية الجديدة المقدَّم من قبل نتنياهو وكاتس أن الحرب اندلعت بعدما هاجمت “حماس” إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، ووقتها مُنحت اسمًا مؤقتًا، والآن نقترح المصادقة على اسمها الرسمي “حرب القيامة” التي نهضت فيها إسرائيل وقاتلت على سبع جبهات.
ويطمع نتنياهو بتسمية لها دلالة وتداعيات تاريخية تُشي بحدث مؤسِّس جلل ينطوي على شحنة عاطفية وجدانية، وعلى رسالة مفادها أن إسرائيل نجحت في مواجهة هذا الحدث الخطير والنهوض منه وقلب الموازين فيه.
المعركة على الرواية
وبخلاف ما يبدو للوهلة الأولى، فإن التسميات فعل هام وجزء أساسي من المعركة التي يخوضها نتنياهو الآن بشكل مكثّف أكثر على رواية الحرب: أسبابها وأهدافها، ملابساتها، نتائجها وكيفية انتهائها.
نتنياهو المجرب سياسياً، وقد اعتلى سدة الحكم للمرة الأولى عام 1996، يعي التأثير الحاسم للرواية على الوعي، ويدرك مفاعيل الوعي على الموقف العام من الحرب ومنه ومن حزبه، من ناحية الذاكرة، ومن ناحية الشعبية، واحتمالات الفوز بثقة الإسرائيليين في أي انتخابات تتم الآن بعد انتهاء الحرب، التي اعتبرها الإسرائيليون أيضًا الأطول والأكثر شراسة وكلفة في حروب إسرائيل، وكانت بدايتها قد انطوت على خسائر وأوجاع وإهانة للجانب الإسرائيلي.
والسؤال: إذا ما كانت التسمية الرسمية الجديدة لحرب الإبادة هي التي ستعلق بأذهان الإسرائيليين، أم تبقى التسمية غير الرسمية الأكثر شيوعًا “حرب السابع من أكتوبر”.
تدلل تجارب الماضي أن بعض الحروب التي تورطت بها إسرائيل وتسببت لها بخسائر موجعة قد غلبت فيها التسمية الشعبية غير الرسمية على التسمية الرسمية الحكومية التي تنطوي على محاولة تثبيت روايتها وهندسة الوعي حيالها. ومن أبرز هذه التجارب حرب لبنان الأولى التي اندلعت عام 1982 وكان يُفترض أن تستمر أسبوعًا فدامت 18 سنة وكلفت إسرائيل خسائر كبيرة اضطرتها للانسحاب الفوضوي في 2000، وكانت حكومة بيغن قد صادقت على تسميتها الرسمية “حرب سلامة الجليل” ضمن مسعى للقول إنها حرب دفاعية مشروعة ومبرَّرة جاءت ردًّا على هجمات الفلسطينيين من جنوب لبنان.
معارضة واسعة
وتثير مبادرة نتنياهو وكاتس معارضة أوساط واسعة، على رأسها العائلات الثكلى. ويقول عضو الكنيست المعارض من حزب “العمل” غلعاد كاريف إن حزبه سيطرح على طاولة البرلمان (الكنيست)، مع افتتاح دورته الشتوية غدًا الإثنين، مشروعًا لتسمية “الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل” بـ”حرب فرحة التوراة”، كون السابع من أكتوبر قد حدث يوم عيد “فرحة التوراة”.
وتابع كاريف، في تغريدة في تطبيق “إكس”: “رغم كل المحاولات، ورغم عمليات التجميل السميكة، لن ينجح نتنياهو في محو وصمة العار عن جبينه”.
وحمل رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود براك على نتنياهو، وقال في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، صباح اليوم، إنه على نتنياهو أن يستقيل بدلًا من البحث عن تسميات جديدة للحرب طمعًا بتغيير روايتها الحقيقية، خاصة إخفاقاته الكبيرة فيها. وتابع: “وإن كان لا بد من اسم جديد فليسمّها نتنياهو باسم زوجته: حرب سلامة زوجتي”، وذلك في إشارة للدور الكبير لسارة نتنياهو في دفع زوجها لمواصلة الحرب وتعطيل كل الصفقات.
وقال براك إنه من أجل أن تُسمى الحرب “حرب القيامة” ينبغي أن تسبقها كارثة بحجم الكارثة خلال الحرب العالمية الثانية، أما في السابع من أكتوبر فقد حدث ما هو عار، وتابع: “في ذاكرة الإسرائيليين ستبقى هذه حرب السابع من أكتوبر”.
كيف انتهت الحرب وما هي نتيجتها
في مقال ساخر، يتهم المحلل العسكري في صحيفة “معاريف” العبرية آفي أشكنازي حكومة نتنياهو بمحاولة تغيير الواقع بقوله: “مع قيامة إضافية كهذه سنفقد الطريق. نتنياهو ابتدع هذا الاسم (حرب القيامة) في خطوة خلافية، لكن الجانب الإيجابي فيها أنها تنهي فصلًا أسود في هذه الحرب، من أجل أن يستطيع الإسرائيليون بدء عملية الاستشفاء والترميم حقًا. صحيح أن نتنياهو لا يريد إعلانًا رسميًا عن نهاية الحرب لدواعٍ سياسية، لكن اختيار اسم لها سيمكّن الجيش فورًا من صياغة شارة الحرب التي سيثبتها جنوده على ملابسهم العسكرية، وهذه تكون فعليًا نهاية الحرب”.
ويوضح أشكنازي أن نتنياهو يريد تغيير اسم الحرب التي بدأت بفشل وخسارة عسكرية لإسرائيل مقابل “مجموعة مسلحين ينتعلون الشباشب” ممن احتلوا أجزاء من البلاد وقتلوا 1182 إسرائيليًا في يوم واحد، وخطفوا 251 جنديًا ومدنيًا، وأصابوا 3300 إسرائيلي بجراح داخل المنطقة السيادية.
يشار إلى أن وزير الأمن كاتس وقائد جيش الاحتلال زامير أعلنا، يوم الخميس الفائت، عن تشكيل لجان منح الأوسمة العسكرية، وهي عادة لجان تُقام بعد نهاية كل حرب، أما تغيير الاسم الرسمي للحرب فيعني تغيير الألواح الرخامية المثبّتة على قبور 916 جنديًا بألواح جديدة تحمل الاسم الجديد “حرب القيامة”.
كاريف: رغم كل المحاولات، ورغم عمليات التجميل السميكة، لن ينجح نتنياهو في محو وصمة العار عن جبينه
ترتبط المساعي لتغيير اسم الحرب بمساعٍ أخرى تواصلها حكومة الاحتلال لتثبيت الرواية المتعلقة بنتيجة حرب الإبادة على غزة وكيفية انتهائها، فنتنياهو يصعّد في الأيام الأخيرة محاولاته للتأكيد على أن حكومته أوقفت الحرب بعدما حققت منجزات كبيرة وغير مسبوقة، مقزمًا الدور الأمريكي في ذلك.
الضربة في الدوحة
غير أن الرياح التي تهب في واشنطن أحيانًا لا تجري بما تشتهيه سفن نتنياهو، ففي برنامج “ستون دقيقة”، الذي ستبثه الليلة شبكة “سي بي إس”، يؤكد المبعوث الأمريكي ونائب الرئيس فانس أن الرئيس الأمريكي فوجئ بالضربة الإسرائيلية في الدوحة، واعتبرها خيانة من طرف نتنياهو، مستنتجًا أن إسرائيل فقدت السيطرة على أفعالها ولا بد من التدخل، فسارع للاتصال به طالبًا وقف الحرب. وفي التزامن أجرى اتصالات مع قطر وهدّأ من روعها، ووعد بمتابعة الموضوع بما تريده، وفعلاً أجبر نتنياهو لاحقًا على تقديم الاعتذار لها.
وهذا ما يواصل مراقبون إسرائيليون التأكيد عليه بالقول إن الحرب توقفت بقرار من البيت الأبيض واضطر نتنياهو للرضوخ، وأنها انتهت قبل تحقيق أهدافها، محذرين الإسرائيليين من تسويق روايات مزوّرة من قبل نتنياهو.
تزامنًا مع المعارك على الرواية والوعي، وفي ظل ازدياد احتمالات الذهاب لانتخابات عامة مبكرة، تحدث عن ذلك محرر الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية رونين بيرغمان تحت عنوان “أكاذيب نتنياهو العشر”، واليوم الأحد، يتحدث عن ذلك زميله المحلل السياسي بن درور يميني الذي يصف إسرائيل بـ”جمهورية الموز”، منوهًا إلى خطورة فقدانها قرار الحرب والسلام وارتهانها للإرادة الأمريكية، وتابع: “لم يكن شيء هنا ليحصل دون ترامب“.