مقالات
في سبيل بناء الإنسان العربي مشكلة الذوق في الثقافة العربية. بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق -

في سبيل بناء الإنسان العربي مشكلة الذوق في الثقافة العربية.
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
المقاربة من مسألة الذوق في الثقافة العربية الشعبية،مسألة في غاية الأهمية،ونحن ننظر بعين مستقبلية للإنسان العربي،فرداً وجماعةً ومجتمعا ً.
وعن سؤال منهجي عن أهمية الذوق في حياتنا العربية،وعلاقته بالتحديات التي تواجه المجتمع العربي،في معركة مستقبله؟
تلزم المقاربة في الإجابة على هذا السؤال بعض التوضيحات التي تعد لازمة في الوفاء بمستحقات وظيفة ودور الذوق في بناء مجتمع عربي يملك سلامة الحياة الاجتماعية،بكل مكوناتها وتنوعهاالثقافي،ومايحتاجه من قوة الروابط والتساند بين هذه المكونات.
وأولى هذه التوضيحات ،الوقوف أمام معنى مفهوم الذوق،في اللغة العربية،تجاوباً وتناغماً مع قاعدة أنثروبولوجية بأن من مهامها البحثية النظرية والحقلية وضع المعاني الصحيحة على الظواهر البنائية التي تدرسها وتبحثها وتقاربها،وذلك منهجها في تحليل وتفسير الظواهر،التي تقول فيها كلمتها الأخيرة.
“(ذاق) الطعام -ذوقاً،وذوقاناً،ومذاقاً:اختبر طعمه.ويقال:
ماذقت نوماً.و-الشيء:جربه واختبره.فهو ذائق ،وذواق.(الذوق)
: الحاسة التي يميز بها طعم الأشياء بواسطة الجهاز الحسي في
الفم،ومركزه اللسان.و-(في الأدب والفن ):حاسة معنوية
يصدر عنهاانبساط النفس. أو انقباضها لدى النظر في أثر من آثار الفن أو الأدب-المعجم الوجيز-مجمع اللغة العربية –
القاهره-1992-ص248″
أما في الثقافة العربية الشعبية فلها عدّة معان تتلاقى وتتقاطع حول معنى الذوق بصفت الأمر (ذوق) كفاية حاجتك وتاتي بمعنى المدح بالقول (مِذًوِقْ) لطيف يعرف الاستجابة مع ما يطلب منه،ويجيد التصرف،وحلو الكلام،(مابيعرف الذوق) لايجيد التصرف،وبين هذه المعاني الشعبية تتلاقى مع معنى شعبي آخر(مابيعرف الذوق) أي لايجيد التصرف،ولا يأتي السلوك الحسن الذي يرضي الناس.
وناتي بحكاية تدلنا على الذوق الفردي والذوق المجتمعي،وتشير وتدلّ على الذوق العام بشأن قضايا سلوكية ونظرة المحتمع إلى الأشياء في قيمها المعنوية ًالجمالية،وما يرضي الناس،وما يغضبهم،ولايستسيغونه،ويستنكرونه.في يوم عطلة اصطحبت أولادي:حسن،وحسام،ونوار إلى حديقة-ستاد دوجلاس،في غرونبل بفرنسا،وهي من أجمل حدائق الدنيا،وفيها آلاف أو مئات الأطفال،يلعبون ،وتلاحظ ان الأولاد يتجنبون الإساءة إلى جمال هذه الحديقة وأزهارها الرائعة الجمال،والتنسيق والتوزيع،ونزل أبنائي من السيارة،فركضت نوار وقطفت وردة ،فانتبهت إلىها،وطلبت منهم عدم مد أيديهم إلى الأزهار،وقلت لوالدتهم:هل يوجد طفل غير أولادك يقطف الزهر والورد.؟
في ثقافتناالعربية لاتوجد ما يتعلق بتربية الأطفال على معنى قيم نظافة الشارع،والقيمة ًالجمالية للحدائق ومافيها من أشجار وأزهار وطيورها الذرق الجمعي والمجتمعي،بيوتنا نظيفة و شوارعنا وسخة.
الحكاية الثانية،وأنا عند صديقي في مؤسسة ثقافية عالية الشأن ،دخل علينا نائب المدير وسأل صديقي عن أوراق لم تنجز فغضب وراح يؤنّب صديقي،متجاهلا وجودي،علما أنّ هذا النائب ممن تعينهم الحكومة وتفرضهم على المؤسسة بعقلية الانتقاء،وما للانتقاء من خلفيات ثقافية.كان سؤالي عن هذا التصرف بحد ذاته مؤشرات ومحددات الذوق الفردي،والذوق العام،فوجدت في هذه الظاهرة،انعدام الذوق في هذا الأداء والتصرف،وما فيه من سلوكية المسؤول المدعوم .
قلت في هذه المقاربة مايخص مفهوم الذوق في ثقافتنا العربية،قاصداً الاهتمام بتنمية الثقافة العربية بالمفاهيم والمصطلحات التي تخص الذًوق الفردي والمجتمعي،وأن يكون لها الأولوية في برامجنا ومقرراتنا المدرسية،وأن يخصص لها مساحات في إعلامنا العربي المقروء والمسموع،حتى نحافظ على جمال الطبيعة ونظافة شوارعنا،وحلاوة حدائقنا ومدارسنا وأن يكون الشارع والحديقة والمقعد امتداد لبيوتنا ومنازلنا.وأن تصبح جميعها من همومنا المشتركة.
د-عزالدين حسن الدياب.