الافتتاحيهرئيسي

سقوط الأقنعة… قراءة في تحولات الموقف السياسي والأخلاقي العربي والفلسطيني

سقوط الأقنعة… قراءة في تحولات الموقف السياسي والأخلاقي العربي والفلسطيني

بقلم: رئيس التحرير 

تشهد الساحة الفلسطينية والعربية مرحلة دقيقة تتّسم بتبدّل المواقف وتراجع المنظومات القيمية التي شكّلت على مدى عقود ركيزة العمل الوطني والقومي. في ظلّ هذه التحولات، تبرز مظاهر الانقسام والتناقض في الخطاب السياسي، وتغيب وحدة الموقف لصالح المصالح الفردية والحسابات الضيقة، ما يعكس أزمةً أخلاقية وسياسية وثقافية باتت تطال معظم مفاصل العمل الوطني والعربي.

لقد أفرزت السنوات الأخيرة واقعًا جديدًا كشف عن هشاشة كثير من الشعارات التي رُفعت باسم النضال، وعن اتساع الفجوة بين الخطاب والممارسة. فبينما تتعاظم معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ويُحاصر أبناء غزة في ظروف إنسانية بالغة القسوة، تتراجع القضايا الوطنية إلى الخلف لصالح أولويات آنية ترتبط بالمصالح والارتباطات الخارجية والداخلية.

تجلّى هذا التراجع في مواقف عدد من القوى والقيادات التي غلّبت الاعتبارات السياسية على الثوابت الوطنية، ما أضعف الموقف الفلسطيني والعربي في مواجهة السياسات الإسرائيلية المتصاعدة. كما ساهم غياب الرؤية الموحدة والانقسام الداخلي في إضعاف القدرة على التأثير، وفتح الباب أمام تدخلات خارجية تُعيد تشكيل القرار الوطني والعربي وفق معادلات لا تخدم بالضرورة المصلحة العليا للشعب الفلسطيني أو استقرار المنطقة.

إنّ هذا السقوط الأخلاقي والسياسي لا يمكن عزله عن البعد الثقافي، إذ تعكس حالة التراجع ضعف الوعي الجمعي، وتآكل منظومة القيم التي قامت عليها حركة التحرر الوطني العربي، بما في ذلك مبادئ العدالة والكرامة والمواطنة. فالتحدي اليوم لم يعد فقط مواجهة الاحتلال، بل أيضًا إعادة بناء الإنسان العربي والفلسطيني على أسس الوعي والمسؤولية والانتماء الصادق.

ومع ذلك، تبقى في المشهد بوادر أمل. فما زال هناك مخلصون يؤمنون بأن فلسطين هي القضية المركزية، وأن وحدة الشعب والوطن تمثل حجر الزاوية في أي مشروع وطني مستقبلي. إن استعادة الثقة تتطلب مراجعة جادة وشاملة، تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وتعيد صياغة الخطاب السياسي على قاعدة الشراكة، والمساءلة، والالتزام بالقيم الأخلاقية والإنسانية.

في النهاية، يمكن القول إن سقوط الأقنعة ليس بالضرورة حدثًا سلبيًا، بل قد يكون خطوة ضرورية لكشف التناقضات وإعادة تصويب المسار. فالأمم لا تتقدّم إلا حين تواجه نفسها بصدق، وتقرّ بأخطائها، وتنهض من جديد على قاعدة الوعي والوحدة والإخلاص في خدمة القضية الفلسطينية وقضايا الوطن العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب