تحقيقات وتقارير

محاولة مصرية – سعودية لاستيعاب «حزب الله» في فترة سماح أمريكية – إسرائيلية حتى نهاية السنة!

محاولة مصرية – سعودية لاستيعاب «حزب الله» في فترة سماح أمريكية – إسرائيلية حتى نهاية السنة!

رلى موفّق

باتت الحرب حرباً نفسياً تزيد من وتيرتها الضربات الإسرائيلية المتواصلة التي تستهدف كوادر «حزب الله» ومواقع وبنى تحتية عسكرية جنوب الليطاني وحتى شماله وفي بقاعه.

يؤكد مصدر لبناني مطَّلع أن شخصية مسؤولة في «حزب الله» تتواجد حالياً في القاهرة لمتابعة البحث في ما طرحه رئيس الاستخبارات المصرية اللواء حسن رشاد خلال زيارته لبنان في 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. يرتكز لبّ الطرح على وساطة بين لبنان وإسرائيل، والأدق بين «حزب الله» وإسرائيل، لإنهاء الحرب، على وقع التحولات الكبرى التي حصلت في المنطقة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وصولاً إلى توقيع وثيقة إنهاء الحرب في غزة، المعروفة بـ«خطة ترامب» الذى جرى بضمانة 4 دول (الولايات المتحدة، ومصر، وتركيا، وقطر) بعد عامين من نشوبها.
هي أيام معدودة ويدخل اتفاق وقف الاعتداءات بين لبنان وإسرائيل عامه الثاني. منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وإلى يومها الراهن، تبدَّلت الكثير من الظروف والمعطيات التي زادت من اختلال ميزان القوى الذي كان سائداً قبل عملية «طوفان الأقصى». لم يكن في ذهن طهران وأذرعها، ولا سيما «حزب الله»، سقوط نظام بشار الأسد جسر الوصل بين طهران وبيروت – أو الهلال الشيعي – وفق المصطلح الذي أطلقه الملك الأردني عبدالله الثاني في 2004. أحدث نشأة هذا الهلال من إيران إلى العراق، مروراً بسوريا فلبنان، تغييرات في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية في بعض دول المنطقة، وشكَّل انهياره ضربة كبيرة لمشروع إيران في المنطقة؛ انتهى بزلزال ضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حرب الأيام الـ12 مع إسرائيل واستهداف الولايات المتحدة لمنشآتها النووية.
حالة انتظار لا تنتهي لحرب آتية

يعيش لبنان واللبنانيون، في يومياتهم، حالة انتظار لا تنتهي لحرب آتية، أو يُقال إنها حتمية ومسألة وقت ليس إلاّ. باتت الحرب حرباً نفسياً تزيد من وتيرتها الضربات الإسرائيلية المتواصلة التي تستهدف كوادر «حزب الله» ومواقع وبنى تحتية عسكرية جنوب الليطاني وحتى شماله وفي بقاعه، وتستهدف بشكل أدق كل حركة لجرافات أو معدات أو مساكن جاهزة في قرى وبلدات الحافة الأمامية المتاخمة للحدود. عملياً لم تتوقف الحرب. ما توقف هو غارات سلاح الجو الإسرائيلي المتواصلة وإنذارات الإخلاء الكليّ التي سبق أن أطلقها المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي بات المصدر الموثوق لحركة اللبنانيين والمرشد لتحركاتهم. تستهدف إسرائيل، من دون سابق إنذار، عناصر وقادة ميدانيين لـ«حزب الله». لا يمر يوم من دون استهداف محقّق. هي حرب استنزاف يدفع ثمنها ليس «الحزب» فحسب، بل كل بيئته الحاضنة ومعها مناطق واسعة من الجنوب، كما لبنان باقتصاده واستقراره وعيش أبنائه.
يعتبر «حزب الله» أن الثمن الذي يدفعه في عمليات الاستهداف مقبول ما دام ذلك يعطيه قدرة على تمرير الوقت بانتظار ظروف أو تطورات قد تقلب المشهد أو تخفّف من حدّته. تستند المعادلة الراهنة على كسب الوقت. يدرك «حزب الله» أنه تلقى هزيمة أفقدته قدراته لكنها لم تسحقه بالكامل، وعملت إيران بقوة وعزم على إعادة لملمة صفوفه وبناء هيكليته القيادية والعسكرية ودخلت على خط الإمساك المباشر بدقائق الأمور بعد فقدان قادة الصف الأول. بدا لـ«الحزب» أن مهمة دفاعه عن أسوار طهران، والنظام العقائدي فيها، ما زالت ضرورة من ضرورات نشأته، ولا سيما بعدما استهدفت تل أبيب بالمباشر الجمهورية الإسلامية وقياداتها، وشنَّت عليها حرباً لم تكن تدور في مخيلات كثيرين. ما لديه، في واقع الأمر، من قدرات عسكرية ترتبط بصواريخ دقيقة، لم يتم استخدامها من قبل وتكمن إدارتها بيد الحرس الثوري الإيراني.
أما الكلام عن إعادة بناء «الحزب» لترسانته العسكرية وترميمها، فهو كلام بعيد عن الواقع. فالترسانة العسكرية لـ«حزب الله» احتاجت إلى عقود كي يتم بناؤها مع طريق إمداد مفتوح من طهران إلى بغداد ودمشق فبيروت، براً وبحراً وجواً. اليوم، خط الإمداد مقطوع، وحتى لو نجحت محاولة تهريب الأسلحة، فهي لا تعادل شيئاً مما كان يصل من قبل. وبالتالي، لا يمكن أن يكون «الحزب» قد نجح في ترميم قدراته إلا بجزء قليل لا يتعدى العشرة في المائة مما فقده، علماً أن الضربات الإسرائيلية، ما بعد وقف إطلاق النار، تواصلت مستهدفة كل ما تلتقطه راداراتها ومسيّراتها في الأجواء اللبنانية.
ما حصل في غزة، بعد عامين من «طوفان الأقصى»، هو أن أوراق القوة لدى طهران هناك قد تلاشت، وفقدتها في سوريا، ويتم الضغط عليها في العراق والإطباق عليها في لبنان. تحوَّلت المعركة إلى مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران على الساحة اللبنانية. يأخذ تضييق الخناق مساراً مالياً. يكفي قراءة بيان الخارجية الأمريكية قبل أيام، الذي أعلن فرض عقوبات على عملاء تمويل يُحوِّلون عشرات الملايين من الدولارات من إيران إلى «حزب الله»؛ إذ اعتبر أن هذا الإجراء يُساند السياسة التي يعتمدها ترامب بفرض أقصى قدر من الضغط على إيران ووكلائها الإرهابيين. وتلتزم الولايات المتحدة بدعم لبنان من خلال الكشف عن عمليات إيران لتمويل «حزب الله» بشكل سري وتعطيلها، حيث إن إيران تُعيق لبنان وتقوِّض سيادته من خلال تعزيز قدرات «حزب الله»، ولا يمكن السماح لها ولـ»الحزب» بمواصلة أخذ لبنان كرهينة. ويختم البيان أن الولايات المتحدة لن تتوانى عن استخدام كافة الأدوات المتاحة لضمان عدم مواصلة تشكيل هذه الجماعة الإرهابية تهديداً للشعب اللبناني أو المنطقة الأوسع.

ملف السلاح غير الشرعي في لبنان

المطلوب من لبنان، أمريكياً وغربياً وخليجياً، إنهاء ملف السلاح غير الشرعي في لبنان. أما كيفية الوصول إلى ذلك، فهي عملية قابلة للابتكارات الخلاّقة من أي جهة أتت. هنا تأتي مهمة رئيس الاستخبارات المصرية الذي ساهم دوره بقنوات أمنية مع إسرائيل عبر رون ديرمر، وبرعاية الوسيطين الأمريكيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنير، في تفكيك الألغام والعُقد مع حركة «حماس» في غزة، ومع صقور اليمين الإسرائيلي. وهو يأتي في محاولة للتوسّط بدور مماثل بين إسرائيل و»حزب الله».
في رأي متابعين مطلعين، أن هناك محاولة عربية حثيثة للدخول على خط الأزمة لحل عقدة سلاح «الحزب» ليس جنوب الليطاني فقط، بل شماله وعلى مستوى الأراضي اللبنانية قاطبة. وسيعتمد ابتكار الحلول على كيفية حفظ ماء الوجه لـ«الحزب» أمام بيئته أولاً، كي لا يظهر بمظهر المهزوم كلياً. ولذلك يتم البحث في إمكان تجميد السلاح وحفظة في مخازن تحت رقابة صارمة، ما يعني سحبه من إمكانية الاستخدام مجدداً، كما يجري البحث مع حفظ سلاح حماس لدى مصر.
وفيما كان لبنان الرسمي يعلن، بلسان رئيس الجمهورية، استعداد لبنان للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل، خرج الخطاب الذي وجّهه «حزب الله» إلى رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والوزراء، معلناً رفضه التفاوض مع إسرائيل. قرأت الأوساط السياسية هذا الخطاب على أنه محاولة من «الحزب» لرفع سقف مواقفه في لحظة إقليمية حسَّاسة، ليؤكد أنه صاحب القرار في ملفات الحرب والسلم، وليس الدولة اللبنانية. كما اعتبرت أن «حزب الله» يسعى لتثبيت موقعه كطرف، لا يمكن تجاوزه، في أي ترتيبات سياسية أو أمنية مقبلة، وأن الخطاب يحمل أيضاً رسالة تحذيرية لإسرائيل فحواها أن أي حوار أو تفاوض حول مستقبل الحدود أو الأمن في الجنوب يجب أن يمرّ عبره حصراً.
في المقابل، ثمة مخاوف حقيقية من أن هذه الخطوة قد تعكس ارتباكاً في حسابات «الحزب»، خصوصاً بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير، إذ تبدو إسرائيل غير مستعدة لأي تفاوض مباشر أو غير مباشر، ما يجعل «حزب الله» أمام معادلة دقيقة بين الإصرار على موقفه السياسي وبين تجنّب الانجرار إلى مواجهة شاملة.
يؤكد مطلعون على تفاصيل العلاقة بين رئيس الجمهورية وقيادة الجيش من جهة، وبين «حزب الله» من جهة ثانية، أن أي خطوة من الخطوات التي يُقْدم عليها الطرفان تتم بالتنسيق التام بينهما، وهي تجري تحت سقفين: السقف الأول المتمثل بالتسوية التي جرت بين جوزاف عون و»الثنائي الشيعي» قبل السير به رئيساً. أما السقف الثاني، فهو الخط المفتوح بين مستشاري رئيس الجمهورية و»الحزب» وبين قيادة الجيش وقيادة «الحزب» العسكرية، ما يجعل العلاقة توافقية لا صدامية، وتنسيقية بامتياز قد تتطلب في كثير من الأحيان توزيع أدوار لعدم حشر السلطة السياسية في الزاوية أمام الأمريكيين خصوصاً. ويلفت هؤلاء المطلعون إلى ارتياح «حزب الله» لوجود وزراء في الحكومة خارج حلقته يتماهون معه في القول إن «حزب الله» سلّم مخازنه وترسانته العسكرية جنوب الليطاني، وأنه يُطبِّق بنود وقف إطلاق النار، في وقت تقصف إسرائيل مواقع وأنفاق جنوب النهر يفترض أنها أضحت منطقة خالية من السلاح.
الأكيد أن امام الدولة اللبنانية طريق واحد للخلاص للخروج من المأزق الذي يواجهها جراء الضغوط عليها في مسألة السلاح التي أضحت شرطاً أساسيا لإعادة الإعمار والنهوض مجدداً بالبلاد اقتصادياً. هذا الطريق هو المفاوضات مع إسرائيل سواء مباشرة أو غير مباشرة. وقد أصبح واضحاً أمام الرأي العام أن العالم أعطى لبنان مهلة حتى آخر السنة، بحيث عليه إيجاد حل او سيدخل في دائرة العنف مجدداً.
على أنه في فترة السماح الفاصلة عن لحظة انتهاء المهلة المعطاة للبنان، ثمة قنوات مفتوحة سياسياً مع «حزب الله» بدأت ملامحها تظهر من خلال زيارة السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري لمقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولقائه نائب الرئيس الشيخ علي الخطيب في خطوة لافتة ترافقت مع تأكيد الدبلوماسي السعودي أن «لا خصومة» للمملكة مع المكون الشيعي في لبنان ولا في الخارج، وتشديده على «عدم استبعاد أي مكون لبناني في الدولة»، وهو ما يعكس روحية «اتفاق الطائف» الذي ساهمت المملكة في توصل اللبنانيين إليه لإنهاء الحرب اللبنانية. سيكون البحث مرتكزاً حول الدور السياسي للحزب، وحول مستقبل الشيعة في لبنان.
لا يمكن للمنطقة أن تتغير، ويبقى لبنان على موازين القوى السابقة التي حكمته وكأن رياح الحرب لم تلفحه ولا خرج «حزب الله» من «حرب الإسناد» مهشماً خاسراً وفاقداً لما تحلى به سابقاً من قواعد اشتباك وتوازن ردع أعطته وأعطت «محوره» اليد الطولى في القرار اللبناني، وهو أمر ما عاد قائماً سياسياً، مهما حاول الحزب التلويح بقلب الطاولة داخلياً والكلام بسقف عال يدرك تمام الإدراك أن لا علاقة له بالواقع السياسي الداخلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب