ثقافة وفنونمقالات

العبقريه والجنون — د.سالم سريه

د.سالم سريه

العبقريه والجنون
د.سالم سريه  
كان هناك طالبا خفيف الظل لا يدخل الى المحاضره الصباحيه دون ان يقوم بجوله صباحيه على مكاتب الاساتذه ويلقي تعليقا او نكته مع هذا المدرس او ذاك مع قهقهة عاليه قال:متى لديك  وقت فراغ يا دكتور لان لدي مجموعة اسئله لا علاقه لها بالفيزياء او الرياضيات.حددت له موعدا للحوار في مكتبي مع لنتناول  معا الشاي الاخضر. وعندما حضر قال: هل هناك علاقه بين العبقريه والجنون؟وإذا كان الآمر كذلك فإن ذلك يعني ان بناة الحضاره هم مجانين. .ولماذا يتكاثر العباقره في بلاد الغرب ونعاني الشحه في بلادنا.هل نحن امه عاقره ام ماذا؟
قلت :هذه اسئله صغيره لكن اجابتها كبيره فهناك مؤلفات كثيره تناولت هذه المواضيع مثل العبقريه والجنون-يوسف ميخائيل اسعد وعبقرية خالد للعقاد والعبقرية في الفن-مصطفى سويف-ومع الخالدين –سمير شيخاني.——الخ اضافة الى ابحاث ومؤلفات اجنبيه كثيره منها طبيه ونفسيه تناولت مسيرة العباقره وسلوكهم.
ان للعبقريه معنى عند العرب يرتبط بالجن والسحر والقدره الخارقه وتطور هذا المفهوم عبر التاريخ ليشير الى الافراد الذين يمتلكون ذكاء مفرط وقدرات خارقه في العلم والادب والفن –رسم وموسيقى- والفلسفه والسياسه وقبل ذلك كله في الدين .فالعبقري ليس مجنونا بالمفهوم السائد الذي يدعوا الى الشفقه وانما بمعنى الإندهاش والتعظيم مع ما يرافق هذا العبقري او ذاك من سلوك مستغرب مثل حالة سقراط: حيث بقي واقفا يفكر في قضيه مستعصيه منذ الصباح حتى صباح اليوم التالي والناس تراقبه باندهاش.وفولتير الذي كان لا يبدأ بالكتابه الا عندما يضع امامه 12 قلم رصاص وبعد ان ينتهي من الكتابه يكسر هذه الاقلام ثم يلفها بالورقه التي كان يكتب عليها ويضعها تحت وسادته عندما ينام.والفيلسوف فرنسيس بيكون كان باستطاعته ان يردد من الذاكره ما ورد في كل كتاب من كتبه كلمه بكلمه وبنفس الوقت كان يرأس غرفة التعذيب بالبلاط الملكي. وكان جان جاك روسو يخشى البرق والرعد ويظن حدوثهما موجه ضده وهو نوع من انتقام السماء وكان لا يأكل الا الطعام الذي يجهزه بنفسه لخشيته ان يدس الطاهي السم فيه.ويروى عن بلزاك انه عندما كان يسير في الشارع لا يدع رقم بيت الا ويسجله ثم يجمع الارقام بعد ذلك فإذا كان مجموع مضاعفات رقم 3 سار في طريقه ضاحكا مستبشرا والا فانه كان يغير اتجاهه الى شارع آخر.ويروى عن شوبنهاور اته كسر ذراع خادمته لانه وجدها ترتب سريره لانه لايريد اي انسان ان يدخل غرفته.وكثيرا ما كان يسجن نفسه في غرفته عدة اشهر.اما اديسون فقد نسي اسمه عندما كان يراجع المحكمه فذكره احد الواقفين بجانبه وكان ينسى تناول طعامه لانه كان منهمكا بالتفكير بقضايا اخرى.
ان هذا غيض من فيض من سلوك العباقره.وبناء على الامثله الوارده اعلاه نستنتج ان هؤلاء البشر هم في عزله عن المجتمع. يقضي الفيلسوف وقته في النوم والقراءه والتاليف والعالم في مختبره والفنان والشاعر في صومعة خياله وقس على ذلك.ليس لدى العبقري وقت للاهتتمام بالزوجه او الاولاد.لذا عاشوا حياة زوجيه فاشله –اينشتين-بيكاسو-مصطفى محمود-تولستوي او ادت ببعضهم للانتحار مثل همنغواي والرسام فان كوخ او الى المصحات العقليه مثل نيتشه اواصيب بعاهات نفسيه مثل نيوتن وسلفادور دالي.ان عزلة العبقري وكل في مضماره انما تجعله في حاله ذهنيه شديدة التركيز مع التخيل المفرط لكشف حقيقه جديده في العلم او نظرية فلسفيه او لوحه فنيه او قطعه موسيقيه.فالرسام فان كوخ لم يبع سوى لوحة واحده في حياته ومات معدما بينما كل لوحه من لوحاته هو او بيكاسو تباع الان بملايين الدولارات.لا يمكن التعميم بان كل العباقره اصيبوا بعاهات نفسيه وانما نسبة مئويه معينة منهم اصيبوا بها اي هناك احصائيات ودراسات بذلك لامجال لذكرها.كما ان كل الدراسات التي تناولت الخالدين انما تضع الانبياء على رأس قائمة العباقره .فالعلماء ورثة الانبياء. لذا فان الحضاره قد بنيت بكافة جوانبها بعصارة عقول جميله كان فيها الخير للانسانيه جمعاء. ان قيمة الانسان في هذه الحياة انما تقاس بمقدار ما يقدم للانسانيه من خير (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً-المائدة- صدق الله العظيم ) علما او ادبا او فنا وهم الخالدون . وللإجابه عن شحة العباقره في بلادنا اقول : ان الموهبه مثل البذره اذا زرعت في التربه المناسبه وتم رعايتها بالماء والسماد والشمس لابد ان تثمر .لذلك تنجب الدول الراقيه عباقره بينما المواهب في بلادنا لا يوجد من يرعاها ويؤهلها منذ الصغر. وإذا تفتحت عبقرية ما سرعان ما تصاب بالإحباط لقلة الإمكانيات فتضطر للهجرة وتثمر في بلاد الغرب.فامريكا ما كانت لتتفوق الا بالعقول المهاجره رغم ان عمرها لا يزيد عن300 عام ونحن بلاد الحضارات في اخر القطار. هم يزدادون تقدما ونحن نزداد تخلفا. التقدم يثمر تقدما والتخلف يثمر تخلفا .ان الكرامة الوطنيه والقوميه اصبحت شديدة الارتباط بالتقدم العلمي والحضاري ولا كرامه ولا مستقبل للضعفاء .هذه هي الحقيقه المره يا بني متى نعي الى اين نحن ذاهبون.
هذه مقالة من كراس (من اروقة الجامعة )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب